الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيح. وكانت أنشودة معركة الجمهورية (1) تتمتع بشعبية، لأنها طبقت الرموز التوراتية الشائعة على قضية الاتحاد الشمالي. أما بالنسبة لأولئك الذين حملوا هذا التشبيه على محمل الجد، فكانت هذه الألفية فترة تتوج مسيرة تقدم الإنسانية، حيث سيحكم المسيح العالم ويغير مسار الحضارة، ويحدث تقدماً روحياً يحقق جميع أحلام الإنسانية، حيث سيشهد العصر المقبل نهاية للحروب، والرق، والعنف، والرذائل كالزنا، ومعاقرة الخمر، وسيحمل معه قفزات عظيمة إلى الأمام في العلم والتكنولوجيا والمعرفة الإنسانية، وتحقيق الديمقراطية، بما تحمله من وعود بالحرية والعدالة للجميع.
وإذا أريد للولايات المتحدة تحقيق مصيرها كقائدة في هذه المهمة، فإن عليها استئصال كبائر مثل: الرق للبرهنة على قدرة الأمة المكرسة نفسها للحرية والعدالة على الاحتمال والصمود. "ولذلك عندما تشكلت الأمة الجديدة تقبل الأمريكيون بسرعة حديث الميثاق المتعلق بالحصول على مباركة الله أو التعرض لخطر أحكامه. وقد أحب الأمريكيون النظر إلى أنفسهم على أنهم حملة رسالة خاصة. وتحدثوا فوراً، بصورة تكاد تماثل ما كان البيوريتان قد تحدثوا به، عن الولايات المتحدة بوصفها إسرائيل الجديدة، اختارها الله لتقوم بدور قيادي في حقبة جديدة من افتداء العالم"(2).
النظام الدولي الجديد .. والنظرية الكونية للتاريخ
نشر بعض وعاظ الضوء الجديد، أثناء اليقظة الكبرى، الفكرة القائلة: "إن الكرة الأرضية كانت تقترب من فجر عصر جديد، حيث تحدث الكتاب المقدس، الذي كان يعتبر على نطاق واسع المرجع النهائي حول جميع المسائل، عن عصر ألفي وألف سنة من حكم المسيح. ومع أواسط القرن الثامن عشر كان أكثر التفسيرات شيوعاً
(1) تقول أنشودة الجمهورية: "وسط روعة الزنبق ولد المسيح على البحر، يحمل في صدره بهاء يغير من شكلك وشكلي نحو الأكثر روعة: وكما مات هو لإضفاء القداسة على البشر، فلنمت نحن لتحريرهم، بينما يسير الله قدماً". (جوليا وارد هاو)، (أنشودة الجمهورية - 1861) الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص 15
(2)
الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص26
يقدمه الإحيائيون الأمريكيون لهذه النبوءة، وهو أنها تنبأت بصورة رمزية بالعصر النهائي في التاريخ الذي سيأتي فيه روح المسيح أو الروح القدس لتحكم في العالم. وقد نظر إلى اليقظة نفسها على أنها بداية هذا العصر، الذي سيشهد إتباع الناس بأعداد كبيرة للإنجيل.
وكان من المحتم أن تتخذ هذه النبوءات دلالات سياسية. وحسب ما ورد في النص المقدس، فإنه لابد من يهزم المسيح الدجال كشرط لمجيء الألفية. وحسب ما درجت عليه العقيدة البروتستانتية، فإن الدجال يعني البابا. ولذلك فان أية هزيمة سياسية للبلدان الكاثوليكية، كانت خطوة نحو بزوغ فجر الألفية وفق نطاق المنشقين الأمريكيين. وتتوافق الحروب الفرنسية والهندية للأعوام 1756ـ1763م مع هذا التصور بدقة. فعلى سبيل المثال، وصف (صموئيل ديفيس) الإنجيلي المشيخي الشهير، الجهود البريطانية ضد فرنسا على أنها بداية هذا الصراع الحاسم العظيم بين الحمل والوحش، وجاهر قائلاً:"إن من شأن نصر بريطاني أن يساعد في إحضار سماء جديدة، وأرض جديدة. وعندما لم يجلب انتصار سنة 1763م في ذيوله عصراً جديداً مهيباً، بل إعادة تنظيم الإمبراطورية البريطانية، استلزم ذلك بعض التمرينات البلاغية من جانب الوعاظ المنشقين لوضع إنجلترا البروتستانتية في الصف الذي يقف فيه البابا (1). كما كتب (توماس بين) في عام 1775م يقول: إن لدينا من القوة ما يمكننا من أن نعيد بناء العالم مرة أخرى. فلم يحدث منذ عهد نوح حتى الآن، موقف مشابه لما هو عليه الحال في الحاضر، أن ميلاد عالم جديد أصبح الآن بأيدينا"(2).
ومن المفارقات الغريبة أن أول إعلان عن نظام عالمي جديد، خلال القرن الحالي، صدر قبل 50 عاماً من إعلان (بوش الأول) في الكونغرس عن نظامه العالمي الجديد. فقد استخدم (أدولف هتلر) اللغة ذاتها حيث قال: "أنا علي يقين تام من أن عام 1941م سيكون عاماً حاسماً في فتح الطريق أمام نظام جديد عظيم في أوروبا. سوف تكون أبواب العالم مشرعة للجميع
…
ستساعد هذه السنة في توفير الأساس
(1) الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص50
(2)
ميلاد عالم جديد (فرصة متاحة لقيادة عالمية) بقلم هارلان كليفلاند ـ تقديم روبرت ماكنمارا ـ ترجمة د. جمال زهران ص19.
اللازم لتفاهم حقيقي بين شعوب الأرض، بما يضمن المصالحة بين كافة الشعوب والأمم" (1). فباسم نفس المسيحانية المنقذة، أعلن هتلر ألف عام من النازية كسيطرة، وكإعادة تجديد للعالم بواسطة نقاء الشعب المختار الجديد: الآريون (2). وبالطبع لم تجلب تطلعات هتلر لنظام عالمي جديد سوى الدمار والدماء لأوروبا والعالم، وانهارت أحلامه في بناء إمبراطورية عالمية يحكمها الجنس الآري، ولكن ذلك لم يمنع وجود نفس الأفكار والتطلعات على الطرف الآخر من المحيط، ممثلاً براعي البقر الأمريكي، حتى لو كان هذا النظام العالمي الجديد سيتحقق على أشلاء ملايين البشر، وأنقاض حضارات عريقة.
فنتيجة للحرب العالمية الأولى والثانية، تم رسم الحدود الاقتصادية للنظام العالمي الجديد، الذي يجب أن يكون خاضعاً لحاجات ومتطلبات الاقتصاد الأميركي، وقابلاً للتحكم والضبط السياسي الأميركي قدر المستطاع، ولذا كان يجب تفكيك سيطرة الإمبرياليات ـ خاصة الإمبريالية البريطانية منهاـ في الوقت الذي تعكف فيه واشنطن على توسيع الترتيبات الإقليمية الخاصة بها، في كل من أميركا اللاتينية، والمحيط الهادي، وفق مبدأ (ما يلائمنا يلائم العالم). لإن الأميركيين يؤمنون بأن الولايات المتحدة ترمز إلى شيء ما في العالم، شيء يحتاجه العالم، شيء سيحبه العالم، شيء سيتقبله العالم في آخر المطاف سواء أحبه أم لا.
فالتخطيط الأميركي للعالم، أقام إعادة بناء العالم الصناعي على نهج كفيل بتلبية احتياجات ومصالح قطاع المال والأعمال، الذي يمسك بخيوط السياسات، فالأولوية لاستيعاب فائض الصناعات الأميركية، وسد الفجوة الدولارية، وخلق فرص الاستثمار، فخطة (مارشال) وضعت الأسس للشركات المتعددة الجنسية، والاستثمارات، والصناعات الأميركية، لتمتد إلى ما وراء البحار، محمية بمظلة القوة الأميركية. وأسندت إلى أجزاء أخرى من العالم وظائف حددها مخططو وزارة الخارجية: على جنوب شرقي آسيا أن يزود الإمبرياليين بالموارد والمواد الأولية، ولكن ينبغي منح اليابان نوعا من الإمبراطورية باتجاه الجنوب، وأفريقيا تسلم للأوروبيين
(1) إمبراطورية الشرالجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ ص45 أو القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003
(2)
كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي ـ د. منى طلبهـ ص68