الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسق الدين ونشأة النظام الرأسمالي عند ماكس فيبر
اعتبر (ماكس فيبر) البروتستانتية وخاصة في أفكارها الكالفنية مصدر الإلهام الحقيقي لنشأة النظام الرأسمالي، إذ يؤكد أنها شكلت نسقاٌ ثيولوجياً له معناه، حيث أحتوى هذا النسق على عدد من القضايا التي شكلت في مجموعها نسقاً منطقياً له تماسكه واتساقه، وهذه القضايا هي:
1 -
أن هناك إلهاً واحداً ترانسندنتالياً (متعالياً) ومطلقاً، هو خالق الكون ومالكه، حيث خصائص ومجالات فعله بدون الوحي بعيدة تماماً عن الفهم البشرى.
2 -
أن هذا الإله قادر على كل الأرواح الإنسانية لأسباب بعيدة تماماً عن الإدراك البشرى، أما (الخلاص النهائي أو الموت والخطيئة الكاملة) فتمثل اعتقادات ثابتة من الأزل إلى الأبد، وليس للإيمان أو الإرادة البشرية تأثير عليه.
3 -
أن الله لأسباب غامضة تتعلق به، خلق العالم، ووضع الإنسان بمفرده بداخله، وذلك لمضاعفة مجده.
4 -
ولهذه الغاية فلقد قرر الله أن على الإنسان، دون اعتبار إلى أنه قد قدر الخلاص عليه أم الإدانة، أن يعمل لتأسيس مملكة الله على الأرض، وأنه سوف يخضع أثناء ذلك للقانون الإلهي.
5 -
ترك مسائل هذا العالم ذات الطبيعة البشرية والجسدية لذاتها، بحيث تذهب إلى غير رجعة (إلى الموت أو الخطيئة) حيث لا مهرب منها إلا باللجوء إلى تحقيق مجد الله (1).
وقد شكلت العناصر السابقة في مجموعها كما يذهب (فيبر) نسقاً قيمياً يحكم ويضبط حركة التفاعل في النسق الرأسمالي. كما أن النسق الاجتماعي شهد هو الآخر ظهور عوامل ذات صلة بنشأة الرأسمالية تتصل بنشأة البروتستانتية ذاتها مثل:
1 -
سيادة النزعة التقشفية: يرى (فيبر) أنه نظراً للتعالي الكامل لله، والانفصال بين المسائل الدنيوية والسماوية، فإن هذا الوضع استبعد تماماً الاتجاه
(1) النظرية الاجتماعية لمعاصرة ـ دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع ـ د. على ليله ص 507 ـ 508 - دار المعارف - ط1 1981
الصوفي للاتحاد بروح السماء والاستغراق في إطارها، بل أصبح على الإنسان أن يوجه طاقاته الدينية نحو الاتجاه الايجابي التقشفي، بدلاً من الاتجاه الصوفي السلبي. فالله لا يمكن الاقتراب منه كلية، وإنما يمكن خدمته فقط. ووفقاً لذلك فخدمة الله لا يمكن أن تكون في اتجاه الاستغراق الكامل في المسائل الحسية لهذا العالم أو التكيف معها، ولكنها تكمن في السيطرة على كل ما هو حي، وفي الخضوع للنظام من أجل مجد الله، وهذا ما يعنيه (فيبر) بالنزعة التقشفية. ويرتبط بذلك أن العمل من ناحية (وهو قيمة كالفنية) والتقشف، وعدم إنفاق المال فيما هو دنيوي من ناحية أخرى يؤدى إلى التراكم العقلاني لرأس المال (1).
2 -
ازدهار العلم الحديث: يعتبر ازدهار العلم الحديث من العوامل الهامة لازدهار الرأسمالية، حيث يعتبر (فيبر) ذلك من نتائج الاعتقاد بصيغة الإله المتعالي. فما دام العالم اللامتناهي هو من خلق الله، فأفضل السبل لمعرفة الله هو أن ندرس أعماله.
3 -
ازدهار التكنولوجيا: يرى فيبر أن ازدهار التكنولوجيا جاء نتيجة لرفض المنطق التقليدي لانجاز الأعمال، فهي تنطوي على أداء أكثر كفاءة لتحقيق مجد الله، كما تملى ذلك القيم البروتستانتية في مذهبها الكالفنى.
4 -
تقسيم العمل: تعتبر ظاهرة تقسيم العمل والمهن في المجتمع عند (فيبر) كنتيجة مباشرة للتطور الإلهي للأشياء. فتباين البشر إلى الطبقات والمهن يعتبر بالنسبة (لمارتن لوثر) نتيجة مباشرة لإرادة السماء. فمواظبة الفرد ومثابرته في موقعه في إطار الحدود التي عينها الله له، تعتبر بالنسبة له واجباً دينياً.
5 -
تقديس العمل: يرى (فيبر) أن الكالفنية، دعت إلى تقديس العمل، لأن هناك اعتراض أخلاقي على الركود إلى الدعة، استناداً إلى ما قد يملكه الشخص. لأن الإنسان على الأرض ينبغي لكي يتأكد من تحقيق مجد الله أن ينجز أعمال الله الذي خلقه في يومها. فلا فراغ ولا متعة، ولكن عليه أن يبدل النشاط فقط، لمضاعفة مجد الله وإظهار إرادته الواضحة. ويفسر (ماكس فيبر) ذلك في (كتاب البروتستانتية والرأسمالية)، حيث يرى أن الكالفني غير المطمئن إلى انتخابه، كان يفتش عن
(1) الاجتماع الديني ـ د. احمد الخشاب ـ ص 100