الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإِجماعُ أهلِ العِلمِ على أن جِنايَةَ العَبدِ في رَقَبَتِه يَدُلُّ، واللَّهُ أعلمُ، على أن الجِنايَةَ كانَت خَطأً، وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما لَم يَجعَلْ عَلَيه شَيئًا؛ لأنَّه التَزَمَ أرشَ جِنايَتِه، فأعطاه مِن عِندِه مُتَبَرِّعًا بذَلِكَ، وقَد حَمَلَه أبو سُلَيمانَ الخَطّابِيُّ رحمه الله على أن الجانِيَ كان حُرًّا، وكانَتِ الجِنايَةُ خَطأً، وكانَت عاقِلَتُه فُقَراءَ فلَم يَجعَلْ عَلَيهِم شَيئًا؛ إمّا لِفَقرِهِم وإِمَّا لأنَّهُم لا يَعقِلونَ الجِنايَةَ الواقِعَةَ على العَبدِ إن كان المَجنِيُّ عَلَيه مَملوكًا، واللَّهُ أعلمُ.
قال الشيخُ رحمه الله: وقَد يَكونُ الجانِي غُلامًا حُرًّا غَيرَ بالِغٍ، وكانَت جِنايَتُه عَمدًا، فلَم يَجعَلْ أرشَها على عاقِلَتِه، وكانَ فقيرًا فلَم يَجعَلْه في الحالِ عَلَيه، أو رآه على عاقِلَتِه فوَجَدَهُم فُقَراءَ، فلَم يَجعَلْه عَلَيه لِكَونِ جِنايَتِه في حُكمِ الخَطأَ، ولا عَلَيهِم لِكَونِهِم فُقَراءَ، واللَّهُ أعلَمُ.
بابُ العاقِلَةِ
قال الشّافِعِيُّ رحمه الله: لَم أعلَمْ مُخالِفًا أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضى بالدّيَةِ على العاقِلَة، وهَذا أكثَرُ مِن حَديثِ الخاصَّةِ
(1)
.
وقَد ذَكَرناه مِن حَديثِ الخاصَّةِ.
16449 -
أخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ وأبو زَكَريّا بنُ أبي إسحاقَ المُزَكِّي وأبو بكرٍ أحمدُ بن الحَسَنِ القاضِي وأبو سعيدِ بن أبي عمرٍو قالوا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، حدثنا بَحرُ بن نَصرٍ، حدثنا ابنُ وهبٍ، أخبرَنِي يونُسُ، عن ابنِ شِهابٍ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ وأبِي سلمةَ بنِ
(1)
الأم 6/ 115. وينظر المعرفة للمصنف (4943).
عبد الرَّحمَن، أن أبا هريرةَ قال: اقتَتَلَتِ امرأتانِ مِن هُذَيلٍ، فرَمَت إحداهُما الأُخرَى بحَجَرٍ فقَتَلَتها وما في بَطنِها، فاختَصَموا إلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن ديَةَ جَنينِها غُرَّةٌ عبدٌ أو وليدَةٌ، وقَضَى بديَةِ المَرأةِ على عاقِلَتِها، ووَرَّثَها ولَدَها ومَن مَعَهُم، قال حَمَلُ بن النّابِغَةِ الهُذَلِيُّ: يا رسولَ الله، كَيفَ أغرَمُ مَن لا شَرِبَ ولا أكَلَ، ولا نَطَقَ ولا استَهَلَّ؟ فمِثلُ ذَلِكَ يُطَلُّ
(1)
. فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّما هذا مِن إخوانِ
(2)
الكُهّانِ". مِن أجلِ سَجعِهِ
(3)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن أحمدَ بنِ صالِح، ورَواه مُسلِمٌ عن أبي الطّاهِرِ وحَرمَلَةَ، كُلُّهُم عن ابنِ وهبٍ
(4)
.
16450 -
أخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ وأبو زَكَريَّا بنُ أبي إسحاقَ وأبو عثمانَ سعيدُ بن محمدِ بنِ محمدِ بنِ عبدانَ وأبو صادِقٍ محمدُ بن أبي الفَوارِسِ العَطّارُ قالوا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، حدثنا أبو البَختَرِيِّ عبدُ اللهِ بن محمدِ بنِ شاكِرٍ، حدثنا يَحيَى بن آدَمَ، حدثنا مُفَصَّلُ بنُ مُهَلهِلٍ، عن مَنصورِ بنِ المُعتَمِرِ، عن إبراهيمَ، عن عُبَيدِ بنِ نُضَيلَةَ، عن المُغيرَةِ بنِ شُعبَةَ، أن امرأةً قَتَلَت ضَرَّتَها بعَمودِ فُسطاطٍ، فأُتِيَ فيه
(1)
سقط من: س، وفي ص 8:"بطل". وينظر ما تقدم في (16218).
(2)
في م: "أصحاب".
(3)
المصف في الصغرى (3145، 3146)، وابن وهب (496)، ومن طريقه أبو داود (4576)، والنسائي (4833)، وابن حبان (6020). وأخرجه أحمد (10916) من طريق يونس به. وتقدم في (16218).
(4)
البخاري (6910)، ومسلم (1681/ 36).
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَضى فيه على عاقِلَتِها بالدّيَة، وكانَت حامِلًا فقَضَى في الجَنينِ بغُرَّةٍ، فقالَ بَعضُ عَصبَتِها: أنَدِي مَن لا طَعِمَ ولا شَرِبَ ولا صاحَ فاستَهَّل؟! ومِثلُ ذَلِكَ بَطَلَ. فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَجعٌ كَسَجعِ الأعرابِ"
(1)
. رَواه مُسلِمٌ في "الصحيح" عن محمدِ بنِ رافِعٍ عن يَحيَى بنِ آدَمَ
(2)
.
16451 -
أخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، حدثنا أحمدُ بن عبد الجَبّار، حدثنا يونُسُ بن بُكَيرٍ، عن ابنِ إسحاقَ، حَدَّثَنِي عثمانُ بن محمدِ بنِ عثمانَ بنِ الأخنَسِ بنِ شَريقٍ قال: أخَذتُ مِن آلِ عُمَرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه هذا الكِتابَ، كان مَقرونًا بكِتابِ الصَّدَقَةِ الَّذِي كَتَبَ عُمَرُ لِلعُمّالِ: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم، هذا كِتابٌ مِن محمدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَينَ المُسلِمينَ والمُؤمِنينَ مِن قُرَيشٍ ويَثرِبَ ومَن تَبِعَهُم، فلَحِقَ بهِم وجاهَدَ مَعَهُم أنَّهُم أُمَّةٌ واحِدَةٌ دونَ النّاسِ؛ المُهاجِرون
(3)
مِن قُرَيشٍ على رِبْعَتِهِم
(4)
يَتَعاقَلونَ بَينَهُم، وهُم يَفْدونَ عانِيَهُم
(5)
بالمَعروفِ والقِسطِ بَينَ المُؤمِنينَ، وبَنو عَوفٍ على رِبْعَتِهِم يَتَعاقَلونَ مَعاقِلَهُمُ الأولَى،
(1)
المصنف في الصغرى (3155). وأخرجه أحمد (18138، 18148)، وابن ماجه (2633)، والنسائي (4836) من طريق منصور به. وسيأتي في (16468، 16495).
(2)
مسلم (1682/ 38).
(3)
في الأصل، م:"المهاجرين"، وفوقها في الأصل: كذا، وفي الحاشية:"وقع في بعض النسخ: المهاجرون. وليست في الرواية بالسماع، بل بالإجازة من بعض الطرق والله أعلم".
(4)
الرِّبْعة بالكسر: أي حالهم الأول. التاج 21/ 57 (ر ب ع).
(5)
العاني: الأسير. النهاية 3/ 314.
وكُلُّ طائفَةٍ تَفدِي عانيَها بالمَعروفِ والقِسطِ بَينَ المُؤمِنينَ. ثُمَّ ذَكَرَ على هذا النَّسَقِ بَنِي الحارِث، ثُمَّ بَنِي ساعِدَةَ، ثُمَّ بَنِي جُشَمَ، ثُمَّ بَنِي النَّجّار، ثُمَّ بَنِي عمرِو بنِ عَوفٍ، ثُمَّ بَنِي النَّبيت، ثُمَّ بَنِي الأوس، ثُمَّ قال: وإِنَّ المُؤمِنينَ لا يَترُكونَ مُفرَحًا مِنهُم أن يُعطوه بالمَعروفِ في فِداءٍ أو عَقلٍ
(1)
.
16452 -
ورَوَى كَثيرُ بن عبد اللهِ بنِ عمرِو بنِ عَوفٍ، عن أبيه، عن جَدِّه أنَّه قال: كان في كِتابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ كُلَّ طائفَةٍ تَفدِي عانيَها بالمَعروفِ والقِسطِ مِنَ المُؤمِنينَ، وإِنَّ على المُؤمِنينَ أن لا يَترُكوا مُفرَحًا مِنهُم حَتَّى يُعطوه في فِداءٍ أو عَقلٍ". أخبرَناه أبو عبد اللهِ الحافظُ وأبو بكرٍ القاضِي قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، حدثنا محمدُ بن إسحاقَ الصَّغانِيُّ، أخبرَنا مُعاويَةُ بن عمرٍو، عن أبي إسحاقَ هو الفَزارِيُّ، عن كَثيرِ بنِ عبد اللهِ. فذَكَرَه
(2)
.
قال الأصمَعِيُّ في المُفرَحِ بالحاءِ: هو الَّذِي قَد أفرَحَه الدَّينُ. يَعنِي أثقَلَه
(3)
.
(1)
ابن إسحاق - كما في سيرة ابن هشام 1/ 501، 502.
(2)
أخرجه ابن زنجويه في الأموال (510) من طريق معاوية به. والطبراني 17/ 24 (36)، والعسكري في تصحيفات المحدثين 1/ 160، 161 من طريق كثير بن عبد الله بمعناه. وعندهم:"مفرجا". وقال الهيثمي في المجمع 6/ 293: وفيه كثير بن عبد الله المزنى وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات.
(3)
ينظر غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 30، وتصحيفات المحدثين للعسكرى 1/ 162.