الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - بابُ جِوَارِ أَبي بَكْرِ فِي عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقْدِهِ
(باب جِوارِ أبي بكرٍ في عَهْد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعَقْده)
جوار: بكسر الجيم وضمها، أي: الأَمان، قال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] أي: آمِنْهُ، ومنه:{وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الانفال: 48]؛ أي: مُجيرٌ.
2297 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ: قَالَ ابن شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الله، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ؛ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبَو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابن الدَّغِنَةِ -وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ- فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَناَ أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَأَعْبُدَ رَبي. قَالَ ابن الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ
الْحَقِّ، وَأَناَ لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ ببلَادِكَ. فَارْتَحَلَ ابن الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، وَلَا يُخْرَجُ، أتخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابن الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبن الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبناءَناَ وَنِسَاءَناَ. قَالَ ذَلِكَ ابن الدَّغِنَةِ لأَبي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبناؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابن الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْناَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبناءَناَ وَنِسَاءَناَ، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابن الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ،
فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ: أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ له. قَالَ أبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إليْكَ جِوارَكَ، وأرْضَى بِجوَارِ الله، ورَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةَ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ". وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"عَلَى رِسْلِكَ؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَحَبَسَ أَبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
(فأخبرني) عطفٌ على مقدَّرٍ، أي: قال ابن شِهَاب: أخبرني بكذا وكذا عَقِبَ ذلك أخبرني بهذا.
(وقال أبو صالح)؛ أي: سُليمان بن صالِح المُلقَّب بـ: سَلَمُويه.
(عبد الله)؛ أي: ابن المُبارك، وقد وصلَ هذا التَّعليقَ الذُّهْليُّ في "الزُهْريات".
(فلم أعقل) لم أَعرِف، ولم أَعْهَد.
(الدِّيْن)؛ أي: دين الإسلام.
(قط) قال (ط): يجزم إذا كان بمعنى التَّقليل، نحو: ليس عندي
إلا هذا فقَطْ، ويُضمُّ ويثقَّل إذا كان في معنى الزَّمان نحو: لم أَرهُ قَطُّ.
(ابتلي)؛ أي: بإيذاءِ المشركين لهم.
(بَرك) بفتح الموحَّدة على الأكثَر، وفي بعضها بالكسر.
(الغِماد) بكسر المعجَمة، أو ضمِّها، وآخره مهملةٌ: موضعٌ باليمَن، وقيل: وراء مكَّة بخمس لَيالٍ، وقيل: في أقاصِي هَجَر، قال الجَوْهَري: موضعٌ بناحية اليمَن، وغامِد: حيٌّ من اليمَن، وغَمدان بها، أي: باليمَن.
(ابن الدَّغِنَة) قال الغَسَّاني: بفتح الموحَّدة، وكسر المعجَمة، وخِفَّة النُّون، بوَزْن: كَلِمَة، ويُقال: بضمِّ الدال، والغين، وتشديد النُّون، وبالوجهَين رويناه في "الجامِع"، ويقال: بفتح الدال، وسكون الغَين.
وقال ابن إسحاق: اسمه رَبيْعة بن رُفيع، والدَّغِنَة اسم أُمِّه، ومعناه لغةً: الغيم الممطِر.
وقال (ش)(1): إنَّ الأول هو ما لكافَّتهم، وعند أبي زَيْد المَرْوَزي فتح الغين.
قال الأَصِيْلي: وكذا قرأَه لنا؛ لأنه كان في لسانه استِرخاء لا يَقدِر على ملكه، وحُكي ضمُّ الدال والغين، وتشديد النون عن القابسِيِّ، وأن الوجهَين حكاهما الجَيَّاني.
(1)"ش" ليس في الأصل.
فالحاصل من الكلِّ في ضبطه أربعةٌ.
(القارة) بالقاف، وتخفيف الراء: قَبيلةٌ موصوفةٌ بجُودة الرَّمي، وهم بنو الهُون بن خزيمة.
(أسيح)؛ أي: أسيرُ، مِن السِّياحة.
(لا يَخرج) بفتح أوَّله.
(ولا يُخْرَج) بالبناء للمفعول.
(تَقْوى) بفتح التاء.
(وتَكسب) بفتح التاء وضمها.
(المعدوم)؛ أي: الفقير الذي بفَقْره كأنه هالكٌ عن الوجود، والمعنى: تكسِب مُعاونتَه.
وسبق في أول "الجامع" مباحثُ في مثْله، وأورده (ش) هنا: العديم الفقير، فقيل: بمعنى فاعل.
قال: وهذا أحسن من الرِّواية السابقة أوَّل الكتاب في حديث خديجة: (تَكسِب المعدُوم).
(الكَل) بفتح الكاف: الثِّقَل، أي: ثِقَل العَجْز.
(جار)؛ أي: مُجيْزٌ، قال الجَوْهَري: الذي أجَرْتَه من أن يَظلمه ظالمٌ.
(فرجع مع أبي بكر) قيل: كان القياس: فرجَع أبو بكر معه، إلا أنه أطلَق الرجوع، وأراد لازمَه الذي هو المَجيء، أو من قَبيل المُشاكَلة؛
لأن أبا بكر كان راجِعًا، أو أطلَق الرُّجوع باعتبار ما كان قبْلَه بمكة.
(فأنفذت)؛ أي: رضُوا بجِواره، ولم يتعرَّضوا لنقضه، وهو بإعجام الذال.
(فليعبد) إنما دخلت الفاء؛ لأن التقدير: مُرْ أبا بكرٍ ليَعبُد ربَّه، فليَعبُد.
(أن يفتن) من الفتنة والإفتان، ومن التَّفتين.
(فَطَفِقَ) بفتح الفاء وكسرها.
(بدا)؛ أي: نشأَ له رأْيٌ.
(بفناء) بكسر الفاء، والمدِّ، وهو ما امتدَّ من جوانب الدَّار.
(فيتقصف)؛ أي: يَزدحمُ حتى يَسقُط بعضهم على بعضٍ، وأصل التقصُّف التكسُّر.
(أجرنا أبا بكر) كذا لأكثرهم، ورواه القابسِي بالزَّاي.
(نُخْفِرَكَ) بضمِّ أوله، أي: ننقُضَ عَهْدك ولا نَفِيَ به.
(سَبخَة) بفتح الموحَّدة، أي: أرضًا مالحةً، وإذا وُصف به الأرض كُسرت الباء.
(لابَتين) اللَّابَة بتخفيف الموحَّدة: أرضٌ فيها حِجارةٌ سوداء كأنما أُحرقت بالنَّار، وهي الحَرَّة -بفتح المهملة-.
(قِبل) بكسر القاف.
(مهاجرًا) حالٌ مقدَّرةٌ.