الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَمَّتِكَ. فَقَالَ عليه السلام: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ! ثُمَّ يَبْلُغُ الْمَاءُ الْجَدْرَ، ثُمَّ أَمْسِكْ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَأَحْسِبُ هَذ الآيَةَ نزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} .
(ثم أمسك) إنْ قيل: المُناسِب للسِّياق: ثم أَرسِلْ، قيل: المراد أمسِكْ نفْسك عن السَّقْي لا أن المراد: أمسِك الماءَ.
(إنه كان) جوَّز فيه ابن مالك الكسر والفتح، فإنْ كسرتَ قدَّرت الفاء، وإنْ فتحت قدَّرتَ اللام، والكسر أَجْود، قاله ابن مالك، وقُرئ بالوجهين في قوله تعالى:{إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: 28]، فقرأَ نافع، والكِسائي بالفتح، وكسَره الباقون، واستُشكل قوله: إنْ كسرت قدَّرت قبله الفاء؛ لأن الفاء تُشعر بالتَّعليل، والتعليل يقتضي الفتْح لا الكسرَ.
* * *
8 - بابُ شِرْبِ الأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ
(باب شُرب الأَعلى إلى الكَعْبَين)
2362 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ يَسْقِي بِهَا النَّخْلَ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اسْقِ يَا زُبَيرُ! " -فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ-"ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ". فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: آنْ كانَ ابن عَمَّتِكَ؟ فتلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:"اسْقِ، ثُمَّ احْبسْ، يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ". وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَالله إِنَّ هَذ الآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} .
قَالَ لِي ابن شِهَابٍ: فَقَدَّرَتِ الأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "اسْقِ، ثُمَّ احْبسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ"، وَكانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
(فأمِرَّهُ بالمَعْرُوف) فعلُ أمرٍ من الإمرار، فهو مشدَّد، وفي بعضها فعلٌ ماضٍ من الأَمْر.
(واستوعى)؛ أي: استوعَبَ واستوفَى، ولعلَّه من إدراج الزُّهْرِي على عادته في الإدراج، وهو مأخوذٌ من الوِعاء، وهذا يدلُّ على أن القَول الأول كان مَشُورة للزُّبَير ومُسامحةً لجاره ببعض حقِّه لا على وجه الحُكم، فلمَّا خالَفه الخَصْم استقصَى الزُّبَير حقَّه، وقيل: بل عقوبةٌ له بالمال، والأول أوجَهُ، والرواية الثانية الآتية فى (باب: إذا أشارَ الإمامُ بالمصلَحة) مصرِّحةٌ بذلك.
قال (خ): وقيل: إنه نَسْخٌ للحُكم الأول بالثَّاني، وكان له في الأصل أن يحكم بأيِّهما شاء إلا أنه قدَّم الأخفَّ والأسهلَ مُسامحةً وإيثارًا للجِوار، فلمَّا رأى الأنصاريَّ يجهل موضعَ حقِّه نسخَ الأول بالآخر حين رآه أصلَح، وفي الزَّجْر أبلَغ.
(والله إن هذه الآية) وجه الجمع بين هذا وبين ما في الرواية السابقة (أحسِب): أنَّ الشَّخص قد يكون أولًا شاكًّا، ثم يتحقَّق، وبالعكس.
(والناس) من عطْف العامِّ على الخاصِّ، أو هو معهودٌ من غير الأنصار.
قال (خ)(1): وفيه أنَّ مياه الأَودية التي لم تُستنبط بعمَلٍ فيها مباحٌ، ومَن سبَق إليه فهو أحقُّ به، وفيه أنَّه ليس للأَعلى إذا أخَذ حاجته أن يحبسَه عن الأسفل، وأن للإمام أنْ يعفوَ عن التَّعزير، وقيل: كان تَعزيره بالمال، والعقوبة قد تقع بالمال بشَقِّ الزِّقاق، وكسْرِ الجِرار عند تحريم الخمر تغليظًا للتحريم.
قال: وحُكمه عليه حالَ غضَبه مع نهيه أن يقضيَ القاضي وهو غَضْبان؛ لعصمته صلى الله عليه وسلم، فلا يقول في الغضَب والرِّضا إلا حقًّا.
قال التُّوْرِبِشْتي: قد اجتَرأ جمعٌ بنسْبة هذا الرجُل للنِّفاق، وهو باطلٌ؛ لأن كونه أنصاريًّا وصفُ مَدْحٍ، والسَّلَف احتَرزوا أن يُطلقوا على من اتُّهم بالنِّفاق أنصاريًّا، فالأَولى أن يُقال: هو قولٌ أزلَّه الشيطان فيه بتمكينه عند الغضَب، ولا يستبعد الابتلاءُ بذلك لبعض البشر.
* * *
(1)"خ" ليس في الأصل.