الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجال الأحرار (فريمن) الذين قاوموا رجال الشرطة واحد وعشرين يوماً في خريف 1996م في أحد مزارع مونتانا. فإن كل هذا لا يمنع أن تكون الأصولية الإسلامية بالنسبة لأمريكا هي المتآمرة الأولى والممثلة للإرهاب (1).
ولهذا فإنه في تلك الفترة، تضاعفت الحملة الدعائية في الغرب ضد المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، مع إعطاء مسلسل الجرائم الدموية الرهيبة في الجزائر، والجارية بمشاركة (أطراف عديدة) على حساب الإسلام، وعلى حساب الجزائر، عنوان (الإرهاب الإسلامي). ثم في وقت متأخر نسبياً، بدأ الحديث يتركَّز على تنظيم القاعدة وابن لادن، وهو ما يمكن ربطه بالحاجة إلى (رمز)، في كل حملة عداء أو ما يستحق وصف (عملية غسيل الدماغ) لصناعة (صورة العدوّ)، وبالذات بعد غياب رموز الإرهاب اليساري الغربي عمومًا، واضمحلال مفعول ما كان يوصف برموز (الإرهاب الفلسطيني) في وعي الرأي العام الغربي من أفراد ومنظمات، نتيجة تحرّك عجلات مشروع أوسلو، فضلاً عن تساقط رموز دولية للإرهاب من أمثال (كارلوس). وفي يوم 20 أغسطس 1998م أطلقت الولايات المتحدة عدداً من صواريخ الكروز طراز توماهوك يتراوح بين 75ـ100 صاروخ من ست سفن حربية أمريكية وغواصة، على منشآت في أفغانستان والسودان، لتفتح ما وصفها الرئيس (بل كلينتون) بأنه (حرب طويلة) ضد الإرهاب (2).
تحديد الهدف .. ما هو "الإرهاب الإسلامي
"؟
من يتكلم في الغرب الآن عن (الإرهاب الإسلامي) المزعوم، لا يعني إطلاقًا فئات محدَّدة منظمة تحمل السلاح، وترفع شعار (الإسلام ضد مصالح الغرب)، كما يشاع في الخطاب السياسي في العالم الإسلامي، بل يعني كل من يعتبر أن الإسلام هو المدخل العقدي، والحضاري، والفكري، والسياسي، والاقتصادي، إلى تغيير أوضاع المسلمين إلى الأفضل، بما يتضمنه ذلك من تغيير موقعهم على مستقبل الخريطة العالمية، بما يمكن أن يؤثر على مسيرة الهيمنة والعولمة الغربية الراهنة. بل بات
(1) المصدر السابق ص237
(2)
استهداف العراق - العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية - جيف سيموند - مركز دراسات الوحدة العربية ص43
في كثير من الأحيان مجرّد انتماء المرء إلى الإسلام، أو إلى المنطقة الحضارية الإسلامية، مبررًا كافيًا لتشمله نظرة العداء الغربي، وعملية التطويع والتوظيف لتطبيق الأهداف الثابتة لشعار (العدو البديل). ومما يدل على ذلك ـ على المستوى السياسي ـ أن السلطات الأمريكية ـ التي تتقن توزيع الأدوار بين الحكومة ومجلسي الشيوخ والنواب، وأجهزة المخابرات، ووسائل الإعلام ـ لا تتردد عن كيل الاتهامات لدول شاع وصفها بالدول المعتدلة، رغم علاقاتها الوثيقة مع واشنطن، كالسعودية ومصر. كما نجد على المستوى الإعلامي، عشرات الأمثلة للخلط بين الحكومات والمنظمات والعلماء وعامة الشعوب، كلما أراد أحد الإعلاميين الأمريكيين التدليل على أن الإرهاب في المنطقة الإسلامية منتشر، وأنّ له جذوره في الإسلام نفسه، مما يساعد في نمو كثير من الأفكار النمطية عن الإسلام حتى في مبنى الكابيتول (1).
ففي عام 1990م ربط (دان كويل) نائب الرئيس الأمريكي في خطاب له أمام تلاميذ أكاديمية أنابولس التجربة الأصولية الإسلامية بالنازية والشيوعية، وأعلن (باب بوكانان) أي المرشح الجمهوري اليميني في الحملة الرئاسية عام 1992م: "طيلة ألف عام دار الصراع حول مصير البشرية بين المسيحية والإسلام وقد يكون الأمر كذلك ثانية في القرن الحادي والعشرين، لأنه في الوقت الذي يذلنا فيه الشيعة، يملآ إخوانهم في الدين بلدان الغرب. فمنذ الأسر الإيراني للعاملين الدبلوماسيين الأمريكيين في عام 1979م وعبر احتجاز الأمريكيين رهائناً في لبنان، إلى نسف مركز التجارة العالمية في نيويورك في 1993م بدا أن الخطر يزداد قرباً، وقدم فيلم وثائقي تلفزيوني عرض في ديسمبر 1994م بعنوان الجهاد في أمريكا صورة درامية للنزعة الإسلامية، وهي تضرب مباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغ من قوة هذا القلق أنه حين انفجرت قنبلة خارج مبنى حكومي في مدينة أوكلاهوما وقتلت المئات، كانت الاستجابة المباشرة لكثير من معلقي وسائل الإعلام وللشرطة هي أن الانفجار من فعل إرهابي الشرق الأوسط، وجرى البحث عن رجال ذوي تقاطيع شرق أوسطية، وتحدث خبراء الإرهاب في التلفزيون، وصدرت
(1) الإسلام عدو بديل - نبيل شبيب ـ إسلام أون لاين 12/ 01/2001م
دعوات إلى هجمات وقائية ضد العرب والمسلمين، ولكن كان الجناة مجانين من نبت أمريكي (1).
وفي عام 1992م عثر رالف برايبانتى، وهو عالم وكاتب بارز في الشؤون الإسلامية، في أحد مكاتب الكونغرس، على بحث يتضمن "معالجة للإسلام بوصفه العدو الكامن للولايات المتحدة، هي الأشمل من نوعها، والأكثر إثارة للخوف" كان برايبانتى يشير إلى كتاب ليوسف بودانسكى، مدير مجموعة العمل المتخصصة بالإرهاب والحرب في الحزب الجمهوري. ففي كتابه عن تفجير مبنى "مركز التجارة العالمي" في مدينة نيويورك عام 1993م، عمد (بودانسكى) المحرر التقني الأسبق لمجلة (القوات الجوية الإسرائيلية) إلى إطلاق عنان خياله، إذ كتب يقول: لقد باشر الإرهاب الإسلامي الحرب المقدسة - الجهاد ـ ضد الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، وهو يشنها عبر الإرهاب الدولي بالدرجة الأولى. كما حذر الأستاذ الجامعي الأمريكي (عاموس بيرلماتر) في عام 1984م، من حرب إسلامية شاملة تشن ضد الغرب والمسيحية والرأسمالية المعاصرة، والصهيونية، والشيوعية في وقت واحد (2). كما نجد على المستوى الفكري سلسلة لا تنقطع من الأمثلة، منها أوّل كتاب ظهر في ألمانيا بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن بعشرة أيام فقط، حمل عنوانًا يزعم التعريف بأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وإذا به لا يترك منظمة ولا جماعة إسلامية، ولا عالمًا معروفًا، إلا و"يخترع" صلة ما بينه وبين الإرهاب، بما في ذلك جماعة التبليغ مثلاً، التي اشتهرت ببعدها عن كل صورة من صور العنف، ورفضها لكل عمل سياسي.
وهكذا يظهر أن المستهدف في الحملة القائمة هو الإسلام نفسه .. والأهم من الحملة ذاتها أن التغيير في العناوين الكلامية ـ للتعبير عنها خلال العقد الماضي ـ رافقه الثبات المطلق على الصعيد التطبيقي. فأصبح مضمون شعار العداء هو المحور الرئيس المطروح على بساط تبرير استمرار وجود حلف شمال الأطلسي بعد إلغاء
(1) الإسلام وخرافة المواجهة -الدين والسياسة في الشرق الاوسط- فريد هاليداي- ترجمة محمد مستجير- ص 217 - مكتبة مدبولي-ط1 1997
(2)
لا سكوت بعد ـ اليوم ـ بول فيندلى ـ ص87