الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدمير حضارة العراق
تقول كاتبة غربية: "إنه ليس من الممكن أن ترمى قنبلة على العراق دون أن تصيب مكانا أثريا. ولئن صدقت في كلامها، فعلينا أن نمسح دموعنا دائما على الموروث الحضاري الكبير، خصوصاً إذا عرفنا أنه في بغداد ينتصب أقدم قوس حجري في العالم، ويعد العراق من أثرى مناطق العالم أثرياً، ففيه بدأت الحضارة قبل حوالي ستة آلاف عام، وفيه ظهرت الكتابة المسمارية، كما تطورت فيه الرياضيات، وعلم الفلك، وتم اختراع العجلة. وفي منطقة (أور) الجنوبية، ولد النبي إبراهيم عليه السلام وشيدت أولى الأحجار هناك، كما وضعت في بقايا عاصمة الإمبراطورية البابلية على يد ملوك مثل (نبوخذ نصر) و (حمورابي) أولى القوانين، بالإضافة إلى أن الآشوريين، والسومريين، والأكديين، تركوا بصماتهم في تلك المنطقة"(1).
وبالرغم من هذه القيمة الكبيرة للآثار العراقية، وأهميتها للحضارة الإنسانية، فقد مثل ما حدث من نهب، وسلب، وتدمير لهذه الآثار مأساة عظمى ليس للعراق فقط، بل للحضارة الإنسانية. وهنا يصف الفنان التشكيلي العراقي (نداء كاظم) الذي كان شاهداً على ما حدث من تخريب وحرق وهدم وسرقة للمتحف الوطني في بغداد، ولكثير من المكتبات منها، المكتبة الوطنية التي نُهبت وحُرقت، فيقول: "بدأ النهب والسلب، وحرق كل مظاهر الحضارة والثقافة، وذلك بأيدي خفية ومنظمة ومدفوعة، الفوضويون يسرقون المواد والحلي وما شاكل ذلك، أما الذين يسرقون الفكر ويحرقوه ويدمروه فهذه مسألة أخرى. لقد سُرق المتحف الوطني والأعمال التي لم يستطيعوا سرقتها بدءوا يهشمونها، ثم سُرقت المكتبة الوطنية، وفي الليل حُرقت، ودخلها ناس متسترين وحرقوها، وسُرقت مكتبة الوثائق والمخطوطات وحُرقت، وسُرقت مكتبة الأوقاف، وهذه من أهم المكتبات النفيسة، وحُرقت ـ أيضاً ـ .. إن عملية حرق بغداد منظمة .. منظمة وورائها ناس من خارج البلد .. حُرق مركز صدام
(1) الاثار في العراق بين ايدي لصوص الحضارات - محمد سيدي - الجزيرة نت
للفنون، وسُرقت كل الأعمال الفنية، أعمال (فايق، وجواد) والفنانين الآخرين، والأعمال التي لم يستطيعوا سرقتها هشموها وحرقوها".
ويصف (د. هاشم يحيى الملاح) - أستاذ التاريخ في جامعة الموصل- ما حدث من نهب وسلب في الموصل، فيقول:"في الحقيقة، في الليل هجمت مجموعة على متحف الحضارة في الموصل، وكانت الآثار مخزنة في أماكن حصينة، فقام هؤلاء المخربون بتحطيم جدران هذه الغرف الحصينة، وقاموا بسرقة الآثار الموجودة فيها. أما جامعة الموصل، فقد دخلت مجموعة من المخربين جامعة الموصل، وسرقوا كل ما فيها من سيارات كخطوة أولى، ثم بدءوا بسرقة مباني الجامعة، فسرقوا المختبرات والمكتبات، ثم أخذوا يسرقون الأثاث، وقاموا بتشجيع الغوغاء على دخول الجامعة .. حيث لم يبقَ في الجامعة شيء .. الحقيقة هاجموا مكتبة الجامعة، وحطموا أجزاء كبيرة منها، وسرقوا منها الكتب، وكذلك دخلوا إلى مكتبات الكليات، وفعلوا مثل ذلك .. لقد أصبحت الجامعة خراباً"(1).
أما السيدة (نبيهة الأمين) مديرة المتحف الوطني العراقي فقد ذكرت: "أن عدد التحف الأثرية والتاريخية، التي سرقت أو دُمرت في المتحف الوطني العراقي، تصل إلى 170 ألف قطعة أثرية تغطي تاريخ خمسة آلاف عام من تاريخ العراق". وحول ما تشكله هذه الآثار والتحف، من قيمة إنسانية قال (د. طالب البغدادي) الخبير في الآثار والتحف: "نعم، والله أرجو من الله أن يساعدني في أن أقدر أتكلم، بعد أن سمعت ـ خصوصاً ـ الأخ نداء، وتحية له كيف صبر؟ وكيف تجرأ على أن يذكر هذه الحقائق المؤلمة والمبكية والمحزنة، حاولت أن أبتعد عن العواطف، .. حينما ذكرت السيدة (نبيهة الأمين) - مديرة المتحف الوطني العراقي- أن عدد التحف الأثرية والتاريخية التي سرقت أو دُمرت في المتحف الوطني العراقي تصل إلى 170 ألف قطعة أثرية، تغطي تاريخ خمسة آلاف عام من تاريخ العراق، العدد لا يهمني، بقدر ما يهمني ما تحتويه هذه المؤسسات، وما يحتويه المتحف العراقي
…
كل المحتويات فيها نفيسة، ولكن أنفس المحتويات في قناعتي أنك تجد في هذا المتحف كيف استطاع الإنسان
(1) ما وراء الأحداث / تدمير حضارة العراق/- تقديم احمد منصور- قناة الجزيرة 14ـ4ـ2003
أن يخترع الكتابة ولأول مرة في الكون؟ ويقدم للبشرية كيف يُكتب الفكر وكيف تُنقل الفكرة على الطين وعلى الرُقم الطينية السومرية؟! ".
"تجد في هذا المتحف أول قيثارة صنعها الإنسان في التاريخ برأس العجل الذهبي المثبت عليها، تجد في هذا المتحف ملحمة (جلجامش) ، وهي مسطرة ومكتوبة ومحفورة على لوحات من الرخام، ملحمة جلجامش ماذا تعني؟ تعني فكر كامل يناقش إلى حد اليوم .. فكرة الموت والحياة، فكرة الخلود والفناء، فكرة صراع الإنسان مع الطبيعة، الذي يؤدي إلى التطور الحضاري، في الرُّقم الطينية في المتحف العراقي، تجد شرائع (أورنمو) و هي أقدم من شرائع (حمورابي) بحوالي ألفي سنة، وتجد ما تجد، هذه هي القيمة الإنسانية الموجودة في هذا المتحف، تجد في هذا المتحف أول مولِّد عرفه الإنسان على ما أتذكر 25 وات كهربائي تكتشفه الحضارة العراقية قبل آلاف السنين، تجد المعادلات الرياضية في الزمن البابلي، تجد مكتبة (آشور بانيبال) الملكية التي تحوي على آلاف مؤلفة من اللوحات المرمرية والمنحوتة، أنا لا أتكلم عن التماثيل، أتكلم عن ما تحتويه من فكر، عما تحتويه من أشياء ساهمت في تطور الإنسانية، وفي قناعتي في .. في تطور الكون بأكمله"(1).
ثم لخص (د. هاشم يحيى) الملاح ما حدث بقوله: "في الحقيقة، إن ما حصل هو تعريض لجهود هيئات علمية كبيرة، بدأت نشاطها منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، هذه البعثات الأثرية، التي قامت بالتنقيب في كل جزء من أجزاء العراق، ساهم فيها آثاريون فرنسيون وإنجليز وأميركان وعراقيين وآخرون، لقد بُذلت جهود جبارة في جمع هذه الآثار، وساهمت هذه الآثار في التعرف على نقاط غامضة من تاريخ الإنسانية، وتاريخ العراق وتاريخ المنطقة العربية، إن ما حصل هو نكبة ليس للعراق وحده، وإنما هي نكبة للإنسانية كلها، ولكل الجهود الحضارية التي بذلت من أجل زيادة معرفتنا بتاريخ الإنسان على هذه الأرض"(2).
(1) ما وراء الأحداث / تدمير حضارة العراق/- تقديم احمد منصور- قناة الجزيرة 14ـ4ـ2003
(2)
ما وراء الأحداث / تدمير حضارة العراق/- تقديم احمد منصور- قناة الجزيرة 14ـ4ـ2003