الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(290) بَابُ صَلَاةِ الطَّالِبِ
1249 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عن مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عن ابْنِ عَبْدِ الله بْنِ أُنيْسٍ،
===
(290)
(بَابُ صَلَاةِ الطَّالِبِ)
وهو الذي يكون في طلب العدو سائرًا خلفه ليقتله، قال الحافظ (1): قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته يومئ إيماء، وإن كان طالبًا نزل فصلَّى على الأرض، قال الشافعي: إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك، وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب، ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة لتحقق السبب المقتضي لها، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه، وإنما يخاف أن يفوته العدو، انتهى.
قلت: ومذهب الحنفية في ذلك ما قال صاحب "البدائع"(2): ولو صلَّى راكبًا، والدابة سائرة، فإن كان مطلوبًا فلا بأس به، لأن السير فعل الدابة في الحقيقة، وإنما يضاف إليه من حيث المعنى لتسييره، فإذا جاء العذر انقطعت الإضافة إليه، بخلاف ما إذا صلى ماشيًا (3) أو سابحًا حيث لا يجوز، لأن ذلك فعله حقيقة، فلا يتحمل إلَّا إذا كان في معنى مورد النص، وليس ذلك في معناه على ما مر، وإن كان الراكب طالبًا فلا يجوز، لأنه لا خوف في حقه فيمكنه النزول، انتهى.
1249 -
(حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو) بن سخبرة، (نا عبد الوارث، نا محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن ابن عبد الله بن أنيس) لم يسم
(1)"فتح الباري"(2/ 436).
(2)
"بدائع الصنائع"(1/ 559).
(3)
يشكل عليه أن الجصاص في "أحكام القرآن"(2/ 264) أباح للمطلوب الصلاة ماشيًا. (ش).
عن أَبِيهِ قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ-
===
ابن عبد الله بن أنيس هذا ، ولعبد الله هذا خمس بنين: ضمرة، وعطية، وعبد الله، وعمرو، وعيسى، ولم أقف في هذا الحديث على أن المراد عن ابن عبد الله بن أنيس من هو منهم؟ ولم يصرح أحد من الأعلام به إلا ما حكى صاحب "العون" (1) عن المنذري: أنه عبد الله بن عبد الله بن أنيس، ولم أجد ما يستدل به على تعيين هذا، ولم أظفر على الرواية التي استشهد بها المنذري (2).
(عن أبيه) عبد الله بن أنيس (3) مصغرًا الجهني، أبو يحيى المدني، حليف الأنصار، يقال له: الجهني والقضاعي والأنصاري والسلمي بفتحتين، روى عنه أولاده عطية، وضمرة، وعمرو، وعبد الله، شهد العقبة وأحدًا، وما بعدهما، وهو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن نبيح العنزي فقتله، وأما علي بن المديني، فقال: الأنصاري غير الجهني، فإن الأنصاري هو الذي روى عنه جابر في القصاص، والجهني هو الذي روى عنه أولاده، ولكن قال العسكري: عبد الله بن أنيس بن السكن، يقال له: الجهني الأنصاري، وكذا قال ابن أبي حاتم عن أبيه: عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري، وفي "القاموس": ذو المخصرة: عبد الله بن أنيس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مِخْصَرَةً (4)، وقال:"تلقاني بها في الجنة"، وكانت المخصرة عنده إلى وقت وفاته، فلما دنا موته، وصى بها أهله، حتى لَفُّوها في كفنه ودفنوها معه.
(قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي،
(1) انظر: "عون المعبود"(4/ 91).
(2)
قال المنذري (1/ 401): جاء ذلك مُبَيِّنًا من رواية محمد بن سَلَمة الحَرَّاني عن محمد بن إسحاق، قلت: أخرجه بهذا الطريق البيهقي في "سننه"(3/ 256)، ولكن تحرف في المطبوع إلى: عبيد الله بن عبد الله بن أنيس.
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 554) رقم (2824)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 150).
(4)
مخصرة: ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه.
وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ - فَقَالَ: "اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ". قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ (1) صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرَ (2) الصَّلَاةَ،
===
وكان نحو عرنة (3) وعرفات) وهما موضعان خارجان من الحرم من مكة على تسعة أميال، وبطن عرنة بعرفات، وليس من الموقف، وعرفات موقف الحجاج للحج (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اذهب فاقتله) أي خالد بن سفيان، وسببه أنه كان يجمع البعوث لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي (قال: فرأيته وقد حضرت صلاة العصر) أي وقتها (فقلت) في نفسي: (إني لأخاف (4) أن يكون بيني وبينه ما) (5) أي شيء من المجادلة (إن) زائدة (أوخر الصلاة) به، وفي نسخة: ما يؤخر، وهو أوضح، لأنه لا يحتاج إلى التقدير، والذي عندي في توجيه إعرابه أن يكون لفظ "ما" بمعنى شيء، اسم ليكون، وخبره بيني وبينه مقدم على اسمه، ولفظة "إن" زائدة، وأوخر الصلاة صفة له، والراجع مقدر، وهو لفظ "به".
حاصل المعنى على هذا أنه يقول: إني أخاف من أن يكون بيني وبينه
(1) وفي نسخة: "وقد حضرت".
(2)
وفي نسخة: "يؤخر الصلاة".
(3)
وفي "تاريخ ابن جرير الطبري": وهو بنخلة أو بعرنة. (ش).
(4)
ولفظ الطبري في "تاريخه": وخشيت أن تكون بيني وبينه مجادلة تشغلني عن الصلاة. (ش).
(5)
ووجهه الوالد (الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي) بثلاث توجيهات أخر، (1)"ما" استفهامية، أي حرج أن أوخرها. (2) نافية، و"أن" للتأكيد لا أوخرها أبدًا، (3) مصدرية و"أن" زائدة، أي يحول بيني وبينه تأخير الصلاة، وقال ابن القيم في "كتاب الصلاة" له: اختلفوا في من أدركته الصلاة، وهو مشغول بالقتال، فقالت الأئمة الثلاثة: يصلي حسب حاله ولا يؤخر الصلاة، وقصة غزوة الخندق منسوخة، وقالت الحنفية: يؤخر لغزو الخندق، وقال قوم بالتخيير ههنا، وهو رواية لأحمد ومذهب جماعة
…
إلخ. (ش).
فَانْطَلَقْتُ أَمْشِى وَأَنَا أُصَلِّى أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ، قَالَ لِى: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، بَلَغَنِى أَنَّكَ تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجِئْتُكَ فِى ذَاكَ (1). قَالَ: إِنِّى لَفِى ذَاكَ (2). فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِى عَلَوْتُهُ بِسَيْفِى حَتَّى بَرَدَ". [حم 3/ 496، حب 7116، خزيمة 982، ق 3/ 256]
===
القتال، فيطول الزمان فيكون سببًا لتأخر الصلاة، أو لفوت الصلاة، فلذلك صليت بالإيماء قبل أن أحمل عليه.
(فانطلقت أمشي (3)، وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه) أي نحو خالد متعلق بأمشي، (فلما دنوت منه قال) خالد بن سفيان (لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني أنك نجمع) أي المجموع (لهذا الرجل) وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام ليخفى عليه أنه من أصحابه (فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك) أي مشغول في جمع البعوث (فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني) أي أقدرني، كأنه غفل عنه وأمن، وحصل له القدرة (علوته بسيفي) فقتلته (حتى برد).
قال الحافظ في "الفتح"(4): وإسناده حسن، وقد أخرجه الإِمام أحمد في
(1) وفي نسخة: "ذلك".
(2)
وفي نسخة: "ذلك".
(3)
قال ابن قدامة في "المغني"(2/ 99): الماشي في السفر، فظاهر كلام الخرقي أنه لا يباح له الصلاة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإنه قال: لا أعلم أحدًا قال في الماشي يصلي إلَّا عطاء، ولا يعجبني أن يصلي، وهذا مذهب أبي حنيفة، والرواية الثانية: أن يصلي ماشيًا، فعليه أن يستقبل القبلة لافتتاح الصلاة، ثم ينحرف إلى جهة سيره، فيقرأ ماشيًا ويركع ويسجد على الأرض، وهذا مذهب الشافعي، وعطاء، قال الآمدي: يومئ بالركوع والسجود
…
إلخ.
قلت: وظاهر هذا في الخوف وغيره عام، كما يظهر من تمام كلامه في هذا، لكن نص في موضع آخر: أنه يجوز في شدة الخوف الصلاة راكبًا وماشيًا مع الكر والفر يومئ بالركوع والسجود. (ش).
(4)
"فتح الباري"(2/ 437).