الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
64 - باب النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يُحَفِّلَ الإِبلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ
وَالْمُصَرَّاةُ: الَّتِي صُرِّيَ لَبنهَا، وَحُقِنَ فِيهِ، وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا. وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ: حَبْسُ الْمَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ.
(باب النَّهي للبائع أنْ لا يُحْفِّل)
بشدَّة الفاء، مبنيٌّ للمفعول من الحَفْل وهو الجَمْع، ومنه المَحْفَل لمَجْمَع الناس، ولا يحتمل أنها زائدةٌ، ويحتمل أن تكون تفسيريةً، فيكون:(لا يحفِّل) تفسيرٌ للنَّهي.
(وكل مُحفلة)؛ أي: مِن شأْنها أن تُحفَّل، وهو عطفٌ على الإبل وما بعده، فإنَّ النُّصوص وإن وردتْ في النَّعَم، لكن أُلحق بها غيرها قياسًا، نعَمْ، غيرُ المأْكول كالجَاريَة والأَتان وإنْ شاركَه في النَّهي، وثُبوت الخيار للتَّغْرير والإضْرار؛ لكنْ لا يُردُّ في اللَّبن صاعٌ من تمرٍ؛ لعَدَم ثُبوته، وتسمَّى المُحفَّلة مُصَرَّاةً أيضًا.
(التي صُرِّيَ) هو تفسير الشَّافعي خلافًا لأبي عُبَيدة.
(وَحُقِنَ) عُطِفَ على: (صُرِّيَ) وإنْ كان معناهما واحدًا للتَّفسير.
* * *
2148 -
حَدَّثَنَا ابن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بن رَبيعَةَ،
عَنِ الأَعْرَج، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُصَرُّوا الإِبلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا؛ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وإنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ".
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْوَلِيدِ بن رَبَاحٍ، وَمُوسَى ابن يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"صَاعَ تَمْرٍ". وَقالَ بَعْضُهُم عَنِ ابن سِيرِينَ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَهْوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابن سِيرِينَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا. وَالتَّمْرُ أكْثَرُ.
الحديث الأول:
(لا تُصَرُّوا) بضم التاء، وفتح الصاد، على الرِّواية الصَّحيحة، بوَزْن: تُزَكُّوا، وأصله: تُصَرِّيُوا، فاستُثقلت الضَّمَّة على الياء فنُقلتْ إلى الراء، ثم حُذفت لالتِقاء السَّاكنين.
(الإبل) بالنَّصب، قال (ع): ورَويناه عن بعضهم بدُون الواو بعد الرَّاء، ورفْعِ الإبل من الصَّرِّ، وهو الرَّبْط.
قال أبو عُبَيد: لو كان من الصَّرِّ لكانت مَصْرُورةً، أو مُصَرَّرَةً، فأُجيب: بأنه يحتمل أنها مُصرَّرة فأُبدلت إحدى الرائين ألفًا، نحو:{مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10]، أصلُه: دسَّسَها، كَرِهوا اجتماعَ ثلاثة أحرُفٍ من جنْسٍ واحدٍ.
(بعد)؛ أي: بعد التَّصْرية، وقيل: بعد العِلْم بالنَّهي، وقال الدِّمْياطِي: بعد أنْ يَحلِبَها، كذا رواه ابن لَهِيعة عن جَعْفر بن رَبيْعة، عن
الأعرج، وبه يصحُّ المعنى، انتهى.
لكنَّ هذا مصرَّحٌ به في البخاري آخر الباب من حديث أبي الزِّناَد، فلا حاجةَ لعَزْوه لرواية ابن لَهِيْعة، وهو ليس من شَرْط البخاري.
(وصاع تمر) إما أنَّ الواو بمعنى (مع)، أو لمُطلَق الجمْع، ولا يكون منصوبًا على المفعول معه؛ لأنَّ شَرْطَه أن يكُون فاعِلًا، نحو: جئْتُ أنا وزَيدًا.
(ويذكر عن أبي صالح) رواه مسلم.
(ومجاهد) في "الأوسط" للطَّبَراني.
(والوليد) في "مسند أحمد بن مَنِيْع".
(وموسى) رواه أحمد ومسلم.
(عن ابن سيرين) هو في "مسلم"، وذكر ثَلاثًا بناءً على الغالِب في إمكان (1) تبيُّن التَّصرية؛ لاحتمال أن النَّقْص من اختلاف العلَف، أو تبدُّل الأَيدي، أو غير ذلك.
قلتُ: على أنَّ الشَّيخ تَقِيَّ الدِّين السُّبْكيَّ وغيرَه من المُحقِّقين رجَّح القَول بأن الخِيَار فيها ثلاثٌ.
ورواية تعيينِ التَّمْر
(عن ابن سيرين) أيضًا في "مسند الشافعي"، وابن أبي عُمر، و"مسلم"، و"النَّسائي".
(1)"في إمكان" ليس في الأصل.
(أكثر)؛ أي: من الطَّعام، وقيل: صاعٌ من قُوت البلَد، وأما التَّقدير بصاعٍ، فلتعذُّر التَّمييز فيما يختلِطُ من اللَّبن الحادِث، وقد لا يُوجَد من يَعرف القِيْمة هناك، وقد يَتلَف اللَّبن، فلا يُعرف مقداره، فضُبط لقَطْع النِّزاع بذلك، كالغُرَّة في الجَنين مع اختلاف الأجِنَّة ذكورةً وأنوثةً، وتمامًا ونقصًا، وحُسنًا وقُبْحًا، وكالجبران في الزكاة مع تَفاوُت أسنان الإبل.
* * *
2149 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً، فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا، وَنَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُلَقَّى الْبُيُوعُ.
الحديث الثاني:
(فليرد معها)؛ أي: حيث كانتْ من المأْكُولات كما سبَق، وإنْ كان (مُحفَّلةً) عامًا، لكن خُصَّ بدليلٍ.
(ونهى النبي صلى الله عليه وسلم) هو حديث النَّهي عن تلَقِّي الرُّكبان المذكُور بعدَه.
(تُلقى) على البناء للمَفعول، وأصلُه: تتلَقَّى، فحُذفت إحدى التاءَين، يعني: يَستقبل القادِمَ مَن يَشتري منه.
* * *
2150 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَلَقَّوُا
الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْو بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْتَلِبهَا؛ إنْ رَضيهَا أمْسَكَها، وإنْ سَخِطَها رَدَّها وصاعًا منْ تَمْرٍ".
الحديث الثالث:
(تلقوا)؛ أي: تَتلقَّوا، فحُذفت إحدى التاءين.
(وصاعًا) قال (ك): فإنْ قلتَ: الرَّدُّ بعد الأَخْذ، فما معنى الرَّدِّ في الصَّاع؟ قلت: مِنْ قَبيل:
عَلَفْتُها تِبنًا ومَاءً بَارِدًا
أي: وسقَيتُها، أو بتضمين علَف معنى: أنالَ، انتهى.
ولا أدري معنى السُّؤال ولا الجَواب.
قلتُ: لمَّا قرَّر (ك) أنَّ الرَّدَّ لا يكُون إلا بعد الأَخْذ؛ وجدناه ظاهِرًا في الشَّاة، وأما الصَّاع لمَّا لم يتقدَّم فيه أخْذ من البائِع، فكيف (خ) يقول فيه برده، فهو إذًا مشكل، فأجاب (ك) عنه: بأنه يخرج على قول الشاعر:
عَلَفْتُها تِبنًا ومَاءً بَارِدًا
أي: فيقدَّر فيه قبلَه ما يَنتظم به الكلام كهذا البَيت، وهذا ما ظهَر لي.
* * *