الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(237) بَابُ الكَلَامِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ
1112 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قُلْتَ: أَنْصِتْ،
===
حال الخطبة، لأنه مكروه في الخطبة للاشتغال بغيرها، والإقبال على سواها، وتكون الحبوة التي كانوا يفعلونها حبوة كانوا يستعملونها قبل الخطبة، فيخطب الإِمام وهم فيها حتى يفرغ منها وهم عليها، ويكون ما نهاهم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ذلك ما كانوا يستأنفونه، وإمامهم يخطب، فيكونون بذلك متشاغلين عن الإقبال على ما أمروا بالإقبال عليه، انتهى.
(237)
(بَابُ الكَلَامِ وَالإمَامُ يَخْطُبُ)
1112 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري، (عن سعيد) بن المسيب، (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت) أي لصاحبك كما في رواية "البخاري" والمراد منه الجليس المتكلم في المسجد عند الخطبة (أنصت)(1) أمر من أنصت ينصت إنصاتًا، وقال في "المنتهى": نصت ينصت إذا سكت، وأنصت لغتان، أي: استمع، يقال: أنصته وأنصت له، وينشد:
إذا قالت حذام فأنصتوها
ويروى: فصدقوها، وفي "المحكم": أنصت أعلى، والنصتة الاسم من الإنصات، وفي "الجامع": والرجل ناصت ومنصت، وفي "المجمل" و"المغرب": الإنصاف السكوت للاستماع، وأنشد الراغب في المجالسات:
السمع للعين والإنصات للأذن
(1) وإذا لم يجز التكلم بالأمر بالمعروف، فغيره بالأولى، وبه قال الجمهور، واستثنى الشافعي في الجديد رد السلام والتشميت، كذا في "الزرقاني"(1/ 215)، والبسط في "الأوجز"(2/ 396). (ش).
وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ". [خ 934، م 851، ت 512، ن 1401، جه 1110، ق 3/ 219، حم 2/ 272]
===
وقد مر عن قريب "باب الاستماع إلى الخطبة"، وقد ذكرنا هناك أن الاستماع هو الإصغاء، ويعلم الفرق بين الاستماع والإنصات مما ذكرنا الآن، فلذلك ذكر البخاري ترجمة للاستماع، وترجمة للإنصات، قاله العيني في شرح "البخاري"(1).
(والإمام يخطب) جملة حالية (فقد لغوت) قال العيني: اللغو واللغاء: السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره، ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع، واللغو في الأيمان: لا والله، بلى والله، وقيل: معناه الإثم، ولغا في القول يلغو ويلغى لغوًا وملغاة: أخطأ، ولغا يلغو لغوًا: تكلم، ذكره ابن سيده، وفي "الجامع": اللغو: الباطل، تقول: لغيت ألغي لغيًا ولغىً بمعنى، ولغا الطائر يلغو لغوًا: إذا صوت.
وفي "التهذيب": لغوت اللغو وألغى ولغى، ثلاث لغات، واللغو: كل ما لا يجوز، وقال الأخفش: اللغو الساقط من القول، وقيل: الميل عن الصواب، وقال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل: بطلت فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتك ظهرًا، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي، انتهى.
قال الشوكاني (2): فيه دليل على اختصاص النهي بحال الخطبة، ورَدٌّ على من أوجب الإنصات من خروج الإِمام، وكذلك قوله:"يوم الجمعة" ظاهره أن الإنصات في خطبة غير يوم الجمعة لا يجب.
قلت: وهذا إشارة إلى الرد على الحنفية حيث أنهم أوجبوا الإنصات بخروج الإِمام على قول أبي حنيفة رحمه الله قال في "البدائع"(3): فأما عند
(1) انظر: "عمدة القاري"(5/ 112).
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 556).
(3)
"بدائع الصنائع"(1/ 594).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الأذان الأخير حين خرج الإِمام إلى الخطبة وبعد الفراغ من الخطبة حين أخذ المؤذن في الإقامة إلى أن يفرغ، هل يكره ما يكره في حال الخطبة؟ على قول أبي حنيفة يكره، وعلى قولهما لا يكره الكلام، وتكره الصلاة، واحتجا بما روي في الحديث:"خروج الإِمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام"(1)، جعل قاطع الكلام هو الخطبة، فلا يكره قبل وجودها، ولأن النهي عن الكلام لوجوب استماع الخطبة، وإنما يجب حالة الخطبة، بخلاف الصلاة لأنها تمتد غالبًا فيفوت الاستماع وتكبيرة الافتتاح.
ولأبي حنيفة ما روي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا عليهما ومرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا خرج الإِمام فلا صلاة ولا كلام"، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد، يكتبون الناس الأول فالأول، فإذا خرج الإِمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر"(2)، فقد أخبر عن طي الصحف عند خروج الإِمام، وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام، لأنهم إذا تكلموا يكتبونه عليهم لقوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (3)، ولأنه إذا خرج للخطبة كان مستعدًا لها، والمستعد للشيء كالشارع فيه، ولهذا ألحق الاستعداد بالشروع في كراهة الصلاة، فكذا في كراهة الكلام، وأما الحديث فليس فيه أن غير الكلام يقطع الكلام، فكان تمسكًا بالسكوت وأنه لا يصح، انتهى.
قال الزيلعي في "نصب الراية"(4): الحديث الخامس قال عليه السلام: "إذا خرج الإِمام فلا صلاة ولا كلام"، قلت: غريب مرفوعًا، قال البيهقي:
(1) أخرجه مالك في "الموطأ" عن الزهري (1/ 103)، ورواه الشافعي من وجه آخر عنه انظر:"نصب الراية"(1/ 202)، و"التلخيص الحبير"(2/ 78).
(2)
أخرجه البخاري (929)، ومسلم (850)، وأبو داود (351)، والترمذي (499).
(3)
سورة ق: الآية 18.
(4)
"نصب الراية"(2/ 201).
1113 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ:
===
رفعه وهم فاحش، إنما هو من كلام الزهري، انتهى، ورواه مالك في "الموطأ" (1) عن الزهري قال: خروجه يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام، وعن مالك رواه محمد بن الحسن في "موطئه" وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2) عن علي وابن عباس وابن عمر أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإِمام، وأخرج عن عروة قال: إذا قعد الإِمام على المنبر فلا صلاة، وهكذا قال الحافظ في "الدراية"(3).
وقال مولانا عبد الحي في حاشيته على "موطأ محمد"(4) في شرح قول الزهري: خروجه يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام: قال أبو عمر: هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي، وأنه سنَّة احتج بها ابن شهاب، لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده، وأنه عمل مستفيض في زمن عمر وغيره.
قلت: ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن علي وابن عباس وابن عمر من كراهة الكلام بعد خروج الإِمام، فإنها أمر لا يقال برأي، بل لا بد أن يكون مستنده من سنَّة.
1113 -
(حدثنا مسدد وأبو كامل) فضيل بن حسين (قالا: نا يزيد) بن زريع، (عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب، (عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحضر الجمعة ثلاثة نفر) والمراد به
(1) انظر: "أوجز المسالك"(2/ 405).
(2)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 124).
(3)
"الدراية"(1/ 217).
(4)
انظر: "التعليق الممجد على موطأ محمد"(1/ 603).
رَجُلٌ (1) حَضَرَهَا يَلْغُو (2) ، وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو (3) ، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عز وجل إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، فَهِىَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِى تَلِيهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (4). [حم 2/ 214، خزيمة 1813، ق 3/ 219]
===
الأنواع (رجل حضرها) أي الجمعة (يلغو) أي يعبث ويتكلم بما لا يعنيه (وهو) أي اللغو (حظه منها) أي من الجمعة يعني ليس له نصيب من الصلاة والخطبة.
(ورجل حضرها) أي الجمعة (يدعو، فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه) والحاصل أن هذا النوع من الرجال حضر الخطبة، فسكت فيها، ولم يتكلم بما لا يعنيه، ولكن اشتغل في الدعاء، ولم يلتفت إلى الخطبة، فهذا الدعاء حظه، إن شاء الله أعطاه، وإن شاء منعه، وهو محروم عن ثواب استماع الخطبة الذي هو متيقن.
(ورجل حضرها بإنصات) أي استماع للخطبة (وسكوت) عن اللغو (ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدًا) بإيذاء آخر غير تخطي رقبة (فهي) أي الجمعة (كفارة) له (إلى الجمعة التي تليها) أي تلحقها (وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله تعالى عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}).
وهذا الحديث أيضًا يدل على وجوب ترك الكلام، ولكن غير مقيد بحالة الخطبة، ويمكن أن يقال: إن المراد بالإنصات الاستماع، وليس الاستماع إلَّا في الخطبة، فلهذا يناسب هذا الحديث الباب.
(1) وفي نسخة: "فرجل".
(2)
وفي نسخة: "بلغو".
(3)
وفي نسخة: "يدعو فيها".
(4)
سورة الأنعام: الآية 160.