الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
100 - بابُ شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتقِهِ
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ. وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ. وَسُبيَ عَمَّارٌ، وَصُهَيْبٌ، وَبلَالٌ، وَقَالَ الله تَعَالَى:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .
(باب شِرَاءِ المَمْلُوك من الحَرْبي)
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسَلْمان) رواه أحمد، والطَّبَراني، وغيرهما، وهو بهذا اللَّفْظ في ابن حِبَّان.
(كاتب)؛ أي: اشتَرِ نفْسك بنجْمَين فأكثر.
(وكان حرًّا)؛ أي: في الأصل قبْل أن يَظلِموه، والجُملة حالٌ مِنْ (لسَلْمان)، وذلك أنه كان هرَبَ من أبيه لطلَب الحقِّ، وكان مجوسيًّا، فلَحِق براهبٍ، ثم براهبٍ، ثم بآخر بعد مَوت كلٍّ منهم، حتى دلَّه الأخير على الحِجَاز، وأخبرَه بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصَدَه مع بعض الأعراب فغَدَرُوا به، فباعُوه في وادي القُرى ليهوديٍّ، ثم اشتراه يهوديٌّ آخر من بني قُريظة فقدم به المدينةَ، فلمَّا قدمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ورأَى علامات النُّبوَّة أسلَمَ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(كاتِبْ عن نَفْسِك).
قال (خ)(1): قوله صلى الله عليه وسلم: (كاتِبْ) وهو خبر بمعنى: أوجِدْ صُورة
(1)"خ" ليس في الأصل و"ب".
الكتابة لا حقيقتَها، أي: افْدِ نفْسَك وتخلَّصْ.
قلتُ: إذا قهَر حربيٌّ حربيًّا ملَكه؛ لأن استيلاءَهم عليه وظُلمه بالبَيع كان قبْل مجيئه وإسلامه، فالكتابة (1) صحيحةٌ، وهو أول مكاتَبٍ في الإِسلام ذُكِر، وبَرِيْرة من الإناث.
(وسبي)؛ أي: أُسِرَ.
(وصهيب)؛ أي: وسبي صُهيب، وقد أشار إليه البخاري في هذا الباب، وكان رُوميًّا، ومنازِل قَومه بالموْصِل، فأغارتْ الرُّوم على ناحيتهم، فسبت صُهيبًا وهو صغيرٌ، فابتاعته كَلْبٌ، فقدِمَتْ به مكة، فاشتراه ابن جُدْعان فأعتقَه.
(وبلال) ذكر قصَّة سَبْيه عبد الرَّزَّاق في "مصنَّفه"، ومُسَدَّد في "مُسنده"، وأبو نُعيم في "الحِلْية" بألفاظٍ مختلفةٍ، اشتراه الصدِّيق.
* * *
2217 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فَيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ، أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ، هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ! مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي. ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لَا تُكَذِّبي حَدِيثِي؛ فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أنَّكِ أُخْتِي،
(1) في الأصل: "الكتاب"، والمثبت من "ف" و"ب".
وَالله إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ. فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتِ: اللهمَّ! إِنْ كنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ. فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ".
قَالَ الأَعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتِ: اللهمَّ! إِنْ يَمُتْ يُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ. فَأُرْسِلَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللهمَّ! إِنْ كنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذا الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَتِ: اللهمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ، فَأُرْسِلَ في الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَالله مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلَّا شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ. فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ الله كَبَتَ الْكَافِرَ، وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً؟!
الحديث الأول:
(سارة) وقيل: فيها التَّشديد أيضًا، وهي أُم إسحاق، إسحاق أصغَر من إسماعيل بأربع عشرة سنةً.
(قرية) قيل: مصر، وقال ابن قُتَيبة في "المَعارِف": هي الأُرْدُنُّ.
(ملك) اسمه صادُوق، وقال ابن هشام في "التِّيجان": إنه عمرو
ابن امرئ القَيْس، كان إذ ذاك ملِك مصر، قاله السُّهَيلي، وقيل اسمه: سُفيان بن علوان.
(أُختي)؛ أي: في الدِّين، أو أراد واحدةً منا، ففي "الكشاف" في:{يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]، أنه كما يُقال: يا أخا مِهْران، أي: واحدٌ منهم، أو جازَ لإبراهيم ذلك؛ لأن مثْلَه جائزٌ لدفْع أعظم الضررَين بأهونهما، كما لو طلَب ظالمٌ وديعةً يأْخذُها غَصْبًا، فإنه يجب الإنكار والإخبار بأنه لا يَعْلَمُ موضعَها، نعَمْ، قوله:(أُختي) إنما كان دفْعًا للظالم عن أخْذها لمَا عَلم من دينه أنه لا يتعرَّض إلا لذَوات الأزواج، أو أنه إذا عَلِم أنها زوجته يُلزمه بطلاقها، أو يقتلُه حرصًا عليها.
قال (خ): فيه أن مَن قال لامرأته: أنت أُختي، ولا يُريد طلاقها لا يكون [طلاقًا]، أو مثل أُختي ولا يُريد الظِّهار لا يكون ظِهارًا.
(إن على الأرض) نافية بمعنى (ما).
(وغيرك) في بعضها: (غيرك) بدلًا من المَحَلِّ، وفي بعضها:(مَن مؤمنٌ) بكلمة مَن الموصولَة، وصَدْرُ صِلَتها محذوفٌ.
(إن كنت آمنت بك) هي قاطعةٌ بإيمانها، فليس ذلك للشَّكِّ، بل على سَبيل الفرض هضمًا لنفسها.
قلت: الأحسن أن هذا تَرَحُّمٌ وتوسُلٌ بإيمانها لقَضاء سُؤلها.
(فَغُطَّ) بضم المعجمة، وتشديد المهملة، أي: خُنِقَ وصُرِعَ حتى سُمع له غَطِيْط.
(وركض)؛ أي: حرَّك رجْلَه وضرَب بها الأرض.
(عبد الرحمن)؛ أي: الأعْرَج.
(يقل) في بعضها: (يُقال) إما لأن الفتحة أُشبعت ألفًا، وإما على حَدِّ قراءة:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] بالرفع، وقد قال الزَّمَخْشَري: فيه أنَّه بتقدير الفاء، ويجوز أن يُقال: حمل على ما يقَع موقِع: {أَيْنَمَا تَكُونُوا} ، وهو أينما كُنتم، كما حُمل:(ولا ناعِب) على ما يقَع موقع مُصلِحين، وهو لمصلحين في قول الشاعر:
مَشَائِمُ لَيسُوا مُصلِحينَ عَشِيرةً
…
ولا ناعبٍ إلا ببَينِ غُرابهَا
قال: وهو قول سيبويَهِ.
(شيطانًا)؛ أي: متمرِّدًا من الجِنِّ، وكانوا يَهابون الجِنَّ ويُعظِّمون أمرهم.
(أرجعوها)؛ أي: رُدُّوها، فهو متعدٍّ ولازمٌ.
(آجَر) بهمزةٍ ممدودةٍ، وجيمٍ مفتوحةٍ، ويُقال: أَصْلُه: هاجَر، فأُبدلت الهاء همزةً، وهي جارية نبَطية هي أم إسماعيل.
(كبت)؛ أي: صرَفه وأذلَّه وردَّه خائبًا خاسرًا.
(وأخدم)؛ أي: مكَّن من الخِدْمة.
(وليدة)؛ أي: جاريةً بالتَّمليك.
ففيه جواز اتِّهاب المسلم من الكافر، وقَبول هديَّة السُّلطان الظَّالم.
* * *
2218 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بن أَبي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بن زَمْعَةَ في غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ الله ابن أَخِي عُتْبَةَ بن أَبي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أنَّهُ ابنهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بن زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ الله، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ:"هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ! الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بنتَ زَمْعَةَ! ". فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ.
الحديث الثاني:
(زَمْعة) بفتح الزاي، والميم، وسكونها، وبالمهملة.
(أخي)؛ أي: عُتْبة، وسبَق شرح الحديث في أوائل (البيع)، في (باب: تفسير المشبهات).
ووجه دلالته على التَّرجمة: ثُبوت الولَد لزَمَعة وأُمه مُستولَدةٌ.
* * *
2219 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رضي الله عنه لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ الله وَلَا تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبيكَ. فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَن لِي كَذَا وَكَذَا، وَأنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَناَ صَبيٌّ.
الثالث:
(يدعِي) بإشباع كسرة العين ياءً، وفي بعضها:(لا يَدَّعِ)؛ أي: يَنتسِب.
(ذلك)؛ أي: الادعاء إلى غير الأب، وأبوه هو سُفيان بن مالك.
(سُرِقتُ)؛ أي: فصار لساني كلسان الأعاجم، قال له عُمر: إنَّك تَنتسِب عربيًّا، ولسانُك أعجميٌّ، فقال: أنا من النَّمر بن قاسط، وإنَّ الرُّوم سبَتْني صغيرًا، فأخذتُ لسانهَم.
ووجه دلالته على الترجمة تتمَّة القِصَّة، وهو أن كَلْبًا بتاعته من الرُّوم، فاشتراه ابن جُدْعان، فأَعتقَه.
2220 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ حَكِيمَ بن حِزَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيْتَ أُمُورًا كنْتُ أتحَنَّثُ -أَوْ: أتحَنَّتُ بِهَا- في الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ".