الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الزعماء الإسرائيليين من هذه المساعدة بينما غضوا الطرف عن نبوءة محنة جميع اليهود في نهاية الأمر" (1).
اعتراضات من داخل المسيحية
لعل أعمق تحليل ونقض لفلسفة بوش وحماسه الديني، الذي يطغى على حكمته السياسية، هو ما كتبه القس (فريتس ريتسش) في مقاله في الواشنطون بوست (عن الرب والإنسان في المكتب البيضاوي). فقد تتبع القس فريتس المصطلحات الدينية في خطاب جورج بوش، والنزعة الوثوقية في أحاديثه بأن الرب إلى جنبه دوماً. مثل قول بوش:"إن الحرية والخوف، العدل والفظاعة، ظلا دوماً في صراع، ونحن نعرف أن الرب ليس حيادياً في هذا الصراع". ومن ذلك تكراره الدائم أن أمريكا "أمة مؤمنة وخيِّرة ومثالية"، وأحيانا "أمة رحيمة وسخية". وبالطبع فإن أطفال العراق وفلسطين يعرفون عن تلك الرحمة وذلك السخاء أكثر من غيرهم!!
ويعلق القس (فريتس) على ذلك داعياً إلى قدر أكبر من التواضع وقدر أقل من التبجح، فيقول:"إن أغلب المصلين الذين يحضرون إلى كنيستي الصغيرة لا يعتبرون أنفسهم، ولا يعتبرون الأمة الأمريكية، مجموعة من القديسين، وهم ليسوا مستيقنين من الورع الأمريكي الذي يتحدث عنه (جورج بوش). وهم يرون أن انتصارنا على صدام حسين ليس دليلاً كافياً على فضيلتنا أمام الناس ولا أمام الله، وهو لا يبدو حتى دليلاً كافياً على انتصارنا على الإرهاب". فتقديم (جورج بوش) تبريرات دينية لحربه على العراق لأمر مقلق بل مرعب للكثيرين حسب تعبير القس (فريتس). وهو بدون نزاع أكثر جرأة من أي رئيس سبقه في هذا المضمار، باتفاق الجميع. ثم يقدم القس (فريتس) خلفية تاريخية لما يبدو حماساً دينياً متأججاً لدى الرئيس (بوش)، فيجد جذوره في تراث المستوطنين الأوربيين الأوائل في القارة الأمريكية، الذين كانوا متدينين لحد التعصب، يؤمنون بأن أمريكا هي صهيون الجديدة، والأرض الموعودة. والأمريكيون ـ اليوم ـ هم ورثة أولئك روحياً". وهو يشير
(1) القيم الأمريكية تتعرض للخطر ـ تأليف: جيمي كارتر - الناشر: سايمون وشوستر - ط1 2005 - عرض: عمر عدس ـ جريدة الخليج الإماراتية - عدد 9709 بتاريخ 18ـ12ـ2005 م
إلى أن الأمريكيين الحاليين مثل أجدادهم السابقين "يؤمنون بأنهم محط عناية إلهية وقدر إلهي محتوم".
لكن اليمين المسيحي الذي ينتمي إليه (جورج بوش) صاغ هذه الأفكار الثيولوجية صياغة سياسية عملية. حيث يرى أن (بوش) ومَن ورائه من الأصوليين المسيحيين واليهود في أمريكا، يمثلون فلسفة دينية أساها العنف والكراهية والتكبر، في وقت تحتاج فيه البشرية إلى التواضع والإنصاف واعتماد النسبية في تقويم الأفراد والأمم، فلا يوجد بين البشر من هو شرير بشكل مطلق ولا مَن هو خيِّر بشكل مطلق، ولا يوجد في البشرية (محور شر) و (محور خير) كما يريد بوش أن يقنعنا بذلك اليوم" (1).
كما أن الكنائس الأمريكية الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية المختلفة، بدأت ترفع صوتها منددة بالتوظيف السياسي للدين، الذي يتناقض مع ما تقول به العقيدة المسيحية حتى أن القس (ملفين تالبيرت) رئيس الكنيسة الميثوديه، التي يعتبر الرئيس (بوش) أحد أبنائها قال في مقابلة تليفزيونية أجريت معه:"إن سياسة إدارة الرئيس بوش في الحرب على العراق ستنتهك الشريعة الإلهية كما تنتهك تعاليم السيد المسيح". كما أطلقت مجموعة ضغط مسيحية ليبرالية في واشنطن نشاطاً مكثفاً، لمنع إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي (بوش) ومواجهة نفوذ المحافظين الجدد من المسيحيين اليمينيين، والصهاينة الذين يرسمون لبوش سياساته واستراتيجياته. وقالت (بريندا بترسون) مديرة (شبكة الزعامة الكهنوتية):"إن الإدارة تتلاعب بالدين بمستويات غير مسبوقة ومثيرة للغضب. ونددت بما سمته (عقلية رعاة البقر) التي تنتهجها إدارة (بوش). ويقول رئيس المنظمة (البرت بينيباكر): "نحن هنا لتشجيع التغيير في القيادات الفاشلة وسياساتهم الأكثر فشلاً. وعملنا يركز على تجميع الليبراليين ليتحدوا في مواجهة إدارة بوش وسياساتها الخارجية والاقتصادية وهي الإدارة التي تحاول تمييع أساسيات الفصل بين الدولة والكنيسة،
(1) بوش .. طغيان الحماس الديني على البصيرة السياسية/بقلم محمد بن المختار الشنقيطي - الجزيرة نت 21/ 3/2004
وتنتهج سياسات خارجية تعتمد على البطش وتهديد الدول الأخرى، وسياسات داخلية تكافئ الأغنياء على حساب الفقراء والأطفال" (1).
ولا شك في أن اشد عبارات التنديد المسيحية بسياسة الرئيس (بوش) وردت على لسان البابا الراحل (يوحنا بولس الثاني)، الذي قد أوفد الكاردينال (اتشيجارى) أوائل فبراير إلى بغداد في مبادرة مسيحية لافته، حيث أعلن بابا الفاتيكان خلال صلاته الأسبوعية، أن الخيار بين السلام والحرب في الوضع الدولي الراهن هو أيضاً الخيار بين الخير والشر، وكأنه يرد على تقسيم (بوش) للعالم إلى أخيار وأشرار. وقال للمصلين المحتشدين في ساحة القديس بطرس:"في الإطار الدولي الراهن: نشعر بقوة بضرورة تطهير الضمير واهتداء القلب إلى طريق السلام الحقيقي. ففي أعماق قلب كل شخص يتردد صوت الله وصوت إبليس الماكر". وقال وهو يعلن مناسبة الصوم والبدء بأسبوع رياضات روحية: "خلال أسبوع التأمل والصلاة هذا، ستكون مطالب الكنيسة ومشاغل البشرية جمعاء حاضرة في مخيلتي، ولا سيما بالسلام إلى العراق والأرض المقدسة". وكان البابا قد دعا قبل ذلك مسئولي العالم أجمع إلى (فحص ضمير) من أجل تجنيب البشرية نزاعاً مأساوياً آخر" (2).
كما أن البيان الذي صدر في الخامس من فبراير 2002م عن المؤتمر المشترك لمجلس الكنائس العالمي، ومؤتمر الكنائس الأوروبي، والمجلس الوطني لكنائس المسيح في الولايات المتحدة، ومجلس كنائس الشرق الأوسط يعتبر عن حق (البيان المسيحي) المبدئي الرافض للحرب على العراق، باعتبارها حرباً غير مبرره أخلاقياً أو دينياً، وقد ندد البيان بمبدأ اللجوء إلى القوة العسكرية بدلاً من المساعي السياسية لحل الخلافات (3). كما وجه الرئيس الألماني (يوهانس راو) انتقاداً شديداً إلى نظيره الأمريكي (جورج بوش) بسبب تبريره الحرب على العراق بأنها (مهمة إلهية)، وقال (راو) في مقابلة تلفزيونية: "أن استشهاد (جورج بوش) بالله في خطاباته حول الحرب في العراق يولد سوء تفاهم هائلاً، اذ يتحدث (بوش) عن
(1) جريدة الخليج - العدد 5993ـ بتاريخ 2/ 1/2004
(2)
جريدة الخليج - 10ـ3ـ2003م ـ عدد 8695
(3)
عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة -احمد حجازي السقا ص29 أو جريدة الأهرام 12ـ2ـ2003م