الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعامل مع كل القضايا الكبرى ـ كالانسحاب وتفكيك الاستيطان واللاجئين والقدس وغيرهاـ من منظور أنها قضايا موضع نزاع لا قضية احتلال. وهكذا كانت كارثة أوسلو في نقل كل المسار، من مسار إنهاء احتلال شعب وأرض محتلة إلى مسار جديد، برعاية وتشجيع الولايات المتحدة، وهو مسار التفاوض بين طرفين متساويين، على قضايا متنازع عليها، وصارت الحقوق المعترف بها دولياً ساحة تمارين تفاوضية، تتم المقايضة بها بشكل تجاري سخيف (1).
الكونغرس ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس
!
بادر السناتور الجمهوري (روبرت دول)، خلال شهر أيار 1995م بتقديم مذكرة إلى مجلس الشيوخ الأمريكي للمطالبة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث حظيت هذه المذكرة بتأييد أغلبية كبيرة من الكونغرس بمجلسية الشيوخ والنواب، واتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي قرارا ينص على اعتراف رسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو قرار يلزم الحكومة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس. وقد كانت نتائج التصويت على القرار بأغلبية ساحقة، إذ وصلت نسبة المؤيدين في مجلس الشيوخ إلى 93 في المائة، أما في مجلس النواب فكانت لا تقل عنها إلا قليلاً، نحو 90 في المائة. وبعد صدور هذا القرار، الذي إن دل على شئ فإنما يدل على مدى تغلغل الأفكار الصهيونية في عقول الصفوة الحاكمة الأمريكية، راهن البعض على إمكانية استخدام الرئيس كلينتون لحق الفيتو، ولكن الرد جاء سريعاً حيث أعلن البيت الأبيض أن الرئيس لن يستخدم هذا الحق. ولكنه في نفس الوقت سيسمح للرئيس باستخدام صلاحياته، لإرجاء تنفيذ القرار لفترات محددة، إن هو وجد ضرورة لحماية المصالح الأمنية القومية لبلده، ولكنها لا تمنع من التنفيذ إطلاقاً.
وللأسف فقد خرج علينا غالبية المحللين السياسيين العرب، بتفسيراتهم التقليدية لأسباب صدور هذا القرار، فمنهم من قال انه يدخل في إطار الحملة
(1) الوسيط الخادع .. دور الولايات المتحدة في إسرائيل وفلسطين ـ نصير عاروري الطبعة: الأولى 2003ـ كامبردج بوك ريفيوز.
الانتخابية التي يقوم بها السناتور روبرت دول لخوض انتخابات الرئاسة، ومنهم من قال: أنه جاء بسبب ضغوط اللوبي الصهيوني، وغير ذلك من الأسباب، هذا بالرغم من أن القسم الثاني من القرار يحتوى 17 بنداً توضح سبب صدور القرار، أغلبها بنود مبنية على معلومات توراتية صهيونية صرفه، جوهرها، أن مدينة القدس مدينة داوودية يهودية صهيونية، وتؤكد أن القدس هي المركز الروحي للشعب اليهودي. وبالرغم من كل ذلك لم يولِ أحد من محللينا السياسيين هذه البنود أي اهتمام، ولم يسألوا أنفسهم عن السبب الذي جعل القرار يصدر بهذه الأغلبية الساحقة، وعن السبب في إجماع الديمقراطيين والجمهوريين بهذه الطريقة على هذا القرار، إذا كانت المسألة دعاية انتخابية للجمهوري روبرت دول؟! وإذا كان اللوبي الصهيوني قوى لهذه الدرجة في الكونغرس الأمريكي، فما معنى الاستمرار في المراهنة على أمريكيا؟ والحديث الدائم لكثير من الزعماء العرب، عن صداقتها للعرب، والتي لم تستطع منع صدور قرار يمس مشاعر العرب والمسلمين في كل مكان؟؟!!
وهنا نتساءل: ما مصلحة أميركا الحقيقية من وراء هذا الدعم الأعمى لإسرائيل الذي يعود عليها نفسها بالأذى الشديد؟ ولماذا تتعامى عن العنف الإسرائيلي، وتبرره وتعتبره دفاعاً عن النفس وتوفر له غطاء دبلوماسياً؟ وأين المصلحة الأميركية في حشد الكراهية في عوالم العرب والمسلمين عبر احتقار القضية الأهم، التي تثير عواطف وأعصاب معتدليهم وتشد من أزر متشدديهم؟ (1). فأي شريك لعملية السلام هذا الذي يمسح لنفسه بنسف عملية السلام، من خلال قفزة على التزامات وتعهدات قطعها على نفسه؟!. وهل بقى لأمريكا أي مصداقية بعد صدور هذا القرار؟! وهل بقى لبل كلينتون أي حجة بعد رفضه استخدام حق الفيتو بحق القرار؟ .. بالطبع لا، إلا إذا كان البعض مصر على إغماض عينيه عن الحقيقة الساطعة، وهي أن الإدارة الأمريكية ـ بكامل هيئاتها ـ والشعب الأمريكي ـ بوجه عام ـ ينظرون إلى علاقتهم بإسرائيل، من منظار ديني بحث، سيكون له أكبر
(1) الوسيط الخادع .. دور الولايات المتحدة في إسرائيل وفلسطين ـ نصير عاروري الطبعة: الأولى 2003ـ كامبردج بوك ريفيوز