الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْرِيْعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ
(271) بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
1198 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:"فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِى الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِى صَلَاةِ الْحَضَرِ". [خ 350، م 685، ن 453، ق 3/ 145]
===
(تَفْريعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ)
(271)
(بَابُ صَلَاةِ المُسَافِرِ)
1198 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت (1) صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) (2)، استشكل هذا الحديث بوجهين، أولهما: أنه مخالف لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (3)، فإن الآية تدل على أن صلاة السفر قصرت، والحديث يدل على أنها لم تقصر.
والوجه الثاني: أنه مخالف لفعل عائشة، فإنه روي عنها أنها تتم، أخرج البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر، قال الزهري: فقلت لعروة: فما بال عائشة تتم، قال: تأولت ما تأول عثمان (4).
(1) حجة للحنفية كما سيأتي. (ش).
(2)
12 ربيع الثاني سنة 1 هـ يوم الثلاثاء، كما في "الوقائع"، وبسط ابن العربي الكلام على الحديث ووجوه إتمام عثمان. (انظر:"عارضة الأحوذي"(3/ 14 - 15). (ش).
(3)
سورة النساء: الآية 101.
(4)
أخرجه البخاري (1090).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والجواب عن الأول، أولًا: أن الآية نزلت في صلاة الخوف لا في صلاة السفر، كما هو رأي بعض العلماء، ويشير إليه أقوال بعض الصحابة.
وأما ثانيًا: فلو سلم أنها نزلت في صلاة السفر غير معارض له أيضًا، فإن معنى الحديث أن الصلاة فرضت في أول ما فرضت ركعتين ركعتين في السفر والحضر إلَّا المغرب، فإنها وتر النهار، ثم زيدت في الحضر، أي لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فرضت الصلاة رباعية إلَّا في الفجر، فإنها لطول القراءة فيها أقرت على الركعتين، ثم نزلت (1) آية القصر بقوله:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} فإطلاق (2) القصر عليه بما كان زيد فيها لا باعتبار أصل الصلاة، فإنه يدل على أن إطلاق القصر عليه باعتبار ما زيد فيه في الحضر لا باعتبار مطلق الصلاة، فإنه كان زيد فيه بإطلاق اللفظ لا بخصوصية الحضر، وكان في علم الله مخصوصة بالحضر، فأطلق القصر عليه باعتبار إطلاق ظاهر اللفظ.
قال الحافظ في "الفتح"(3): والذي يظهر لي- وبه تجتمع الأدلة السابقة- أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلَّا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلَّا الصبح، كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي (4) من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر
(1) في سنة رابعة، كذا في "التلقيح"(ص 39). (ش).
(2)
ولم يرض به الشامي، وقال: هذا عند الشافعي، وأما عندنا فالمراد بالقصر في الآية قصر الهيئة في الخوف. (انظر:"رد المحتار" 2/ 727). (ش).
(3)
وبنحوه جزم ابن القيم في "الهدي"(1/ 467)، إذ قال: وشرع لهم مع القبلة الأذان، وزاد في الظهر والعشاء ركعتين بعد أن كانت ثنائية، انتهى، وظاهر كلام ابن العربي يدل على أنه زيد في الإسراء، فتأمل "عارضة الأحوذي"(3/ 14). (ش).
(4)
انظر: "صحيح ابن خزيمة"(305)، و"صحيح ابن حبان"(2738)، و"السنن الكبرى"(1/ 363).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، انتهى.
ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة، وهي قوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} انتهى (1).
أو يقال: إن المراد بقول عائشة: "فأقرت صلاة السفر" باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف، لا أنها استمرت منذ فرضت.
وأما ثالثًا: فلأنا لا نسلم أن المراد من القصر في الآية تقليل عدد الركعات، بل المراد القصر في كيفيتها كتخفيف أركان الصلاة من القيام والقراءة والركوع والسجود.
والجواب عن الثاني (2) أن الجواب مذكور في الحديث الذي رواه البخاري (3) وهو قول عروة: "تأولت ما تأول عثمان"، فهذا يدل على أن أصل الفرض في السفر ركعتان عندها أيضًا، ولكنها أتمت صلاتها بالتأويل كما أتم (4) عثمان رضي الله عنه صلاته بالتأويل.
ثم قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب أم رخصة والتمام أفضل؟ فذهب إلى الأول الحنفية، وروي عن علي وعمر، ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم، قال الخطابي في "المعالم" (5): كان مذهب أكثر علماء السلف
(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 464).
(2)
وحكى ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أن حديث إتمامها كذب. (انظر: "زاد المعاد" (1/ 464). (ش).
(3)
انظر: "صحيح البخاري"(1090).
(4)
وسيأتي الكلام على تأويله في "باب الصلاة بمنى" من "كتاب الحج". (ش).
(5)
"معالم السنن"(1/ 260).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر، وهو قول علي وعمر وابن عمر وابن عباس، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن، وقال حماد بن أبي سليمان: يعيد من يصلي في السفر أربعًا، وقال مالك: يعيد ما دام في الوقت.
وإلى الثاني الشافعي ومالك وأحمد، قال النووي (1): وأكثر العلماء، وروي عن عائشة وعثمان وابن عباس، قال ابن المنذر: قد أجمعوا على أنه لا يقصر في الصبح ولا في المغرب، قال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وذهب بعض السلف (2) إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة، وعن بعضهم كونه سفر طاعة.
احتج القائلون بوجوب القصر بحجج: الأولى: ملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر في جميع أسفاره، كما في حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم (3)، قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الرباعية في السفر البتة.
والثانية: ما رواه الجماعة إلَّا البخاري عن يعلي بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:"صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته"(4) ، لأنه أمر بالقبول، فلا يبقى له خيار الرد شرعًا، إذ الأمر للوجوب، وجواز الإتمام رد لها
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 216 - 217).
(2)
ونسبه الرازي في "تفسيره" إلى داود وأصحاب الظواهر. (ش).
(3)
انظر: "صحيح البخاري"(1102)، و"صحيح مسلم"(689).
(4)
أخرجه مسلم (686)، والنسائي (1433)، وأبو داود (1199)، والترمذي (3034)، وأحمد في "مسنده"(1/ 25)، وابن ماجه (1065).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
على أن التصدق من الله تعالى فيما لا يحتمل التمليك يكون عبارة عن الإسقاط، كالعفو من الله تعالى، فلا يحتمل اختيار القبول وعدمه.
والحجة الثالثة: حديث عائشة هذا، ووجه الاستدلال به أن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين، لم تجز الزيادة عليها، كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر.
الحجة الرابعة: ما في "صحيح مسلم"(1) عن ابن عباس أنه قال: "إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعًا"، فهذا الصحابي الجليل قد حكى عن الله عز وجل أنه فرض صلاة السفر ركعتين، وهو أتقى لله وأخشى من أن يحكى إن الله فرض ذلك بغير برهان.
والحجة الخامسة: حديث عمر عند النسائي (2) وغيره "صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم"، وهو يدل على أن صلاة السفر مفروضة كذلك من أول الأمر، وأنها لم تكن أربعًا ثم قصرت، وقوله:"على لسان محمد صلى الله عليه وسلم" تصريح بثبوت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم.
والحجة السادسة: حديث ابن عمر عند النسائي (3) قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا، ونحن ضُلَّالٌ، فعلمنا فكان فيما علمنا أن الله عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر"، والأمر للوجوب فوجب في السفر ركعتان.
الحجة السابعة: إنكار عبد الله بن مسعود وجماعة من الصحابة على عثمان -رضي الله تعالى عنه - بأنه كان يتم حتى احتاج إلى تأويل القصر،
(1)"صحيح مسلم"(687).
(2)
"سنن النسائي"(1566).
(3)
"سنن النسائي"(457).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فهذا يدل على أن القصر كان واجبًا عندهم، وإلَّا فلو كان القصر مباحًا لما أنكروا عليه، ولما احتاج عثمان عن الإنكار إلى الاعتذار بالتأويلات، وبهذا ثبت وجوب القصر بإجماع الصحابة من غير خلاف أحد.
قال الحافظ في "الفتح"(1): واحتج الشافعي على عدم وجوب القصر بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلَّى أربعًا باتفاقهم، ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم، وأجاب عنه العيني (2) فقال: والجواب عن هذا: أن صلاة المسافر كان أربعًا عند اقتدائه بالمقيم لالتزامه المتابعة فيتغير فرضه للتبعية.
وقال في "الهداية"(3): وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت أتم أربعًا، لأنه يتغير فرضه إلى أربع للتبعية، كما يتغير بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت، واستدل على عدم وجوب القصر بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان:"فأَفْطَرَ وصُمْتُ، وقَصَرَ وأَتْمَمْتُ، فقلت: بأبي وأمي أَفْطَرْتَ وصُمتُ، وقَصَرْتَ وأَتْمَمْتُ، فقال: أحسنتِ يا عائشة"، رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد حسن.
وعن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم" رواه الدارقطني، وقال: إسناد صحيح (4).
قال الشوكاني (5): الحديث الأول أخرجه أيضًا النسائي والبيهقي (6) بزيادة، ثم قال: واعترض عليه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد
(1)"فتح الباري"(2/ 565).
(2)
"عمدة القاري"(5/ 381).
(3)
"الهداية"(1/ 81).
(4)
انظر: "سنن الدارقطني"(2/ 187 - 188).
(5)
انظر: "نيل الأوطار"(2/ 474).
(6)
انظر: "سنن النسائي"(1456)، و"السنن الكبرى"(3/ 141).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
المقدسي في كلام له على هذا الحديث فقال: وهم في هذا في غير موضع، وذكر أحاديث في الرد عليه، وقال ابن حزم: هذا حديث لا خير فيه، وطعن فيه، ورد عليه ابن النحوي، قال في "الهدي" (1) بعد ذكر هذا الحديث: وسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هذا حديث كذب على عائشة إلى آخر ما قال.
والحديث الثاني صحح إسناده الدارقطني، كما ذكره المصنف، قال في "التلخيص" (2): وقد استنكره أحمد، وصحته بعيدة، فإن عائشة كانت تتم، قال في "الهدي" (3) بعد ذكر هذا الحديث: وسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وقد روي "كان يَقْصُرُ وتُتِمُّ" الأول بالياء آخر الحروف، والثاني بالتاء المثناة من فوق، وكذا "يفطر وتصوم" وكذا ضبط الحافظ في "التلخيص" لفظ "تتم وتصوم" في هذا الحديث بالمثناة من فوق، ثم قال: استدل بحديثي الباب القائلون بأن القصر رخصة، ويجاب عنهم بأن الحديث الثاني لا حجة فيه لهم لما تقدم من أن لفظ "تتم وتصوم" بالفوقانية، لأن فعلها - على فرض عدم معارضته لقوله وفعله صلى الله عليه وسلم لا حجة فيه، فكيف إذا كان معارضًا للثابت عنه من طريقها وطريق غيرها من الصحابة؟
وأما الحديث الأول فلو كان صحيحًا لكان حجة لقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب عنها: "أحسنت"، لكنه لا ينتهض لمعارضة ما في "الصحيحين" وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة، وهذا بعد تسليم أنه حسن- كما قال الدارقطني- فكيف وقد طعن فيه بتلك المطاعن المتقدمة، فإنها بمجردها توجب سقوط الاستدلال به عند عدم المعارض، انتهى ملتقطًا من "النيل"(4).
(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (1/ 465).
(2)
"التلخيص الحبير"(2/ 112).
(3)
انظر: "زاد المعاد"(1/ 464).
(4)
انظر: "نيل الأوطار"(2/ 474 - 475).
1199 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. (ح): وَحَدَّثَنَا خُشَيْشٌ - يَعْنِى ابْنَ أَصْرَمَ -، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَرَأَيْتَ إِقْصَارَ النَّاسِ الصَّلَاةَ (1)! وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه عز وجل: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (2)، فَقَدَ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ (3): عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "صَدَقَةٌ
===
1199 -
(حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: نا يحيى) القطان، (عن ابن جريج، ح: وحدثنا خشيش) بمعجمات مصغرًا (يعني ابن أصرم) الأسود (4)، أبو عاصم، النسائي، ثقة، (نا عبد الرزاق، عن ابن جريج، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار) المكي القرشي، حليف بني (5) جمح، كان يلقب بالقس، كان ينزل مكة، وكان من عبادها، فسمي القس لعبادته.
(عن عبد الله بن بابيه) ويقال: باباه، ويقال: بابي، المكي، مولى آل حجير بن أبي إهاب، ويقال: مولى يعلي بن أمية، ثقة، (عن يعلي بن أمية) بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث التميمي، حليف قريش، وهو يعلي بن منية بضم الميم وسكون النون، وهي أمه، ويقال: جدته، صحابي مشهور.
(قال) يعلى: (قلت لعمر بن الخطاب: أرأيت إقصار الناس الصلاة، وإنما قال الله عز وجل: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد ذهب) أي زال (ذلك) الخوف (اليوم، فقال) أي عمر: (عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدقة) أي هذا القصر صدقة من الله
(1) زاد في نسخة: "اليوم".
(2)
سورة النساء: الآية 101.
(3)
وفي نسخة: "فقال عمر".
(4)
كذا في الأصل، والصواب: ابن الأسود.
(5)
وفي الأصل: "حليف بن جمح" وهو تحريف.
تَصَدَّقَ اللَّه عز وجل بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". [م 686، ن 1433، ت 3034، حم 1/ 25، جه 1065]
1200 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى عَمَّارٍ يُحَدِّثُ، فَذَكَرَهُ (1). [انظر تخريج الحديث السابق]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدةَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ بَكْرٍ.
===
تعالى (تصدق الله عز وجل بها عليكم، فاقبلوا صدقته) وهذا الحديث يدل على أن القصر في السفر واجب.
1200 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا: أنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي عمار يحدث، فذكره) أي الحديث المتقدم.
والغرض بإيراد هذا السند بيان الاختلاف في سنده بأن يحيى القطان حدث (2) عن ابن جريج قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه، فرويا عن عبد الله بن بابيه بواسطة ابنه عبد الرحمن، وروى عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي عمار، فرويا عن عبد الله بن أبي عمار بلا واسطة ابنه.
(قال أبو داود: رواه أبو عاصم وحماد بن مسعدة كما رواه ابن بكر)، وهذا ترجيح لرواية ابن بكر، لأن أبا عاصم وحماد بن مسعدة رويا كما روى محمد بن بكر، فحصل له زيادة القوة.
قلت: ورواه روح بن عبادة عن ابن جريج كما رواه يحيى، أخرج الطحاوي (3): حدثنا أبو بكرة، ثنا روح بن عبادة، ثنا ابن جريج سمعت
(1) وفي نسخة: "فذكر نحوه".
(2)
كذا في الأصل، والظاهر: بأن يحيى القطان وعبد الرزاق حدثنا
…
إلخ.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 415).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار يحدث عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن منية قال: قلت لعمر بن الخطاب، الحديث.
ورواه ابن إدريس عن ابن جريج عن ابن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عند مسلم والنسائي وابن ماجه، وكذلك الدارمي (1) عن أبي عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي عمار، وابن أبي عمار هو عبد الرحمن بن عبد الله، صرح به في "الخلاصة" و"التقريب" و"التهذيب" فلا ترجيح لرواية محمد بن بكر.
وقد قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة عبد الله بن أبي عمار: يروي في أبي داود عن عبد الله بن بابيه عن يعلي بن أمية في قصر الصلاة، وعنه عبد الملك بن جريج فيما قاله محمد بن بكر وغيره عنه، وقال غير واحد: عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وهو المحفوظ، وقال في "التقريب": عبد الله بن أبي عمار، صوابه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار.
قلت: ولم أجد رواية محمد بن بكر في "المسند" فلعله لم يخرج الإِمام أحمد عن محمد بن بكر في "المسند"، ورواه عند التحديث، وكذا لم أجد رواية حماد بن مسعدة، وكذا لم أجد رواية أبي عاصم عن ابن جريج عن عبد الله، بل أخرج الدارمي حديث أبي عاصم عن ابن أبي عمار، وابن أبي عمار هو عبد الرحمن كما تقدم.
والذي عندي أنه لا حاجة فيه إلى الترجيح، وقد أخرج بالطريقين الثقات العدول، وصرح أبو داود في رواية عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج بسماعه عن عبد الله بن أبي عمار، وصرح بعض المحدثين بسماعه من عبد الرحمن، فالأولى أن يحمل أن ابن جريج سمع منهما، وروى عنهما كما سمع، فلا معنى لتخطئته، ولا لحمله على كونه غير محفوظة.
(1)"سنن الدارمي"(1505).