الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويفصل (ديليب هيرو) في كتابه (العراق تقرير من الداخل)، كيفية توظيف المنظمة الدولية كأداة بيد واشنطن لتحقيق أهداف سياسية وأمنية واستخباراتية لا علاقة لها بعمل الأمم المتحدة، سواء عن طريق اختراق لجان التفتيش من قبل السي آي إي، أو عن طريق التلاعب بقرارات الأمم المتحدة، أو السيطرة على لجانها الخاصة بفرض الحصار على العراق، حيث نقرأ تفصيلات مذهلة تكاد تقترب من الأفلام السينمائية في بعض أجزائها (1). وقد أشار المحلل العسكري (وليام أركين) أن عملية ثعلب الصحراء استهدفت في الأساس الجهاز الأمني الداخلي في العراق اعتماداً على المعلومات التي جمعت من خلال أونسكوم، وكان اغتيال الرئيس العراقي أهم بالنسبة للولايات المتحدة من تأمين نزع أسلحة العراق.
أحداث 11 سبتمبر ـ بوش يعلن حرباً في كل الاتجاهات
بعد هجمات 11 سبتمبر على واشنطن ونيويورك اختيرت أفغانستان مره أخرى لهجوم عسكري أمريكي، ولكن هذه المرة كهدف لحملة قصف طويلة بالقنابل بغرض الإطاحة بنظام طالبان الحاكم وتشتيت شبكة القاعدة (2). وبعد سقوط طالبان تساءل الأمريكيون عن مسرح حربهم المقلبة لأنهم بحاجة لخوض حرب جديدة. وتعددت الخيارات (الصومال، الفلبين لضرب تمرد الإسلاميين، العراق .... ). حيث طغى على الخطاب السياسي الأمريكي مقاربة (هينغتون) لمّا استخدم بوش تعبير الحرب (الصليبية) ضد الإرهاب، ضد جهاد (بن لادن). وقد أظهر هذا أن فريق بوش يحبذ إعطاء الحروب القادمة صبغة دينية. لكن الصياغة الأكثر تخويفاً هي الرسالة الرئاسية حول حال الاتحاد في جانفي 2002م. "هذا الخطاب السنوي .. الملقى أمام الكونغرس .. أصبح أيضاً منذ رئاسيات عديدة خطاباً حول (حال العالم)، دلالة على اتساع النطاق الإمبراطوري.
(1) العراق .. تقرير من الداخل ـ المؤلف: ديليب هيرو - الطبعة: الأولى 2003 - الناشر: London، Granta Books- كامبردج بوك ريفيوز ـ الجزيرة نت
(2)
استهداف العراق ـ العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية ـ جيف سيموند ـ مركز دراسات الوحدة العربية ص44
ففي هذا الخطاب يعلن بوش حرباً في كل الاتجاهات، ومعركة معسكر الخير ضد معسكر الشر مشيراً بصريح العبارة إلى ثلاثة دول أعضاء في الأمم المتحدة، هي كوريا الشمالية، العراق وإيران، وهي متهمة بالسعي للتزود بأسلحة نووية، وبالتالي بقدرات ردعية كافية لا يمكن أن تتحملها الإمبراطورية الأمريكية إن قررت ضربها عسكرياً في المستقبل، حيث شكل خطاب بوش هذا (إعلان وفاة الأمم المتحدة)، هذا بالرغم من أن وفاة الأمم المتحدة قضية مفروغ منها في قول وممارسات إدارة بوش، التي تؤسس ل ـ "قدوم إمبراطورية كونية لا يمكنها أن تقبل أية قاعدة أعلى منها"(1).
وفيما كانت المرحلة الأولى من حرب الرئيس بوش المزعومة على الإرهاب ـ أي استهداف أفغانستان ـ ماضية بسرعة ـ وكانت غالبية الموجودات العسكرية الأمريكية في أماكنها وخلال أيام قليلة أخذت القنابل في التساقط لتدمر ما بقى من البنية التحتية الاجتماعية لأفغانستان التي مزقتها الحرب، لتسدل الستار على جهود الإغاثة، التي كان ملايين الناس يعتمدون عليها في بقائهم، ولتقتل ـ في أحد التقديرات ـ نحو 10 آلاف مدني، بينما كان كل ذلك يجرى لم يكن هذا كله كافياً لاستراتيجي واشنطن، بل كان يجرى التخطيط بالفعل للمرحلة الثانية من حرب بوش، كما كان يجرى الدعاية لها. فقد كانت بلدان عديدة تذكر باعتبارها تستحق نوع المعاملة التي كانت ستخص سريعاً أفغانستان، ولم يكن بوش قد ألقى بعد خطابه المثير للسخرية عن محور الشر (العراق وإيران وكوريا الشمالية)، ولكن (دولاً مارقة) عديدة، (الدول المثيرة للقلق) كانت تصطف لجذب الانتباه. إيران، العراق، كوريا الشمالية، سوريا، أفغانستان، السودان، الصومال، اليمن، كوبا، العالم كله كان بالتأكيد منطقة غنية بالأهداف. أفغانستان، هكذا اعلن خبراء الدعاية، سيتم التعامل معها. فأين يكون التوجه التالي لقوات الذين يملكون صولجان الصواب؟ لقد ظل العراق الخيار الأكثر ترجيحاً.
(1) إمبراطورية الفوضى: الجمهوريات في مواجهة السيطرة الأمريكية فيما بعد الحرب الباردة ـ ألان جوكس كامبردج بوك ريفيوزـ الجزيرة نت
فمع غياب عدو حقيقي في الخارج بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وعدم وجود خصم حقيقي في الداخل، أخذ معسكر الحرب يردد بصوت واحد النغمة المعروفة، التي كان مجلس الشيوخ في روما القديمة يرددها إزاء قرطاجه:(يجب تدمير بغداد)(1). إما لماذا فهذا لا يهم؟! .. فالسيناريو معد مسبقاً ومحتويات الشريط معروفة من قبل أن نشاهده. لا ينقص سوى العنوان. هل هو العودة إلى بغداد، أو بغداد 2، أو نهاية دكتاتور. أو العدالة الراسخة، أو الإمبراطورية تشن هجوماً مضاداً؟ فلنصبر، فإن اختصاصيي هوليود سيجيبون عن السؤال في الوقت المناسب. فقد أجريت كل الحسابات: عدد القتلى الأمريكيين الذين يمكن أن يتقبله الرأي العام، خليفة صدام، ردود فعل البلدان المجاورة .. كل شئ معلب أو يكاد (2).
وهكذا فقد تخلى بوش وطاقمه الإداري بعد سنة ونصف من أحداث 11 سبتمبر عن حربه على القاعدة وأسامة بن لادن، واتجه إلى العراق وصدام حسين، بالرغم من أن الإدارة الأميركية، لم تشر قبل عمليات الهجوم على برجي مركز التجارة في 11 سبتمبر 2001م إلى الخطر العراقي الداهم كما فعلت منذ أوائل عام 2002 م. وبينما كان العراق يتهيأ مجدداً لهجوم أمريكي ضار، ومسؤولوه، يسلمون بأنهم يتخذون عدداً من الاحتياطات غير المحدودة، كأن يجري نشر وحدات عسكرية في أنحاء البلاد، والطعام يتم تخزينه في مستودعات الحكومة، كان الرئيس بوش يعلن مجدداً أن دولاً أخرى ستستهدف بعد المرحلة الأولى من الحرب ضد الإرهاب:"اليوم نحن نركز على أفغانستان. ولكن المعركة أوسع. إن كل دولة تملك خياراً لاتخاذه. في هذا الصراع لا توجد أرض محايدة"(3).
(1) خطورة أمريكا - ملفات حربها المفتوحة في العراق ـ نويل مامير، باتريك فاربيار ـ ترجمة ميشال كرم ص79 - دار الفارابي - ط1 2004
(2)
المرجع السابق نفسه ص14
(3)
استهداف العراق - العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية ـ جيف سيموند ـ مركز دراسات الوحدة العربية ص 51ـ 52