الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ (1) لَهُ مَا قَدْ صَلى". [خ 990، م 749، -751، ط 1/ 123/ 13، ن 1671، جه 1320]
(316) بَابٌ في رَفْعِ الصَّوتِ بِالْقِرَاءَةِ في صَلَاةِ اللَّيْلِ
1327 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ،
===
قلت: زعم هذا الحنفي بما ذكر لا يستلزم نفي السلام، ومقصوده أن لا بد من التشهد بين كل ركعتين، وأما أنه يسلم أو لا يسلم فهو بحث آخر، فيجوز أن يقال في الرباعية: مثنى مثنى، أي أن كل ركعتين منها مثنى مع قطع النظر عن السلام.
قال الحافظ (2): حمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل، ويحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبًا.
(فإذا خشي أحدكم الصبح) أي فوت الوتر بطلوع الفجر (صلى ركعة واحدة) مع الركعتين المتقدمتين (توتر) هذه الركعة (له) أي للمصلي (ما قد صلَّى) أي الصلاة التي صلَّى قبل الركعة وهي الركعتان المتقدمتان، وهذه الجملة قرينة على اتصال الركعة الواحدة بما قبلها، ومن يقتصر على ركعة واحدة كيف يوتر له ما قبلها، وليس قبلها مثنى لانقطاعها عنها؟
(316)
(بَابٌ في رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ في صَلَاةِ اللَّيْلِ)
1327 -
(حدثنا محمد بن جعفر) بن زياد بن أبي هاشم، أبو عمران (الوركاني) قال في "التقريب": بفتحتين، وقال السمعاني في "الأنساب" (3): بفتح الواو وسكون الراء، من أهل خراسان، منسوب إلى وركان، وهي قرية من
(1) في نسخة: "يوتر".
(2)
"فتح الباري"(2/ 479).
(3)
(5/ 592).
نَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ (1) صلى الله عليه وسلم عَلَى قَدْرِ مَا (2) يَسْمَعُهُ مَنْ في الْحُجْرَةِ وَهُوَ في الْبَيْتِ". [حم 1/ 271، ق 3/ 11]
1328 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى خَالِدٍ الْوَالِبِىِّ،
===
قرى قاشان، (نا ابن أبي الزناد) عبد الرحمن، (عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم) أي رفع صوت قراءته (على قدر ما يسمعه) أي مقدار صوت ما يسمعه (من في الحجرة وهو) صلى الله عليه وسلم في (البيت) أي في بيته.
قيل: المراد بالحجرة صحن البيت، ويحتمل أن يقال: إن المراد بالبيت هو الحجرة نفسها. أي يسمع من فيها، وقال العسقلاني: الحجرة أخص من البيت، يعني كان لا يرفع صوته كثيرًا ولا يسر بحيث لا يسمعه أحد، وهذا إذا كان يصلي ليلًا، وأما في المسجد فكان يرفع صوته فيها كثيرًا، ذكره ابن الملك (3).
1328 -
(حدثنا محمد بن بكار بن الريان) الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله البغدادي الرصافي، ثقة، (نا عبد الله بن المبارك، عن عمران بن زائدة) بن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ثم مهملة، الكوفي، ثقة، (عن أبيه) زائدة بن نشيط، ذكره ابن حبان في "الثقات"، (عن أبي خالد الوالبي) بموحدة قبلها كسرة، اسمه هرمز، ويقال: هرم، مقبول، من الثانية، وقد على عمر، وقيل: حديثه عنه مرسل، فيكون من الثالثة، هذه النسبة إلى والبة، وهي حي من بني أسد.
(1) في نسخة: "رسول الله ".
(2)
وفي نسخة: "من يسمعه".
(3)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(3/ 277).
عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا". [خزيمة 1159، ك 1/ 310]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيُّ اسْمُهُ: هُرْمُزُ.
1329 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. (ح): وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِى بَكْرٍ يُصَلِّى يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ. قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُصَلِّى رَافِعًا صَوْتَهُ. قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ
===
(عن أبي هريرة أنه قال: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل) في "الأزهار": يعني في الصلاة، ويحتمل [في] غيرها أيضًا، والخبر محذوف وهو مختلفة (يرفع) صوته رفعًا متوسطًا (طورًا)[أي]، مرة أو حالة إن كان خاليًا (ويخفض طورًا) إن كان هناك نائم أو بحسب حاله المناسب لكل منهما (قال أبو داود: أبو خالد الوالبي اسمه هرمز).
1329 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن ثابت) بن أسلم (البناني، عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند مقطوع، (ح: وحدثنا الحسن بن الصباح، نا يحيى بن إسحاق) السيلحيني، (أنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله (1) بن رباح، عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر) أي مار بأبي بكر (يصلي) حال عنه (يخفض) حال عن ضمير يصلي (من صوته) من زائدة أو تبعيضية (قال: ومر بعمر بن الخطاب وهو يصلي رافعًا صوته، قال) أبو قتادة: (فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر مررت بك وأنت
(1) قال ابن العربي (2/ 237): الصحيح إرساله عن ابن رباح. (ش).
تُصَلِّي تَخْفِضُ (1) صَوْتَكَ" قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ". قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ".
زَادَ الْحَسَنُ في حَدِيثِهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شيْئًا"،
===
تصلي تخفض صوتك) أي لِمَ اخترت هذا؟
(قال) أبو بكر، لما غلب عليه من الشهود والجمال:(قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله) جواب متضمن لعلة الخفض، أي أنا أناجي ربي وهو يسمع، ولا يحتاج إلى رفع الصوت.
(قال: وقال لعمر: مررت بك وأنت تصلي رافعًا صوتك) أي لم اخترت هذا؟ (قال) أبو قتادة: (فقال) عمر، لما غلب عليه من الهيبة والجلال:(يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقظ) أي أنبه (الوسنان) أي النائم الذي لم يستغرق في نومه (وأطرد) أي أبعد (الشيطان) ووسوته بالغفلة عن ذكر الرحمن، وتأمل في الفرق بين مرتبتيهما ومقاميهما، وإن كان لكل نية حسنة في فعليهما وحاليهما من مرتبة الجمع للأول وحالة الفرق للثاني، والأكمل هو جمع الجمع الذي كان حاله عليه الصلام ودَلَّهما عليه.
(زاد الحسن في حديثه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لكونه الطبيب الحاذق والحبيب المشفق الموصل إلى مرتبة الكمال: (يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئًا) أي قليلًا لينتفع بك السامع ويتعظ مهتدٍ، ولما غلب عليه مزاج التوحيد الحار المحرق ما سوى الله الحق في الدار ليحصل له المقام الجمعي الشهودي بأن لا تحجبه الوحدة عن الكثرة، ولا الخلق عن الحق، وهو أكمل المراتب، وأفضل المناصب الذي هو وظيفة الرسل الكرام وطريقة الأولياء التابعين المكملين العظام.
(1) زاد في نسخة: "من".
وَقَالَ لِعُمَرَ: "اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". [ت 447، خزيمة 1161، ق 3/ 11]
1330 -
حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينِ بْنُ يَحْيَى الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ ،عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْقِصَّةِ لَمْ يَذْكُرْ: فَقَالَ لأَبِى بَكْرٍ: «ارْفَعْ شَيْئًا» وَلا لِعُمَرَ: «اخْفِضْ شَيْئًا» .
زَادَ: «وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلَالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ» قَالَ: كَلَامٌ طَيِّبٌ يجمعه الله
===
(وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئًا) أي قليلًا لئلا يتشوش بك نحو مصلٍ أو نائم معذور، وإنما أراد به صلى الله عليه وسلم بأمره ليعتدل مزاجه، فإن برودة الخلق وكافورية الشيطان كانت غالبة عليه، فأمره بمزج عسل التوحيد الذي فيه شفاء للناس، وباستعمال حلاوة المناجاة التي هي لذة العبادات وزبدة الطاعات عند أرباب الحالات وأصحاب المقامات، أذاقنا الله من مشاربهم، وأنالنا من مآربهم- آمين- قال الطيبي (1): نظيره قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (2).
1330 -
(حدثنا أبو حصين) بالمهملة مكبرًا (ابن يحيى) بن سليمان (الرازي) ثقة، قيل: اسمه عبد الله، (نا أسباط بن محمد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة) المذكورة في الحديث المتقدم (لم يذكر) أبو هريرة: (فقال لأبي بكر: ارفع شيئًا، ولا لعمر: اخفض شيئًا، زاد) أبو هريرة: (وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة) من تبعيضية (قال) بلال: (كلام طيب) أي القرآن (يجمعه الله)
(1)"شرح الطيبي"(3/ 105)، وانظر:"مرقاة المفاتيح"(3/ 278).
(2)
سورة الإسراء: الآية 110.
بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ (1) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ". [ق 3/ 11]
1331 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ رَجُلاً
===
أي على لساني (بعضه إلى بعض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم قد أصاب) أي من قرأ سرًا، ومن قرأ جهرًا، ومن قرأ الآيات من هذه السورة (2) والآيات من سورة أخرى فقد أصاب.
فإن قلت: هذا الحديث يعارض الحديث المتقدم، فإن في هذا الحديث تصويب فعلهما، وفي الحديث المتقدم عدم التصويب بل فيه شيء من الإنكار؟
قلت: كلا ليس فيه إنكار بل فيه إرشاد إلى ما هو الأولى لهما، ولا ينافيه تصويب ما كانا عليه من حالتيهما قبل ذلك، والله أعلم.
1331 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة: أن رجلًا (قال الحافظ في "الفتح" (3): جزم عبد الغني بن سعيد في "المبهمات" بأن المبهم في رواية هشام عن أبيه، عن عائشة هو عبد الله بن يزيد الأنصاري، فروى من طريق عمرة عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت قارئ يقرأ، فقال: صوت من هذا؟ قالوا: عبد الله بن يزيد، قال: لقد ذَكَّرني آية يرحمه الله كنت أنسيتها"، ويؤيد ما ذهب إليه مشابهة قصة عمرة عن عائشة بقصة عروة عنها بخلاف قصة عباد بن عبد الله عنها، فليس فيه تعرض لنسيان الآية.
(1) في نسخة: "قال: قال".
(2)
ويشكل عليه ما حكى السيوطي في "الإتقان"(1/ 144) برواية سعيد بن المسيب من الإنكار على بلال رضي الله عنه ولفظه: قال: أخلط الطيب الطيب، فقال:"اقرأ السورة على وجهها" أو قال: "على نحوها"، مرسل صحيح، وفي طريق آخر: عن عمر مولى غفرة أنه عليه السلام قال لبلال: إذا قرأت السورة فانفذها
…
إلخ. (ش).
(3)
"فتح الباري"(5/ 265).
قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللَّهُ فُلَانًا كَأَيِّن (1) مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيهَا اللَّيْلَةَ كُنْتُ قَدْ أَسْقَطْتُهَا". [خ 5042، م 788، "السنن الكبرى" للنسائي 8006، ق 3/ 12]
===
(قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن) يحتمل أن قراءته كانت بالصلاة أو خارجها (فلما أصبح) أي دخل في الصباح (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله فلانًا) دعاء له (كأين) بكاف وهمزة مفتوحتين وتحتانية مكسورة مشددة في آخره نون ساكنة بمعنى كم (من آية) قال في "القاموس": وكأين وكائن بمعنى كم في الاستفهام والخبر، مركب من كاف التشبيه وأيٍّ المنونة، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون، ورسم في المصحف نونًا (أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها).
قال الحافظ (2): لم أقف على تعيين الآيات المذكورة، وفي رواية:"كنت أنسيتها" قال الحافظ: هي مفسرة لقوله: "أسقطتها" فكأنه قال: أسقطتها نسيانًا لا عمدًا، وفي رواية معمر عن هشام عند الإسماعيلي "كنت نسيتها" بفتح النون ليس قبلها همزة.
قال الإسماعيلي: النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين: أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قريب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في السهو:"إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون"(3). والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (4)، قال: فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال لعارض (5) قوله تعالى:
(1) في نسخة: "كأي".
(2)
"فتح الباري"(9/ 85 - 86).
(3)
أخرجه البخاري (401)، ومسلم (89/ 572)، والنسائي (1244)، وأبو داود (1020)، وابن ماجه (1211).
(4)
سورة الأعلى: الآية 6.
(5)
كذا في الأصل، والصواب: لظاهر قوله تعالى، كما في "فتح الباري"(9/ 86).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ هَارُونُ النَّحْوِيُّ، عن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ في سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ في الْحُرُوفِ:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} .
===
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1)، وأما الثاني فداخل في قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (2) على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزةٍ.
وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبيء صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ مطلقًا، وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين: أحدهما: أنه بعد ما يقع تبليغه، والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكُّره إما بنفسه وإما بغيره، فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلًا.
وفي الحديث أيضًا جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد.
واختلف السلف في نسيان القرآن، فمنهم من جعل ذلك من الكبائر، واحتجوا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعًا:"عرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها"(3) وفي إسناده ضعف، انتهى مختصرًا.
(قال أبو داود: ورواه هارون النحوي)(4) هو هارون بن موسى الأزدي العتكي مولاهم، أبو عبد الله، ويقال: أبو إسحاق البصري، الأعور، ثقة، صاحب القراءات، (عن حماد بن سلمة) فهذه الرواية من باب رواية الأكابر عن الأصاغر، لأن هارون من الطبقة السابعة وحماد بن سلمة من الثامنة (في) تفسير (سورة آل عمران) متعلق بقوله: رواه (في الحروف) أي في بيان القراءات في سند قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} ).
(1) سورة الحجر: الآية 9.
(2)
سورة البقرة: الآية 106.
(3)
أخرجه أبو داود (461)، والترمذي (2916)، والبيهقي (2/ 440)، وابن خزيمة (1297).
(4)
لم أجد رواية هارون في كتاب القراءات كما أشار إليه المصنف، بل فيه رواية محمد بن إسماعيل عن حماد، فلعل المصنف حذف هذه الرواية، أو أنها في بعض النسخ من كتاب "السنن" والله أعلم.
1332 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ:«أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ (1) رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ» أَوْ قَالَ: «فِى الصَّلَاةِ» . [حم 3/ 94، خزيمة 1162، ك 1/ 311، ق 3/ 11]
===
حاصله أن قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ} (2) الآية، قرئ بوجهين: أولهما: وكأين بفتح الكاف والهمزة والياء المشددة المكسورة في آخره نون، وهذا قراءة جميع القراء إلا ابن كثير، فإن وقف عليه فالبصري يقف على الياء تنبيهًا على الأصل، والباقون يقفون بالنون اتباعًا لصورة الرسم، وثانيهما: كائن على وزن فاعل، وهو قراءة ابن كثير، فروى هارون هذا الحديث على خلاف ما رواه موسى بن إسماعيل، فإن كان رواية موسى بن إسماعيل عن حماد على الوجه الأول، فرواية هارون على الوجه الثاني، وإن كان رواية موسى بن إسماعيل على الوجه الثاني، فرواية هارون على الوجه الأول.
1332 -
(حدثنا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن إسماعيل ابن أمية، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم) أي أصحابه (يجهرون بالقراءة (3)، فكشف الستر وقال: ألا) حرف تنبيه (إن كلكم مناجٍ ربه، فلا يوذين بعضكم بعضًا) أي برفع صوته (ولا يرفع بعضكم على بعض) صوته (في القراءة) أي قراءة القرآن (أو) للشك من الراوي (قال: في الصلاة) والشاك راوٍ من رواة السند، وفي رواية البيهقي:"في القراءة في الصلاة" بدون لفظ أو للشك.
(1) في نسخة: "يناجي".
(2)
سورة آل عمران: الآية 146.
(3)
وفي "الإحياء"(1/ 278): من رواية أبي داود وغيره عن البياضي في الصلاة بعد المغرب. (ش).