الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هذه الاعتبارات العملية بحجج عملية مناقضة، فإن (جورج بوش)، يصوغ خطابه بلغة المطلقات: صراع بين الخير (أمريكا) والشر (العرب والمسلمون)، ورسالة أمريكا التاريخية لنشر الحرية، منحة الرب المقدسة لكل البشر .. وهو خطاب يجذب اليمين المسيحي، ويرضي اليمين اليهودي، ولا يهم ما يحدث بعد ذلك.
فخطاب الرئيس (بوش) يذكر بخطاب المستعمرين في القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين، وحديثهم عن (مسؤولية الرجل الأبيض) و (الهم الذي يحمله بين جنبيه) و (العبء الملقى على عاتقه) لنشر الحضارة، وتمدين الشعوب المتوحشة!! فالرئيس (بوش) الذي يعتقد بأنه رسول العناية الإلهية وأن جنوده هم جند الله على أرضه، قال في إحدى خطبه الملتهبة قبل الحرب على العراق واصفاً الأمة الأمريكية بأنها:"تلك الأمة الإلهية التي تقودها اعتبارات أخلاقية غير قابلة للتفاوض، وعلى فضائلها أن تنطبق على العالم بأسره"(1). فها نحن إذن إزاء نداء سماوي هبط على واشنطن في ليله ظلماء، فالمسيحي الذي جرى تهويده ينتظر الخلاص، وقد يتولاه بنفسه لأنه نافذ الصبر، متعجل من أمره، وأمر دمار العالم، وما كنا نتوقع من عصر القنابل الذكية، والانترنت، الذي يطرح نفسه بديلاً لجملة حضارات دفعة واحدة، أن يفرز هذا الغباء، الذي حاول عدد من الأمريكيين رصده، وهم يكتبون سيرة آخر الرؤساء. فالسانت (بوش)، لم يكن يعرف شيئاً عن السياسة الدولية، وظل يتصور حتى العام الماضي أن (جوزيف بروز تيتو) على قيد الحياة والرئاسة في يوغسلافيا. ومن يقرأ ما كتبه الساخرون عن رئيسهم تأخذه الدهشة، وقد يعيد النظر بما كان للتو مسلمات في المشهد الثقافي الأمريكي" (2)!
بوش و معركة هرمجدون كما جاءت في سفر اشعياء
يأخذ البعض على بوش النظرة الجبرية التي تسم رؤيته الشخصية والسياسية، إذ تشير الكاتبة (دانا ميلبانك) إلى أن الحرب على العراق، "يراها كثيرون مغامرة، لكن بوش يعتبرها حتمية تاريخية"، وتضيف الكاتبة: "إن هذه الثقة رغم
(1) جريدة الخليج 3ـ5ـ 2003 م
(2)
افق آخر- خيري منصور - سانت بوش ـ الخليج - 10ـ3ـ2003م ـ عدد 8695
المخاطر ورغم قوة المعارضة للحرب، تكشف الكثير عن شخصية (بوش) ورؤيته للعالم. ويعبر الرئيس (بوش) عن هذه الحتمية التاريخية بقوله:"إننا نؤمن بأنفسنا. لكن ليس بأنفسنا وحدها. إننا لا نزعم أننا نعرف كل الطرق التي تعمل بها العناية السماوية، بيد أننا نثق بها ونضع كل ثقتنا في الله المحب الذي يقف وراء كل التاريخ". فالله له دور فعلاً في أفعال بوش .. ) كما يعتقد المبشر (ستيف كلارك)(1). وقد قام المؤرخ (بول س. بوير) وهو أستاذ في التاريخ في جامعة ويسكونسن، بتحليل خطاب (حال الاتحاد) الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي:"أنه يمكن لصدام حسين أن يثير يوم رعب لم يعرفه أحد". وخلص من خلاله أن بوش في كلامه هذا "يعود إلى ذكرى الحادي عشر من أيلول مستعملاً مفردات مرمزة وقديمة، تذكرنا برؤيا القيامة وتتضمن رسالة محددة تطال المؤمنين وتعلن عن نهاية قريبة ليس نهاية صدام حسين فحسب، بل نهاية التاريخ البشري كما عرفناه حتى يومنا هذا"(2).
فقد ظن الرئيس الأمريكي (جورج بوش) أنه مبعوث العناية الإلهية فزعم أنه في حربه على العراق إنما ينفذ مهمة إلهية مقدسة، وأن الله يبارك هذه الحرب. وبوش في تبريره للحرب يزعم:"أن ما جاء في العهد القديم ولا سيما في سفر اشعياء النبي الفصول 10،13،47، وهي الفصول التي تتحدث عن أشور وبابل وخرابهما، لا بد أن يتحقق في العراق اليوم". وبوش بتفسيره الخاطئ لنبوءات الكتاب المقدس، إنما ينتمي إلى بعض الجماعات المسيحية الأصولية، التي تربط بين مجيء المسيح ثانية، وبين دولة إسرائيل الحالية. فبوش يظن أنه عندما يحارب أعداء إسرائيل فهو يتمم نبوءات الكتاب المقدس، ويعجل بنهاية العالم، ومجيء المسيح ثانية. وما يؤكد هذا: أن (جورج بوش الأب) أثناء غزو العراق للكويت، كان يستمع للواعظ الشهير (بيلي جراهام) في موطنه بولاية Miame ووعظ (بيلي جراهام) عن المعني الكتابي لبابل وقال لسامعيه: إن الأحداث التي تجري الآن في الخليج قد تكون لها دلالة روحيه فإن الموقع الجغرافي لبابل هو الآن في العراق".
(1) جريدة الخليج 11ـ3ـ 2003 م
(2)
عالم بوش السري ـ اريك لوران ـ ترجمة سوزان قازان ص20
وقال (جراهام): "إن هذا المكان هو الذي ابتدأ فيه التاريخ وان الكتاب المقدس يعلمنا أن التاريخ سينتهي من حيث ابتدأ. ويبدو أن (بوش الابن) ينتمي إلى نفس المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها أبوه، فهذه المدرسة تخلط بين الحقائق الدينية والأحداث السياسية، وتخرج باستنتاجات حول نهاية العالم ومجيء المسيح ثانية. وهذه المدرسة عندما تفسر نبوءات الكتاب المقدس لا تطبق مبادئ علم النفس فلا تراعي النص الأصلي، ولا تاريخه، ولا ظروف كتابته، ولا القرائن المختلفة للنص. كذلك لا تركز هذه الجماعات على التفسير التاريخي للنبوءة بل تعطيها بعداً مستقبلياً وتربطها بالأحداث السياسية المعاصرة. الأمر الذي يشبع الفضول البشري، لذلك فإن بوش عندما يقرأ سفر اشعياء ويفسره بما يتماشى مع أهوائه وأغراضه السياسية يرى في نفسه أنه متمم هذه النبوءات، وأنه مبعوث العناية الإلهية، وأنه بتدميره العراق إنما ينفذ مهمة إلهية مقدسة"(1).
مما تقدم يتضح أن بوش يعتبر نفسه موضوعاً على جدول أعمال الله، وبالتالي فكل ما يفعله ـ بما في ذلك الحرب على العراق ـ يعتبر تجسيداً لمشيئة العناية الإلهية وإرادتها .. كما يقول (جيم كودي) المبشر البروتستانتي البارز. يقول (سانت بوش) في خطاب الأمة في 29 يناير عام 2003م:"الحرية التي نناضل من أجلها ليست هدية أمريكا إلي العالم، بل هي هدية الرب إلى البشرية". وهنا هل يمكن لعاقل أن يرى بالعبارة التي وردت علي لسان (السانت)، وهي الحروب الصليبية مجرد زلة لسان؟ خصوصاً إذا تذكرنا ما قاله بالحرف الواحد في خطاب ألقاه في حفل تخريج في أكاديمية (ويست بوينت) العسكرية:"بعد الآن ستسمى أمريكا الشر باسمه". وأول ما يمكن استخلاصه من هذه الجملة هو أن أمريكا هي الخير الخالص، والنور المحض مادامت تقع علي النقيض التام من الشر غير المسمى بعد! " (2).
لقد أعلن (جورج بوش الصغير) أن العالم بات مقسوماً بين الخير والشر وبين المؤمنين والكفار، والمؤمنون هم أولئك الذين يرتضون القيم الأمريكية للرأسمالية
(1) مجلة روز اليوسف 12ـ4ـ2003 القس/ رفعت فكرى سعيد راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف ـ شبرا مصر
(2)
أفق آخر خيري منصور ـ سانت بوش ـ الخليج ـ 10ـ3ـ2003 م ـ عدد 8695