الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النموذج الأمريكي، فهي لم تعارض فقط أميركا، بل دافعت عن تصور لمجتمع دولي مبني على أساس القانون وتعدد الأطراف، فحالت دون تمتع أميركا بأغلبية في مجلس الأمن، بل وفي العالم أيضاً.
فهي أثبتت أن عالما آخر كان ممكناً، لذا فهي مستهدفة من قبل أميركا، لهذا السبب ففرنسا لا تتمتع بشعبية في أميركا، لكنها للسبب نفسه لها شعبية في العالم لأن عملها حال دون ظهور عالم أحادي القطب. ففرنسا وضعت على رأس أولوياتها احترام إجراءات الأمم المتحدة، فبالنسبة إليها وإلى روسيا أيضاً الذي كان مهماً في المسألة العراقية هو المنظمة الأممية، وهذا من باب القناعة بضرورة العمل في إطار المنظمات الدولية واحترام القانون الدولي. وهكذا فإن الفشل هو فشل أميركا أكثر منه فشل المنظمة الأممية، فهذه الأخيرة لم تكن حقيقة فعالة في السابق، ذلك أن واشنطن رغم الضغوط والإمكانات لم تفلح في الحصول على أغلبية. ويعني طلب أميركا عون الأمم المتحدة للخروج من المستنقع العراقي اعترافاً ضمنياً بفشل عملها الانفرادي وفوقية الإجراءات المتعددة الأطراف. فالعالم الأحادي القطبية غير موجود، وحرب العراق أعطت الدليل على ذلك، حيث أن مفهوم القوة تغير وأنه في عالم معولم يميزه تعدد الفاعلين فمن غير الممكن أن يتحكم بلد وحده في مجمل بقية الدول (1).
بيلير وتشرشل .. التاريخ يعيد نفسه
تبدو مسألة التأييد الدولي مهمة لدى الرأي العام الأمريكي، الذي وإن كان يؤيد عملاً عسكرياً ضد العراق، فإنه يفضل أن تكون هذه الحرب تحت غطاء دولي. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية في أغسطس 2002م أن 20% من الأميركيين فقط يؤيدون حرباً أميركية منفردة على العراق، في حين أعرب 65% عن اعتقادهم بضرورة الحصول على تأييد من الحلفاء للحرب، وتفويض من الأمم المتحدة. ولذلك فقد كان (بلير) هو حبل النجاة لبوش لتسويق الحرب
(1) فرنسا ضد الإمبراطوريةـ باسكال بونيفاس - ط1 - 2003الناشر روبير لافون باريس - عرض/ كمبردج بوك ريفيوز
الجزيرة نتـ23/ 2/2004م.
وإعطائها طابع التحالف الدولي، ولكن بلير كان مكشوفاً على نحو خطر، فأغلبية حزبه (العمال) تعارض الحرب وحتى من داخل وزارته، بالإضافة إلى أغلبية الرأي العام البريطاني. ولذلك كان يجب أن تسوق الحرب على النواب والرأي العام على أنها حرب خاطفة، لن يكون لها ضحايا كثيرون ولن تستغرق وقتا طويلا (1).
لهذا فقد كان لاستماتة (جون بلير) في الدفاع عن مزاعم (بوش) لتبرير الحرب على العراق، وحملة الأكاذيب التي قادها، أصداء واسعة على المستويين البريطاني والعالمي، حيث بدت بريطانيا وكأنها تابعة بالكامل لأمريكا، ووصف البعض (بلير) بأنه كلب بوش المدلل وغيرها من الأوصاف، بسبب تحمسه الكبير للحرب على العراق ووقاحته في افتراء الأكاذيب والدفاع عنها، ورحلاته المكوكية حول العالم لجلب التأييد لهذه الحرب. وهنا يجب أن نشير إلى أن (بلير) ليس ظاهره شاذة في التاريخ البريطاني، فقد سبقه إلى مثل هذا الأمر من الكذب المكشوف والفج والوقاحة في الدفاع عن الحرب كثير من الزعماء البريطانيين، أمثال: بلفور ولويد جورج وتشرشل وتاتشر وغيرهم، ولكن تشرشل كان أشدهم في هذا المجال. فقد كان تشرشل منذ فترة قصيرة بطلاً لا يبارى ولكن الشعوب تعيد فتح سيرة أبطالها وأحياناً ما تكشف أخطاء تاريخية قاتلة، وهنا ظهر المؤرخ الإنجليزي (ماكولي) وأكد أن ظهور ونستون تشرشل في المجتمع يعود لتهتك شقيقية ودعارتها، كما أنه أتصل بأكثر العاهرات فسقاً وكانت حياته دناءة ليس لها نظير وخسة ليس لها مثيل (2).
أما عن دوره في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية، فتشير الحقائق إلى أن تشرشل لم يكن يريد سوى القضاء على القوة الألمانية الناشئة حتى لا تقوم لها قائمة من جديد وتنافس انجلترا وفرنسا في العربدة في أوروبا والعالم، فأخذ يفترى ويختلق عليها الأكاذيب حتى يهيج الشعب عليها فيطالب بحرب معها. ولهذا يعتبر مجرم الحرب تشرشل من أسوء شخصيات القرن الماضي بسبب امتداد شروره تشرشل إلى كل العالم وذلك بإشعاله للحرب العالمية الثانية. فقد كانت ألمانيا تحرر أراضيها المغتصبة، وظل تشرشل يحرض النواب في البرلمان الإنجليزي على الحرب
(1) خطة غزو العراق - تأليف ميلان راي- ترجمة حسن الحسن ـ عرض/ إبراهيم غرايبة
(2)
زعماء ودماء ـ ايمن ابو الروس ص 36
ضد ألمانيا ويقلب منطق الأمور، ويزعم أن ألمانيا هي المعتدية ثم دفعه أصحاب الاحتكارات إلى قمة السلطة في انجلترا ليقوم بجرائمه الكبرى أثناء الحرب العالمية (1).
يقول (وليم جاى كار) في كتابه (أحجار على رقعة الشطرنج): لا احد يستطيع أن ينكر أن (هتلر) حاول مره بعد مره الوصول لحل عادل لمشكلة (دانزج)، لكن المرابيين العالميين لم يسمحوا له بذلك وذلك بإيهام تشمبرلين بإنذارات هتلر المزورة وتحريك جيوشه وكان هذا الخداع والكذب قد جعل تشمبرلين ينصح متردداً الحكومة بإعلان الحرب على ألمانيا. فعلى مدى 6 شهور طلب هتلر من بولندا إعادة مدينة دانزج ومنطقة الممر التي تحتلها بولندا، ورفضت بولندا بإيحاء إنجليزي وقدم (هتلر) مبادرتي سلام، ولكن بولندا رفضت النقاش (2)
…
فكان أن بدأ (هتلر) حرب التحرير، فأعلنت انجلترا وفرنسا الحرب على ألمانيا. يقول تشرشل:"ها نحن نعود مرغمين إلى حمل السلاح دفاعاً عن دولة صغيرة، انتهكت حرمتها وتعرضت لعدوان لغير سبب يدعو لذلك، وهكذا أصبح علينا أن نحارب دفاعاً عن كياننا وشرفنا ضد غضبة الشعب الألماني وقوته"(3). أليس هذا ما حدث عندما احتل العراق الكويت، حيث سارعت بريطانيا وأمريكا لنصرة الدولة الضعيفة الكويت، وأيضاً دفاعاً عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ولا يهم إن أدى ذلك إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين، كما فعل تشرشل الذي كان هو أول من بدأ بضرب المدنيين .. وكان يقول لا ينبغي لنا أن نقف مكتوفي الأيدي بسبب مبادئ حمقاء.
ومن الجدير بالذكر هنا أن بريطانيا استخدمت الأسلحة الكيماوية في عام 1919م عندما تدخلت قواتها في شمال روسيا ضد الثورة البلشيفية، محققة نجاحاً باهراً، حسب القيادة البريطانية. حيث كان رئيس الوزراء البريطاني تشرشل وزيراً للحرب في عام 1919م، وكان متحمساً بشدة لاستخدام الغاز السام ضد القبائل الهمجية من الأكراد والأفغان. وفوض تشرشل سلاح الجو الملكي في الشرق الأوسط
(1) زعماء ودماء ـ ايمن ابو الروس ص 7
(2)
اعتقد أن هذا الموقف يذكر بالمقدمات التي سبقت غزو الكويت.
(3)
زعماء ودماء ـ ايمن ابو الروس ص 49