المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هدف ثابت وصياغات متغيرة - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٢

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل السادسالنظام الدولي الجديد ووعود حرب الخليج

- ‌الوسيط المخادع

- ‌وعود حرب الخليج

- ‌النظام الدولي الجديد عزز الانحياز الأمريكي لإسرائيل

- ‌اتفاقيات أوسلو تفكيك الصراع وكمائن الاتفاقيات

- ‌الكونغرس ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس

- ‌بل كلينتون

- ‌الخلفية الدينية لبل كلينتون

- ‌كلينتون ومونيكا وضرب العراق

- ‌حصار العراق والقيام بعمل الرب

- ‌الباب الثالثحملة بوش الصليبية على العالم الإسلامي وعلاقتها بمخطط إسرائيل الكبرى

- ‌الفصل الأولالدين والدولة

- ‌أمريكا دوله لها روح كنيسة

- ‌الأصولية المسيحية وعلمانية الغرب

- ‌رأى فولتير وكانط

- ‌نسق الدين ونشأة النظام الرأسمالي عند ماكس فيبر

- ‌دور الدين في الحياة الأمريكية

- ‌الديني والعلماني

- ‌الأصولية الأمريكية المتطرفة

- ‌علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة

- ‌الأصولية المسيحية والنظام الدولي الجديد

- ‌النظام الدولي الجديد .. والنظرية الكونية للتاريخ

- ‌الحرب الباردة وحلم تأسيس إمبراطورية أمريكية

- ‌عصر التنوير الجديد

- ‌ولادة النظام العالمي الجديد

- ‌الفصل الثانيالإسلام عدو بديل

- ‌هدف ثابت وصياغات متغيرة

- ‌تبدُّل الصياغة وصناعة صورة العدو

- ‌تصريحات ومواقف

- ‌نظرية صراع الحضارات

- ‌نظرية هنتنغتون الجديدة

- ‌الحملة على الإرهاب

- ‌تحديد الهدف .. ما هو "الإرهاب الإسلامي

- ‌التطبيق العسكري والأمني للشعار

- ‌الفصل الثالثجورج بوش والدولة الصليبية

- ‌بوش .. طغيان الحماس الديني على البصيرة السياسية

- ‌آل بوش

- ‌غباء بوش

- ‌عائلة بوش ومنظمة الجماجم والعظام

- ‌الإعداد لترشيح بوش للانتخابات

- ‌تزوير الانتخابات

- ‌من مقارعة الخمر إلى الأصولية المسيحية

- ‌جدلية الدين والسياسة في تفكير الرئيس بوش

- ‌مكانة بوش على الخريطة الدينية الأميركية

- ‌علاقة بوش مع الكنيسة الكاثوليكية

- ‌بوش واليهود وإسرائيل

- ‌بوش والمسلمين

- ‌بوش والحرب الصليبية

- ‌بوش يركب الزوبعة ويوجهه العاصفة

- ‌موت الشرير

- ‌إعلان الحرب من كاتدرائية

- ‌الفصل الرابعأفغانستان .. بدايتها جهاد .. ونهايتها إرهاب

- ‌إعداد المسرح

- ‌بريجنسكى يكشف المستور

- ‌سيناريو جاهز

- ‌قبيلة الإستراتيجيين الأمريكيين والإبقاء على السيطرة على العالم

- ‌اللجنة الثلاثية واستراتيجيتها للقرن الحادي والعشرين

- ‌أزمة كيسنجر الاقتصادية تتطلب حرباً

- ‌بريجنسكى ورقعة الشطرنج العظمى

- ‌مجموعة الهوس الديني / المحافظون الجدد

- ‌بول ولفويتز والنظام العالمي الجديد

- ‌إستراتيجية إمبريالية كبرى

- ‌الحرب غير المتوازنة

- ‌مغزى أحداث 11 سبتمبر

- ‌الحرب على الإرهاب ـ ضرب أفغانستان

- ‌ذهنية الإرهاب .. لماذا يقاتلون بموتهم

- ‌فرضيات حول الإرهاب

- ‌الفصل الخامساللعبة الكبرى .. يعملها الأمريكان ويقع فيها المسلمون

- ‌أضواء أخرى…على ما حدث في 11 سبتمبر

- ‌التقرير الألماني

- ‌أسئلة مريبة

- ‌لا توجد جريمة كاملة

- ‌مشروع إلكتروني سرى

- ‌فكرة استخدمت للجريمة

- ‌حادث الطائرة المصرية

- ‌لا صحة لسقوط طائرة على البنتاجون

- ‌الطائرات لم تدمر برج التجارة العالمي

- ‌أدلة أخرى

- ‌محاولات تزييف التحقيقات

- ‌عدم الثقة بالتحقيقات الأمريكية

- ‌فضائح تحقيقات FBI

- ‌أسلوب الكشف عن المجرم

- ‌خطاب لاروش حجة قوية

- ‌محاضرة لضابط سابق في شرطة لوس انجلوس

- ‌إدوارد اسبانوس (رئيس تحرير انتلجنس ريفيو)

- ‌مقتل المسئول الأول عن مطارة ابن لادن

- ‌أمريكا يمكن أن تضرب نفسها

- ‌ولكن ما العمليات التي كانت رئاسة الأركان الأمريكية تخطط لها

- ‌فيلم القبلة الطويلة

- ‌لورانس رايت وفلم (حالة طوارئ)

- ‌توصية بافتعال عمليات إرهابية لاصطياد المطلوبين

- ‌حقيقة ما حدث

- ‌انقلاب عسكري

- ‌شيفرة السر النووي

- ‌اختفاء بوش وهروبه

- ‌الحادي عشر من سبتمبر والإمبراطورية الأميركية

- ‌تجاهل الأدلة

- ‌الهيمنة على العالم

- ‌مؤلفو الكتاب

- ‌أين الحطام

- ‌تفجير متحكم به

- ‌إستراتيجية التوتر

- ‌غسيل الدماغ

- ‌ غسيل الدماغ

- ‌الفصل السادسمن المستفيد…ومن يقف وراء الحادث

- ‌ الأضرار التي لحقت بالمسلمين

- ‌تفجيرات 11 سبتمبر/ بين بوش وشارون

- ‌سيناريو ضلوع إسرائيل في أحداث 11 سبتمبر

- ‌اتهام أمريكي مباشر لـ (إسرائيل)

- ‌إرهاب الموساد ضد أمريكا

- ‌التزييف الرسمي لحقيقة حادث (ليبرتي)

- ‌شارون وأحداث سبتمبر

- ‌الجماعات المسيحية المتطرفة وأحداث 11 سبتمبر

- ‌حوادث لها دلالات

- ‌إنتحاريون من أجل هرمجيدون

- ‌تيموثي ماكفي / اليمين المسيحي المتطرف

- ‌والآن كيف تمت الجريمة

- ‌الفصل السابعأسامة بن لادن .. وصناعة صورة العدو

- ‌القاضي والجنرال

- ‌حروب البرابرة

- ‌في انتظار القاعدة .. وابن لادن

- ‌قصة تنظيم القاعدة

- ‌ابن لادن في السودان

- ‌الالتقاء مع جماعات إسلامية والكفاح ضد أميركا

- ‌طريد المخابرات العالمية

- ‌صناعة صورة العدو

- ‌خرافة السوبر مان مقابل الدولة الأعظم

- ‌أحداث 11 سبتمبر

- ‌المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر في خطابات بن لادن

- ‌لغز اختفاء بن لادن

- ‌الزرقاوي .. لغز جديد

- ‌تزويد الأنفاق بالظلام

- ‌تنظيمات عبثية

- ‌توظيف الدين بين بوش وبن لادن

- ‌حذارِ الحرب الصليبية الجديدة

- ‌الفصل الثامنحرب الخليج الثالثة

- ‌بوش يركب الزوبعة .. ويوجه العاصفة لتدمير العراق

- ‌الحرب على العراق

- ‌مسار أزمة العراق

- ‌القضاء على التفتيش

- ‌أحداث 11 سبتمبر ـ بوش يعلن حرباً في كل الاتجاهات

- ‌الهدف تغيير نظام الحكم

- ‌محاولة ربط العراق بالقاعدة

- ‌تدين بوش وخطة غزو العراق

- ‌في مهمة إلهيه حرب جورج بوش الصليبية

- ‌الصراع بين الخير والشر

- ‌بوش و معركة هرمجدون كما جاءت في سفر اشعياء

- ‌لاري فلايشر يهدد صدام بما كتب على الحائط

- ‌الصدمة والرعب

- ‌النسر النبيل

- ‌الصلاة مع ومن أجل الرئيس بوش

- ‌استغلال المسيحية لتبرير الغزو

- ‌اعتراضات من داخل المسيحية

- ‌رفض الحلول والسعي للحرب

- ‌أسباب رفض العالم للحرب

- ‌معارضة فرنسا للحرب

- ‌بيلير وتشرشل .. التاريخ يعيد نفسه

- ‌التخطيط لضرب العراق

- ‌هكذا سوقت أمريكا حربها ضد العراق

- ‌حملة أمريكا الإعلامية لتمرير الحرب

- ‌تضليل الرأي العام

- ‌صناعة الأكاذيب وحمايتها - لعبة الترويج والإسكات والتضليل

- ‌ديفيد كيلي

- ‌حماية الأكاذيب

- ‌الكذبات العشر

- ‌أكاذيب (باول) وتوني بلير وازنار

- ‌تاريخ الدولة الأمريكية العريق مع الأكاذيب والتضليل الإعلامي

- ‌أمريكا تخفي خسائرها في العراق

- ‌المرتزقة - قوات (غرين كارد)

- ‌دول مرتزقة

- ‌البروباغاندا والتشويه الإعلامي في الحرب على العراق

- ‌الإعلام والحرب النفسية

- ‌الفصل التاسعتدمير حضارة العراق

- ‌غزو العراق بين هولاكو وبوش

- ‌مقارنه بين غزو التتار والمغول لبغداد ، والغزو الأمريكي البريطاني الحالي

- ‌تدمير حضارة العراق

- ‌تحذيرات قبل الحرب

- ‌الأمريكيون .. متفرجون أم متواطئون

- ‌إدانة عالمية لوقوع الآثار في العراق بين أيدي لصوص الحضارات

- ‌أيد إسرائيلية

- ‌العمق الحقيقي للحرب ـ مقصلة الكبرياء

- ‌وماذا بعد

الفصل: ‌هدف ثابت وصياغات متغيرة

‌الفصل الثاني

الإسلام عدو بديل

‌هدف ثابت وصياغات متغيرة

(1)

بعد هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001م، علي مركز التجارة العالمي في نيويورك، والبنتاغون في واشنطن، سيطر دعاة ومعتنقو عقيدة صراع الحضارات علي الساحة السياسية والإعلامية في أمريكا. فقبل الكشف عن أي دليل علي هوية المهاجمين، كانت الحملة المنظمة ضد الإسلام والمسلمين قد بدأت تبث سمومها عبر مختلف وسائل الإعلام، وذلك في غضون الدقائق العشر الأولي، التي أعقبت الهجمات. فقد وصف الكاهن (فرانكلين غراهام) الإسلام بأنه دين شرير. كما أن وسائل الإعلام والصحف الكبرى في أمريكا مثل نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، قد أصدرت أحكامها مسبقاً علي الإسلام، وذلك علي لسان كتاب الأعمدة، الذين أجمعوا رأيهم علي أن المشكلة التي يعاني منها العالم هي الإسلام المتطرف، كما يدعي البعض، أو الإسلاميون كما يحلو للبعض الآخر تسميتهم. إلي جانب ذلك، فقد صور الإعلام الإسلام علي أنه دين عنف. وهذا ما دفع بالمواطن الأمريكي العادي الذي لا يشغله سوي قوت يومه إلي الاعتقاد بأن الإسلام والإرهاب هما وجهان لعملة واحدة. "وبذلك أصبحت الحرب ضد الإرهاب، سواء شعورياً أو لاشعورياً، حرباً ضد الإسلام، فأعلنت محطة (سي إن إن CNN) هذه الحرب قبل أن يقرها الكونغرس الأمريكي نفسه"(2). وهكذا يمكن ملاحظة أن هذا الهجوم المنظم على الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر لم يكن عفوياً، ولم يكن مبرراً، بل جاء نتيجة لتخطيط منظم سبقه بمراحل واستمر لسنوات طويلة، محاولاً إبراز الخطر الإسلامي وتضخيمه، لغاية في نفس يعقوب، حيث لم تكن أحداث 11 سبتمبر إلا نقطة التحول الحقيقية من الأقوال إلى الأفعال من اجل استهداف الإسلام وأهله.

(1) الإسلام عدو بديل .. هدف ثابت وصياغات متغيرة! - نبيل شبيب ـ إسلام أون لاين- 12 - 1 - 2001 - http://www.islamonline.net/arabic/politics/2002/01/article9.shtml

(2)

إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003

ص: 65

يقول الفيلسوف الفرنسي (مونتسكيو): "إن الشعوب السعيدة، هي الشعوب التي لا تاريخ لها". وقياساً مع هذه النظرية الاجتماعية، فإن التاريخ الغني لشعوب هذه المنطقة الممتدة من أواسط آسيا حتى شواطئ الأطلسي، يعكس مدى افتقار شعوبها إلى السعادة، حيث لعب عاملان أساسيان الدور الأهم في اغناء تاريخ المنطقة. العامل الأول ديني، وهو هبوط وحي الرسالات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام فيها والثاني حضاري، وهو قيام الحضارات الإنسانية الأولى فيها" (1)، حيث كان من نتيجة ذلك تحول المنطقة لمنطقة جذب للطامعين والغزاة على كافة مشاربهم وأهدافهم، وكان على المنطقة دفع ضريبة تميزها وفرادتها، حيث تعرضت المنطقة عبر تاريخها لسلسلة طويلة من الحروب. ولكن إذا نظر أي دارس للحروب المستمرة، التي تعرضت لها المنطقة، فسيلاحظ أنها جميعها فشلت فشلا ذريعاً في تحقيق أهدافها، حيث تمكنت شعوب هذه المنطقة من دحر الغزاة وردهم على أعقابهم.

وفي العصر الحديث تعرضت المنطقة العربية ـ ولازالت ـ لهجمة غربية شرسة، وبأساليب متعددة، بدءً من الغزو العسكري، وحتى الغزو الاقتصادي والفكري. فبعد زوال الاستعمار الغربي عن المنطقة العربية في منتصف القرن الماضي، لجأت الدول الغربية إلى إبقاء سيطرتها وفرض نفوذها على المنطقة بأساليب أخرى، اقتصادية وثقافية وعسكرية، من خلال بعض الأحلاف أو صيغ التعاون، مستخدمه كافة أساليب الضغط والتآمر للوصول إلى أهدافها. وقد نجحت هذه المخططات في تفتيت الأمة العربية، وإفشال أية مشاريع وحدوية، أو أي تعاون مثمر بين الدول العربية، حتى وصل حال الأمة إلى ما هو عليه الآن من ضياع وتشتت وغياب الهدف، وأصبح الحكام العرب ألعوبة في يد السياسات الغربية والأمريكية، وغذوا عاجزين عن اتخاذ أي موقف لا يروق للإدارة الأمريكية، التي كشفت عن أنيابها ومخططاتها القذرة تجاه المنطقة بعد انهيار المعسكر الشرقي، حيث بدأت في توجيه دفة العداء تجاه المنطقة، وبصوره فجه لم يسبق لها مثيل، وتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء، وأخذت

(1) موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص 30 - دار النفائس- ط.2 1999

ص: 66

أمريكا في إخراج مخططاتها وأحقادها الدفينة من خزائن التاريخ العفنة، وبالتعاون مع الصهيونية العالمية، من أجل إظهار العرب والمسلمين بصوره بشعة وغير إنسانيه لتبرير العدوان عليهم واستباحة مقدراتهم، حيث ساهمت عدة عوامل في صياغته هذه الصورة المرعبة للإسلام في عقول الغربيين يمكن إيجازها بالآتي:

أولاً ـ القادة والسياسيون

(حرب صليبية)، (حرب ضد الفاشية الإسلامية)، (حرب تغيير القيم)، مصطلحات ترددت بقوة على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 بما يؤكد أن الغرب وجد العدو البديل ممثلاً في المسلمين، بعد زوال الخطر الشيوعي، حيث أزاحت أحداث 11 سبتمبر الغطاء عن مكنون القلوب لدى زعماء غربيين تصرفوا بمنطق الحروب الصليبية، وأحيوا مقولات الداعين لتلك الحروب والمتمثلة في مواجهة خطر المسلمين الكفار. "فإستخدام التاريخ لأسباب سياسية يتضخم في الفترة المعاصرة. ويكفى مثال واحد لتبرير سباق التسلح أو السيطرة الاقتصادية، حيث يصطنع تاريخ الخصم على أنه شيطان. فقد كان الاتحاد السوفيتي هو (إمبراطورية الشر)، وبعد انهياره، وجد جورج بوش في الإسلام بديلاً ليبرر السياسة نفسها، وعلى النقيض من ذلك، ظهر تاريخ مقدس، كان في البداية تاريخ العبرانيين، تم استولى عليه المسيحيون الذين ادعوا وراثتهم له، ليبرروا حملاتهم الصليبية، تم استعمارهم"(1).

فقد استجاب الرئيس الأمريكي جورج بوش لكارثة 11 سبتمبر بشكل شبيه بما فعله البابا أوربان الثاني، الذي عبأ العالم المسيحي إلى (الحرب المقدسة)، وكان المسلمون بالنسبة له هم الشعب الكافر، حيث جعل بوش من الحرب الصليبية قرينة للجهاد وعزز من صورة القاعدة (2). وترددت أصوات بوش عن الحرب ضد الشيطان في لندن، حين أعلن رئيس الوزراء البريطاني في 17 سبتمبر 2001، دعمه للتحالف الذي تشكله الولايات المتحدة لخوض الحرب في أفغانستان، مشيرا إلى أن الحرب القادمة ستكون بين العالم المتحضر من ناحية، والتعصب من ناحية أخرى. وبعد

(1) أمريكا طليعة الانحطاط ـ جارودى ـ ص181

(2)

راجع كتاب "الحرب الصليبية .. وقائع حرب ظالمة"- الصحافي والكاتب الأمريكي جيمس كارول - نيويورك 2004 - ترجمة د. قاسم عبده قاسم - الجزء الثاني - مكتبة الشروق الدولية - ط1 2005

ص: 67

خمس سنوات عاد بلير ليعلن في 2 أغسطس 2006، أن الحملة العسكرية في أفغانستان والعراق استهدفت تغيير القيم وليس مجرد إزاحة نظامي طالبان وصدام. ثم اكتمل مثلث الهجوم على الإسلام بسيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا (السابق) الذي أعلن بعد أيام من أحداث 11 سبتمبر أن "الإسلام دين لا يحترم حقوق الإنسان ومبادئ التعددية والتسامح والحرية الدينية، وأن الحضارة الغربية تعلو على حضارة الإسلام"(1).

وهكذا يبدو واضحاً ان قادة الغرب وساسته، هم المسئولون في الدرجة الأولى عن هذا الموقف الخاطئ والظالم تجاه الإسلام وحركته السياسية والفكرية، فهم دائماً يحاولون انتخاب عدو موهوم لهذه الشعوب الغربية، ويضخمون لها أخطاره، ثم يقدمون أنفسهم منقذين ومخلصين ومدافعين عن هذه الشعوب تجاه هذا الخطر الداهم الموهوم. التهديد السوفيتي، التهديد الإرهابي، الأعداء الجدد، تلك هي عقلية البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وآخرين، التي تجرى التنشئة عليها بصورة محمومة في الداخل والخارج، لتبرير مهامها الحاسمة المنقذة للحياة والمانعة للحوادث.

يقول الجنرال (دوجلاس ماك ارثر)، وهو يتحدث عن ميزانيات البنتاجون الضخمة عام 1957م:"لقد أبقت علينا حكومتنا في حالة خوف دائم، أبقت علينا في حالة فرار مذعور دائم مصحوباً بحماس وطني، يقترن بصرخة عن حالة طوارئ وطنية خطيرة. لقد كان هناك على الدوام شر ما رهيب يتحفظنا أن لم نحتشد خلفه بصورة عمياء بتقديم الأموال الباهظة المطلوبة. ومع ذلك فباسترجاع الماضي، يتضح أن هذه الكوارث لم تكن لتحدث أبداً، ويتضح أنها لم تكن حقيقية تماماً مطلقاً. فالهدف الشامل للسياسات العملية هو الإبقاء على الناس مستنفرين (ومن تم يرحبون بقيادتهم لبر الأمان) بتهديدهم بسلسة لا تنتهي من الغيلان، معظمها خيالي، كما قال (هـ. ا. منكن) في عام 1920 م"(2).

فالمجتمعات الغربية اعتادت الرفاهية الاقتصادية، التي لا سند لها في

(1) جريدة الخليج - عدد 9982 - بتاريخ 17 - 9 - 2006

(2)

الدولة المارقة ـ دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيد ـ ص 51

ص: 68

الاقتصاد الغربي سوى استمرار نهب ثروات العالم المستضعف المغلوب، والحصول عليها بأبخس الأثمان، وهذه المجتمعات لا تتحمل أي نكسة أو تراجع في عالم الاقتصاد والرفاهية والاستهلاك، ولابد لهؤلاء القادة من الاستمرار في دعم وضمان قيام هذه المعادلة غير العادلة، ولا يتم ذلك إلا بالحفاظ على عالم الاستضعاف كما هو منبعاً للمواد الخام، وسوقاً لاستهلاك ما يفيض عن حاجة الغرب، وهذا يستدعي إستنفار الرأي العام الغربي ضد الإسلام، الذي يحارب هذه المعادلة، وضد المسلمين الذين يجاهدونه لضربها وإحلال معادلة متوازنة سليمة محلها، تؤمن مصالح كل الشعوب على السواء.

ثانياً ـ الإعلام الغربي

ساهم الإعلام الغربي بدوره الأساسي الفاعل في معاضدة القادة والسياسيين، فتحالف معهم في تشويه صورة الإسلام وحركاته، ومبادئه وقيمه، بتقديمها إلى المجتمعات الغربية بأقبح صور الراديكالية والوحشية، والتخلف والعنف. فقد غذّى الإعلام الغربي الرأي العام في الغرب بصور وقصص وروايات عن الإسلام والمسلمين، أصبحت أشد من الكوابيس ضغطاً على عقل وقلب وفكر المواطن الغربي، وأوجد البون الشاسع، والمسافة الكبيرة، في الفكر والممارسة، بين المسلمين والغربيين، وخاصة على صعيد الجنس والحرية الشخصية، ومهد كل ذلك أمام السياسيين، مهمة التلاعب بالرأي العام الغربي وتوجيهه، وحشده خلف هذه السياسات الخاطئة في التعامل مع الإسلام والمسلمين.

يقول المستشرق الهولندي (رودلف بيترز): "أن اللغة الإعلامية اليومية ـ للغرب ـ تكرس الصورة المشوهة، ويساهم في التشويه بعض الفئات المتعلمة والصحافيون. إن نقد صحافتنا أمر واجب، لأنها تمضي بعيداً في تسويق مفهوم خاطيء، وهي تعيد ما قامت به أثناء الحرب الباردة من حماسة زائدة ضد العدو المفترض، وهي تتعاطى مع الأصولية باعتبارها خبراً جذاباً للقارئ، لأنها من ناحية تتبنى العنف والإرهاب، ومن ناحية أخرى تختلف عن الواقع الغربي وتتصارع معه، ويمكن أن تكون نيات بعض الصحفيين طيبة، ولكن

ص: 69

يجب أن لا ننسى المقربين من المؤسسات السياسية الحزبية، التي لها مصلحة في التلاعب بالرأي العام وتوجيه. وحتى الصحافي الموضوعي يواجه عوائق مهنية في تغطية الموضوع الإسلامي، فرؤساء التحرير يبحثون عن خبر، والحديث عن الإسلام المعتدل أو المتنور لا يعد خبراً، ولا يجتذب القارئ" (1).

ثالثاً ـ المستشرقون

رغم أن المفروض بالمستشرقين أن يكونوا أكثر إحاطة من الإعلاميين والسياسيين بحقيقة الإسلام، ومعرفة بمبادئه العادلة السامية، وأصوله السليمة القويمة، وإطلاعاً على حركته السياسية ومظلوميتها في الداخل والخارج، وعدم إتاحة الفرصة لها ـ محلياً وعالمياً ـ لطرح مبادئها وتوجهاتها بشكل هادئ وسليم، فان هؤلاء المستشرقين كانوا ـ إلا قليلاً منهم ـ أكثر الشرائح الغربية مسؤولية عن تشويه صورة الإسلام والشعوب الإسلامية لدى الغربيين، شعوباً وحكومات وأحزاباً، ساسة وقادة وإعلاميين، وعلى عواتق هؤلاء المستشرقين تقع المسؤولية الكبرى في زرع العداء للإسلام لدى الغرب، وفي دفعه لإعلان الحرب عليه، باعتباره العدو الأول.

فهؤلاء بارتدائهم أثواب العلم والموضوعية، وحملهم لواء البحث والتحليل والتمحيص، كانوا أكثر نفوذاً وأبعد أثراً في الرأي العام الغربي، عدا عن أن دراساتهم وبحوثهم وأقوالهم كانت في الغالب هي المواد الرسمية الرئيسة للإعلاميين والسياسيين وسواهم. و قد أفصح المستشرق الأسباني (فرناندو دي أغريدا) رئيس قسم المطبوعات والنشر في معهد التعاون العربي التابع لوزارة الخارجية الأسبانية عن هذه الحقيقة، عندما أشار إلى أن دراسة الأوضاع العربية من قبل المستشرقين كانت تتم في الكثير من الأحيان بهدف تشويهها. ويقول وات في كتابه (ما هو الإسلام؟)، معبراً عن مدى انحياز الدراسات الغربية لجذور أصحابها عبر قوله: "إننا ورثة تحيز راسخ الجذور، يعود إلى الدعاية الحربية للقرون الوسطى، هذه الحقيقة يعترف بها الآن على نطاق واسع، فالدراسات الحديثة تشير إليها ضمن عوامل تكوين النظرة الغربية

(1) الإسلام .. الغرب .. وإمكانية الحوار- ابراهيم محمد جواد - مجلة النبأ - عدد 39 - 4 - شعبان، رمضان 1420

ص: 70

للإسلام. فعندما تقابل الفرسان الصليبيون مع العرب (البرابرة السارقين)، فوجئوا بحضارة تفوق حضارتهم. فرجع كثير من الفرسان منزعجين مما رأوا وعاينوا في الأرض المقدسة: مستوى معيشة لا تعرفه أوروبا ذلك الوقت، معرفة القراءة والكتابة، علوم طبية مزدهرة، فروسية حقيقية وتسامح، جسّدها صلاح الدين البطل الكردي. كانت حضارة تماثل تلك التي ازدهرت في الأندلس تجعل الخصوم المسيحيين يخجلون من أنفسهم، كاشفة لهم أنه إذا كان هناك برابرة، فذلك هم (1).

ولذلك فقد عمد هؤلاء الصليبيون على تشويه صوره المسلمين لكسب الدعم والتعاطف من شعوبهم وقد ساعدهم في ذلك كثير من رجال الدين وهذا ما يعترف به المستشرق الهولندي (فان كوننكز فيلد)، الذي أصدر عدة كتب تشرح الإسلام عقائد وأحكاماً اقترب فيها من الموضوعية والنزاهة، تحدث في كتابيه (أسطورة الخطر الإسلامي في الغرب)، و (حديث حول الإسلام في العصر الحديث)، مبيناً الصورة المشوهة التي يحملها الغربيين تجاه الإسلام، وأن لها جذوراً في الفكر اللاهوتي المسيحي. وقبل ذلك أشار الفيلسوف المؤرخ الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب) إلى هذه الظاهرة في التفكير الغربي الحديث الذي يزعم لنفسه التحرر والموضوعية والعلمية، ثم يقف بإزاء الإسلام وقضاياه موقفاً آخر تمليه عليه عصبية خفية (2).

كما أن المستشرقين أظهروا شبه إجماع على ضرورة التصدي للإسلام ومواجهة المد الإسلامي وقمع الظاهرة الأصولية، وإن كانوا قد اختلفوا في الأساليب التي طرحوها لهذه المواجهة، حيث كانت الحلول المقترحة لمواجهة المد الإسلامي كثيرة لا يمكن حصرها في هذا البحث، ولكنها جميعاً تؤكد على أن أصولية الإسلام تشكل خطراً كبيراً على الأمن والسلام، وعلى العلاقات بين الشرق والغرب. وأن المناهج الأصولية متزمتة وراديكالية لا ماضٍ ولا مستقبل لها. لهذا فإن قادة الغرب ـ استناداً إلى دراسات المستشرقين يراهنون على خيار واحد فقط، وهو سحق هذه التوجهات وتبديدها، ولو أدى

(1) الإسلام عام 2000 - د. مراد هوفمان- ترجمة: عادل المعلّم - مكتبة الشروق.

(2)

راجع كتاب حضارة العرب - غوستاف لوبون - عادل زعيتر - د. ن، 1969

ص: 71

الأمر إلى سحق الحريات، ووأد الديمقراطيات، التي يتشدق بها هؤلاء القادة الغربيين ليل نهار، ويجعلونها واجهة لعملهم السياسي في بلدانهم وأمام شعوبهم (1).

رابعاً: الصهيونية العالمية وإسرائيل

أخيراً هناك ما قام ويقوم به الصهاينة والإسرائيليون من تشويه مستمر لصورة العرب والمسلمين، لدى الرأي العام الغربي، ومن تضخيم متواصل لخطر الإسلام عموماً، وخطر الإسلام الأصولي خصوصاً، على أساس أنه البديل الحالي عن الخطر الشيوعي السوفياتي، الذي انحسر عن كاهل الغرب في الآونة الأخيرة. "فقد كان التركيز الأصولي في مجال السياسة الخارجية الأمريكية منصباً على الخطر القادم من الشمال، كما في نبوءات حزقيال، أي خطر يأجوج ومأجوج والحلف الشرير بين (أبناء الظلام)، ضد أبناء النور، أي إسرائيل. إلا أن الاتحاد السوفيتي قد ضاع الآن من بين أيدي الأصوليين بوصفه الشيطان إبليس أو يأجوج ومأجوج، بل وسبب لأولئك الأتقياء خيبة أمل كبيرة لأنه ـ بانسحابه من حلبة الصراع مع قائدة حلف أبناء النور الولايات المتحدة، بل وانضواءه في الواقع تحت لوائه ـ قد جرد المسيحيين الأصوليين المؤمنين من الخصم الشرير، وحرمهم من فرصة إشعال حرب نووية مع ذلك الخصم الشرير، تعجيلاً، ـ من خلال تلك الحرب، هرمجيدون ـ بالمجيء الثاني للمسيح"(2).

ولهذا كان على الأصوليين اختراع هذا العدو، فالغرب كما تقول المستشرقة الإيطالية) إيزابيلا كاميرا دافليتو): "كان وما يزال بحاجة إلى اختراع عدو حتى يضمن لنفسه خطاً دفاعياً، ويظل مترفعاً ومتعالياً على ما تبقى من العالم لسنين طويلة، أو حتى لعقود، كان هذا العدو متمثلاً بالشيوعية وبالمعسكر الشرقي، وعندما انهارت الشيوعية برز لدى الغرب التساؤل التالي: من سيكون عدونا المقبل؟!. وإذا به يسحب من خزانة تراكم عليها غبار الزمن

(1) الإسلام .. الغرب .. وإمكانية الحوار- ابراهيم محمد جواد - مجلة النبأ - عدد 39 - 4 - شعبان، رمضان 1420

(2)

المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص417

ص: 72