الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمن الأمريكي الظالمة، والتي لم تقنع هذه الإدارة بالكف عن مهاجمة العراق والبحث يومياً عن مبررات لتدميره.
كلينتون ومونيكا وضرب العراق
يعتبر الرئيس الأمريكي (بل كلينتون) من المغرمين بكل ما هو يهودي، فوزراءه ومستشاريه أغلبهم من اليهود .. ! وحتى عندما أراد أن يرتكب الفاحشة، اختار تلك اليهودية مونيكا، سائراً على خطى الملك الفارسي قورش الذي أصبح بطلاً من أبطال العهد القديم بعد مغامرته مع (استر) اليهودية، التي تمكنت من إغوائه ودبرت مؤامرة للانتقام من أعداء بنى قومها ـ أثناء السبي البابلي ـ في مذبحة قتل فيها 75 ألف قتيل، وكان ذلك في اليوم الثالث عشر من آذار، الذي أصبح عيداً من أعياد اليهود يحتفلون به سنوياً، كما إنها تمكنت في النهاية من إقناع قورش بإعادة اليهود إلى فلسطين، وبناء الهيكل الذي دمره الملك البابلي نبوخذ نصر.
ولما كان الرؤساء الأمريكيون يتسابقون للحذو حذو قورش والتشبه به، كما فعل الرئيس ترومان الذي قال عندما قدمه (إيدى جاكوبسون) إلى عدد من الحاضرين في معهد لاهوتي يهودي، ووصفه بأنه الرجل الذي ساعد على خلق دولة إسرائيل. فرد عليه ترومان بقوله: "وماذا تعنى بقولك ساعد على خلق؟ إنني قورش
…
. إنني قورش". فربما أراد (كلينتون) أن يحذو حذو قورش بان يعيد إخراج الرواية حتى في أدق تفاصيلها، فاضطر إلى إقامة تلك العلاقة مع تلك اليهودية، حتى لا يخرج عن السيناريو المحدد سلفاً في سفر استر، وحتى لا يتهم بعدم الإيمان بحرفية كل ما جاء في الكتاب المقدس فيكون من الخاسرين
…
.. !! ويكفى تأمل ما قامت به إدارة كلينتون ضد العراق من حصار همجي حاقد، وتدمير لمقدرات هذا البلد العظيم وتقتيل لأطفاله، وكل ذلك من أجل عيون إسرائيل ومونيكا .. ؟!
حصار العراق والقيام بعمل الرب
!!
يشكل العراق في الدعاية الأمريكية والبريطانية مشكلة في الشرق الأوسط ـ حيث يتماهى العراق بصورة عامة مع الرئيس العراقي، الزعيم الذي أضفيت عليه
صفات شيطانية وبصورة منتظمة، استبعد من كل مفاوضات .. هذا هو رئيس الدولة العربية، الذي لا بد من إبقائه (في الحصار) و (داخل القفص) أو (داخل القمقم) أو ـ حسب تفكير أمريكي ـ بريطاني لاحق ـ لابد من الإطاحة به لإزالة كل تهديد مزعوم يشكله على جيرانه والغرب والعالم. فقد حكم استراتيجيو واشنطن بأنه لضرب (الملك الشيطاني)، ولإنجاز جداول أعمال سرية واسعة فإن أي عمل ضد العراق مسموح به. لقد عانى العراق لأطول من عقد من غارات الصاروخ كروز والقصف الذي لا ينتهي بالقنابل، والهجمات الإيرانية في الجنوب، والغزوات التركية في الشمال والتخريب الإرهابي والمحاولات الانقلابية ضد الرئيس العراقي، والدعايات السوداء التي لا تعرف ندماً، ونظام عقوبات مستمرة، وهي ما اعترف أكثر مسئولي الأمم المتحدة اتزاناً، بأنها اكتسبت أبعاداً للإبادة الجماعية (1).
فعلاً إنها إبادة عرقية لشعب العراق، تدار من قبل واشنطن ولندن ليس إلا .. هذه ما شهدت به أهم الأسماء العالمية التي انخرطت في الجهد القاري الخاص بفك الحصار عن العراق. وتشمل هذه الأسماء (نعوم تشومسكي) ، (ودينس هاليداي) الذي استقال من منصبه الرفيع كمسؤول عن برنامج الأمم المتحدة في العراق احتجاجاً على لاإنسانية الحصار واستهدافه شعب العراق بدل النظام، وجون بيلجر الصحفي والكاتب البريطاني الناقد، وروبرت فسك من الإندبندنت، وغيرهم أمثال النائب البريطاني (جورج جلوي)، (ورامس كلارك) المدعي العام الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، الذي قدم شكوى جنائية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وآخرين لجرائمهم ضد شعب العراق، والتي تسببت بوفاة أكثر من مليون وخمسمائة ألف شخص، بينهم سبعمائة وخمسون ألف طفل تحت الخامسة من العمر، وإلحاق الأذى بكل السكان بعقوبات مبيدة جماعياً (2).
وبالرغم من هذه الإبادة الجماعية لأطفال العراق، إلا أن ذلك لم يؤثر في صناع القرار في واشنطن، فعندما سئلت مادلين أولبرايت ـ وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ـ عن رأيها في تسبب الحصار في موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي،
(1) استهداف العراق - العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية - جيف سيموند - ص17 - مركز دراسات الوحدة العربية - ط1 2003
(2)
خلفيات الحصار الأمريكي البريطاني للعراق ـ د. صالح زهر الدين ص211
أجابت قائلة: "إننا نعتقد أن ثمرة الحصار تستحق ذلك"(1). هذا التصريح الخالي من كل بعد إنساني هو في الواقع البوصلة التي نستهدى بها في تحليلنا، ورصدنا لجوهر وخلفيات السياسة الأميركية والبريطانية تجاه العراق. ذلك أن أولبرايت وبفجاجتها المعهودة ـ لكن المفيدة لناحية عدم إخفاء الدوافع الحقيقية تحت ستار اللغة الدبلوماسية المخففةـ قد وضعت النقاط على الحروف بشكل جلي: الولايات المتحدة لا يهمها مصير مئات الآلاف من أطفال العراق الأبرياء، بل يهمها المضي بصرامة في تنفيذ سياستها الخارجية، الهادفة إلى المحافظة على مصالح أميركا في الشرق الأوسط أولاً وأخيراً، وبالأساس الحفاظ على أمن إسرائيل.
وإذا كانت العنجيهة (الأولبراتية) قد صدمت كثيرين آنذاك، إلا أنها لم تصدم (أنتوني آرنوف) محرر كتاب (العراق تحت الحصار)، الذي يموضع تلك العنجهية في إطار سياسة خارجية عامة للولايات المتحدة تنظر من خلالها نظرة عنصرية للعرب والمسلمين باستخفاف واحتقار، وبأنهم وبلدانهم وشعوبهم مجرد مصدر للنفط وللإرهاب، بما يستوجب نهب الأول ومحاربة الثاني (2). فالمسألة هي كما يقول (ويليام بلوم):"إن زعماءنا قساة لأن من يرغبون ويستطيعون أن يكونوا قساة وعديمي الرحمة بصورة متطرفة هم وحدهم الذين يستطيعون أن يحتلوا مناصب القيادة في مؤسسة السياسة الخارجية، ربما كان ذلك منصوصاً عليه في مواصفات الوظيفة. إن الأشخاص القادرين على الإعراب عن قدر من التعاطف الإنساني والتقمص العاطفي مع الأغراب البعيدين، الذين لا حول لهم ولا قوة - ناهيك بالجنود الأمريكيين ـ لا يصلحون رؤساء للولايات المتحدة ولا نواباً للرئيس، ولا وزراء خارجية، ولا مستشارين للأمن القومي، ولا وزراء خزانة، كما أنهم لا يريدون ذلك"(3).
لكن ماذا تريد الولايات المتحدة بالضبط من العراق بعد كل التدمير الذي لحق به، جراء القصف الجوي اليومي، والذي تم بصمت ومن دون أي ضجيج إعلامي؟.
(1) قرن أمريكي آخر ـ نيكولاس غايات ـ ترجمة رياض حسن ـ ص177 - ترجمة رياض حسن- دار الفارابي- ط1 2003.
(2)
العراق تحت الحصار: الأثر المميت للعقوبات والحرب تأليف أنتوني آرنوف (محرر) ـ ص13ـ14 - خدمة كمبردج بوك ريفيو.
(3)
الدولة المارقة - دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيدـ ص 36.
يجيب على ذلك الرئيس جورج بوش الأول، الذي كان المهندس الأساسي لحملة العقوبات، والذي قاد حملة التحريض على حرب الخليج عام 1991م وكان مصمماً ـ إلى جانب من خلفوه في الرئاسة ـ على أن يؤمن بقاء الحظر الاقتصادي والغارات على الدوام. ففي يوم 19 كانون الثاني / يناير 2000م أشاد بالطياريين الأمريكيين في قاعدة أحمد الجابر الجديدة في الكويت، قائلاً:"إنهم (يقومون بعمل الرب) في مواصلتهم الإغارة بالقنابل على العراق، وأضاف معلناً: "نحن الولايات المتحدة بلد أخلاقي
…
وأنتم (الطيارون الأمريكيون) تعلنون بياناً أخلاقياً" (1).
ولا أعرف أي رب هذا الذي يؤمن به (جورج بوش الأب)، الذي تسبب في إبادة جماعية لشعب العراق، إلا أن يكون (رب الجنود يهوه) الذي يتحرق شوقاً على قتل أطفال العراق:"طوبى لمن يحطم رؤوس أطفال بابل بالحجارة". هذا هو البيان الأخلاقي الذي يعنيه الرئيس بوش الأب، والذي تسبب حسب دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة (يونيسيف) في أن ثلث الأطفال العراقيين أقل من خمس سنوات (أي 96 ألف طفل)، يعانون من نقص تغذية مزمن. وارتفعت نسبة وفيات الأطفال من 61 في الألف العام 1990م، وهى السنة التي فرض فيها الحظر على العراق، إلى 117 في الألف العام 1996م. وقد تضاعف المتوسط الشهري لعدد الأطفال الذين يموتون نتيجة إصابات رئوية حادة، ونتيجة نقص التغذية والإسهال بمعدل عشر مرات، وارتفع من 589 وفاة عام 1989م إلى 5750 عام 1996م (2).
وعلى الصعيد الصحي، فإن بيان بوش الأخلاقي، الذي زينه بنظام العقوبات، تسبب في كارثة إنسانية لا يمكن وصفها خاصة على مستوى حظر استيراد الأدوية والغذاء، بزعم أن الكثير منها يحتوي على مواد وعناصر يمكن للعراق استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، حيث كان استيراد أي مواد من الخارج يتطلب موافقة لجان عديدة من الأمم المتحدة ـ المشرفة على الحصارـ والمرور بـ14 خطوة تسيطر عليها الولايات المتحدة، التي كانت ترفض الكثير من صفقات الدواء والطعام
(1) استهداف العراق - العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية - جيف سيموند - مركز دراسات الوحدة العربية ص257.
(2)
خلفيات الحصار الأمريكي البريطاني للعراق - د. صالح زهر الدين ص247
حتى من دون تقديم أي تبريرات (1). وهكذا فقد كانت عمليات الحصار الأميركية على العراق قتلاً بطيئا لكل العراقيين، فتوفي مئات الآلاف من الأطفال بسبب الجوع والمرض، وتدنت مستويات المعيشة لدى الملايين، واتسعت مساحة الفقر حتى شملت عائلات كانت ميسورة. لقد قضى الحصار على الطبقة الوسطى العراقية، ودفع الشعب العراقي للعيش في خوف ومرض وجهل لسنوات طويلة، فقد انخفض الدخل الفردي في العراق من 4000 دولار عام 1980م إلى أقل من 300 دولار عام 1999م، وهاجر عشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية العالية (2).
إلى جانب ما تقدم برزت في حرب الولايات المتحدة المستمرة ضد العراق مسألة دور الإعلام وأنماط التحكم فيه في الغرب، لنقل ما تراه واشنطن، أو ما تريد للرأي العام أن يراه، من خلال ما يقوله الأعلام ضمناً، أو يسكت عنه قصداً، حيث أن الإعلام الغربي ارتكب سبع خطايا في حق الشعب العراقي. فهناك إهمال أو تخفيف لأثر العقوبات على الشعب العراقي، وهناك إهمال للتقارير التي تنقض وجهة النظر الغربية، وترى معدلات الوفاة وغيرها على حقيقتها، وهناك أيضاً الإصرار على شخصنة الحرب وكأنها موجهة ضد صدام حسين فقط، والتغافل المقصود عن ذكر الشعب العراقي أو العراق كدولة (3).
يضاف إلى هذه التكتيكات والخطايا أساليب التغطية نفسها، حيث كان يتم عادة خلق توازن قوى وهمي لتبرير الضربات القوية وبلا رحمة، إضافة إلى المبالغة في تصوير قوة الجيش العراقي، والتهديد الذي يمثله للجوار، وكذا الانتقائية في اختيار الخبراء، الذين يدلون بتعليقات حول الشأن العراقي والعقوبات، حيث يتم التركيز على موضوعات تافهة وسخيفة، في الوقت الذي تغفل به جرائم بشعة ترتكب بحق الشعب العراقي والإنسانية، في عملية تضليل وتعتيم متعمدة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية وإذنابها. ولكن بالرغم من هذا التعتيم والتضليل الإعلامي،
(1) العراق .. تقرير من الداخلـ تأليف: ديليب هيرو ـ كامبردج بوك ريفيوز
(2)
زلزال في أرض الشقاق العراق (1915ـ2015) ـ ـ كمال ديب ـ عرض/ إبراهيم غرايبةـ المصدر: الجزيرة ـ 19/ 2/2004م
(3)
العراق تحت الحصار: الأثر المميت للعقوبات والحرب تأليف ـ أنتوني آرنوف- - ط1 2000 - الناشر: بلوتو برس- لندن
خدمة كمبردج بوك ريفيو- الجزيرة نت
كانت هناك كثير من الأصوات الشريفة، والشجاعة في الغرب، والتي تمردت على الخطاب الرسمي في بلدانها، ورفضت الانصياع لمنطق تحقيق المصلحة القومية النفعية تحت أي ظرف وبأي ثمن، ولو كان ذلك الثمن تدمير شعوب وسحقها، وإرجاع بلدان بأكملها إلى قرون التاريخ السحيق.
وبعد
…
هذه هي قصة حرب الخليج الثانية وما تبعها من حصار، والتي تبدو وكأنها سيناريو معد مسبقاً، تم تنفيذه بإتقان، لتدمير القوة العراقية، التي تهدد إسرائيل، حيث استخدمت دول عربية ككبش فداء، لتمرير هذا المخطط من خلال تبعيتها الكاملة وتآمرها مع أمريكا، وعدم إدراكها لما يعد لها وللمنطقة على أيدي الأمريكان والإنجليز والصهاينة. فكانت حرب الخليج الثانية، التي لم تنته بتدمير العراق، ونهب ثروات المنطقة واحتلالها، بل استمرت لمدة 13 عاماً من خلال فرض حصار جائر وهمجي على الشعب العراقي، أدى إلى مقتل ملايين العراقيين من أطفال وشيوخ، بالإضافة إلى ترسيخ الاحتلال الأمريكي لمنطقة الخليج، وزيادة القواعد العسكرية فيها واتساعها، مما خلق جو من عدم الاستقرار في المنطقة، بسبب التهديدات الأمريكية المستمرة بالحرب على العراق، والتي ألحقت أضرار هائلة باقتصاديات هذه الدول، وقضت على سيادتها واستقلالها.
والآن تكرر أمريكيا نفس المحاولة، لضرب صمود وشموخ الشعب العراقي، الذي لم تهز إيمانه ويقينه تلك الحرب الهمجية، والحصار الجائر، الذي لم يشهد التاريخ مثيلاً له، ولم تثنه التضحيات الجسام التي قدمها عن التخلي عن التزاماته تجاه القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين، بل كان ولازال، أمل هذه الأمة في النهوض والتحرر. نعم كررت أمريكيا المحاولة، وضربت العراق، واحتلت أراضيه، ليس لتحرير الكويت التي لم تحرر، أو لتطبيق قرارات ما تسمى بالشرعية الدولية، بل من اجل تدمير البقية الباقية من القوة العربية، لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، حسب المتطلبات التوراتية لإسرائيل، والتيار الديني الأصولي في أمريكا، لتكون هذه الحرب (هرمجيدون) فرصة للانتقام من كافة مضطهدي إسرائيل، ومقدمة ضرورية لعودة مسيحهم المنتظر، وتدمير الأقصى
وإقامة إسرائيل الكبرى، وسنكمل حديثنا عن هذه الحرب في الفصول التالية، في اطار حملة بوش الصليبية على العالم الإسلامي
…