الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأوروبيين لتحل محلهم، واستخدمت قدراتها وثرواتها الطائلة من أجل ترتيب النظام الدولي بعناية ومهارة" (1).
فبعد أن تمكنت أمريكا من القضاء على نفوذ الدول الكاثوليكية - كما سنعرض لاحقاً - ابتداء من حروبها في أمريكا اللاتينية وانتهاءً بالحربين العالميتين، ثم قضاءها على المعسكر الشرقي ـ التي تمثل دوله الكنيسة الأرثوذكسية ـ اقترب هذا الحلم الأمريكي من التحقق وأصبح النظام العالمي الجديد هو تحقيق إمبراطورية أمريكية عالمية، تعمّها المثل والقيم الأمريكية، حيث شهدت الأعوام الأخيرة من الألفية الثانية عرضا ضخماً وحماسياً من تملق الذات ـ ربما فاق كل سوابقه غير المجيدة بأية حال مصحوباً بتهليل مخيف لقيادة عالم جديد مثالي عاكف على وضع حد نهائي للبربرية، ومنذور لخدمة المبادئ والقيم لأول مرة في التاريخ. عصر من التنوير والبر طلعت شمسه علينا، وتتصرف فيه الأمم المتمدنة تحت قيادة الولايات المتحدة ـ وهي يومذاك في عز مجدها ـ بروح الغيرية والحمية الخلقية في التماسها المثل العليا.
ولادة النظام العالمي الجديد
مع سقوط الاتحاد السوفييتي وانهياره في نهاية عقد الثمانينات، أصبح النظام العالمي الذي ساد إبان الحرب الباردة طي النسيان، ومجرد تاريخ فقط، حيث حلّ محله النظام العالمي الجديد، الذي كانت أولى أولياته تحقيق الحلم الصهيوني، والسيطرة على العالم من خلال السيطرة على مصادر النفط في المنطقة العربية. وإذا كانت السيطرة علي النفط العالمي، أولوية معلنه لليمين المتطرف، وإن تم تجميلها ببعض المزاعم كمحاربة الإرهاب، ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن الهدف المتعلق بالحلم الصهيوني المسيحي الأصولي، ظل غائباً عن الصورة لأهداف تكتيكية. وهكذا احتلت المنطقة العربية والإسلامية مركز الثقل بالنسبة لليمين الأمريكي المتطرف، وكانت علي رأس الأولويات علي أجندة النظام العالمي الجديد
(1) الهيمنة أم البقاء .. السعي الأميركي للسيطرة على العالم ـ نعوم تشومسكي ـ ترجمة سامي الكعكي ـ بقلم/ إبراهيم غرايبة29/ 7/2004م
الذي صاغ إستراتيجيته الكونية على هذا الأساس .. فكانت حرب الخليج الأولوية الأولي للنظام العالمي الجديد
…
وكان العراق إلي جانب بقية دول الخليج المنتجة للنفط أولي الضحايا التي قدّمت لهذا النظام الجديد.
ففي الثالث والعشرين من آب (أغسطس) 1990م، أي بعد ثلاثة أسابيع من اجتياح العراق للكويت، استخدم (برنت سكاوكروفت) مستشار الأمن القومي، في عهد الرئيس (جورج بوش) مصطلح النظام العالمي الجديد للمرة الأولي حيث خاطب الصحافيين، قائلاً:"إننا نؤمن بأننا سنقيم أركان النظام العالمي الجديد علي أنقاض العداء الأمريكي ـ السوفييتي الذي كان قائماً". أما رئيسه بوش، فقد خاطب الكونغرس الأمريكي بعد ذلك بعدة أسابيع في 11 ايلول (سبتمبر) 1990 م قائلاً: "لقد ابتدأت شراكة جديدة بين الدول
…
إن الأزمة القائمة في الخليج الفارسي، علي خطورتها ودمويتها، تمنحنا فرصة نادرة
…
من خضم هذه الأوقات العصيبة
…
قد يولد نظام عالمي جديد" (1).
وهنا يبدو الرئيس (بوش) يعيد تكرار أمنية سابقة تمناها الزعيم الصهيوني (إسرائيل زانغويل) في خطاب له في 2 ديسمبر 1917م، أي بعد صدور وعد بلفور بشهر واحد، وصف فيه المحاولات البريطانية والأمريكية، الرامية إلى إعادة اليهود إلى أرض فلسطين، بقوله:"سبع حملات صليبية إلى الأرض المقدسة، عادت على اليهود بالمذابح، فهل ستؤدى الصليبية الثامنة إلى استرجاع اليهود لفلسطين؟. وإذا كانت صليبية حقة، فإن تلك الحقيقة بالذات تأتى بمثابة البرهان على النظام الجديد لعالم تسوده المحبة والعدالة". ولم ينسَ (زانغويل) في هذا الخطاب، أن يكمل صورة النظام الجديد الذي توقع ميلاده في ظل الحملة الصليبية الثامنة، حيث أشار إلى ضرورة طرد العرب من أرض فلسطين ليتسنى إحلال اليهود مكانهم، لإقامة الوطن القومي اليهودي. كما تمنى في هذا الخطاب أن يكتمل هذا العمل عن طريق جعل مدينة القدس مقراً لعصبة الأمم، بدلاً من لاهاى المفلسة، ليتسنى جمع الحلمين
(1) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003م
العبرانيين، الأكبر والأصغر، ودمجهما في حلم واحد، ولتصبح العاصمة العبرانية ـ ملتقى الديانات العالمية الثلاث ـ مركزاً ورمزاً للعصر الجديد في الحال" (1).
ولكن هذا النظام العالمي الجديد الذي تمنى ولادته (زانغويل) و (بوش الأب) لم يبقَ أمامه إلا العدو الجديد، وهو العالم الإسلامي، فكان لابد من صناعة صورة العدو البديل .. وكان لابد من خوض حرب صليبية بين قوى الخير والشر، وبقيادة (بوش الابن) ليتحقق العصر الألفي السعيد بقيام إسرائيل الكبرى، وعودة المسيح ليحكم العالم من مقره في القدس
…
(1) إسرائيل الكبرى ـ د. أسعد رزوق ـ ص 407.