الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1205 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ (1) شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى حَمْزَةُ الْعَايذِىُّ - رَجُلٌ مِنْ بَنِى ضَبَّةَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ مَنْزِلاً لَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى يُصَلِّىَ الظُّهْرَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ". [ن 498، حم 3/ 120، خزيمة 975]
(275) بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتينِ
===
1205 -
(حدثنا مسدد، نا يحيى) القطان، (عن شعبة، حدثني حمزة العايذي- رجل من بني ضبة-) هو حمزة بن عمرو العايذي بالتحتانية ومعجمة، أبو عمرو، الضبي، البصري، صدوق، وقال ابن حبان في "الثقات": وهم من ضبطه بالجيم والراء (قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلًا لم يرتحل) أي إذا دخل وقت الظهر (حتى يصلي الظهر، فقال له رجل: إن) وصلية (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أداء الصلاة (بنصف النهار؟ ) أي قبل زوال الشمس (قال) أنس:(وإن كان بنصف النهار) أي فيما يبدو للناظر، أو في ظننا.
وهذه المسألة مجمع عليها، لأنَّ صلاة الظهر لا يجوز أداؤها قبل زوال الشمس إلَّا صلاة الجمعة والنوافل في يومها، فإنها تجوز عند بعض الأئمة قبل زوال الشمس، وكذلك النوافل عند أبي يوسف، قال في "شرح المنية": وروي عن أبي يوسف، وهي الرواية المشهورة عنه: أنه جوز التطوع وقت الزوال يوم الجمعة، أي من غير كراهة.
(275)
(بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ)(2)، أي للمسافر
قال العيني (3): النوع الثاني في بيان مذاهب الأئمة في هذا الباب،
(1) وفي نسخة: "ثنا".
(2)
حاصل ما قال ابن العربي: قال أبو حنيفة: بدعة، قلنا: ثابت. (انظر: "عارضة الأحوذي" (3/ 29). (ش).
(3)
انظر: "عمدة القاري"(5/ 419 - 420).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فذهب قوم إلى ظاهر هذه الأحاديث، وأجازوا الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر في وقت أحدهما، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال ابن بطال: قال الجمهور: يجوز له الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء مطلقًا.
وقال شيخنا زين الدين: وفي المسألة ستة أقوال، أحدها: جواز الجمع مثل ما قاله ابن بطال، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأسامة بن زيد، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى، وابن عمر، وابن عباس، وبه قال جماعة من التابعين، منهم عطاء بن أبي رباح، وطاووس، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وربيعة الرأي، وأبو الزناد، ومحمد بن المنكدر، وصفوان بن سليم، وبه قال جماعة من الأئمة، منهم سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، ومن المالكية أشهب، وحكاه ابن قدامة عن مالك أيضًا، والمشهور عن مالك: تخصيص الجمع بجد السير.
والقول الثاني: إنما يجوز الجمع إذا جد به السير، روي ذلك عن أسامة بن زيد وابن عمر، وهو قول مالك في المشهور عنه.
والقول الثالث: إنه يجوز إذا أراد قطع الطريق، وهو قول ابن حبيب من المالكية، وقال ابن العربي: أما قول ابن حبيب فهو قول الشافعي، لأن السفر نفسه إنما هو لقطع الطريق.
والقول الرابع: إن الجمع مكروه، قال ابن العربي: إنها رواية المصريين عن مالك.
والقول الخامس: إنه يجوز جمع تأخير لا جمع تقديم، وهو اختيار ابن حزم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والقول السادس: إنه لا يجوز مطلقًا بسبب السفر، وإنما يجوز بعرفة والمزدلفة، وهو قول الحسن وابن سيرين وإبراهيم النخعي والأسود وأبي حنيفة وأصحابه، وهو رواية ابن القاسم عن مالك، واختاره.
وفي "التلويح": وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منع الجمع في غير هذين المكانين، وهو قول ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص فيما ذكره ابن شداد في كتابه "دلائل الأحكام"، وابن عمر في رواية أبي داود، وابن سيرين، وجابر بن زيد، ومكحول، وعمرو بن دينار، والثوري، وأسود وأصحابه، وعمر بن عبد العزيز، وسالم، والليث بن سعد.
قال صاحب "التلويح": وأما قول النووي: إن أبا يوسف ومحمدًا خالفا شيخهما، وإن قولهما كقول الشافعي وأحمد، فقد رده عليه صاحب "الغاية في شرح الهداية" بأن هذا لا أصل له عنهما، قلت: الأمر كما قاله، وأصحابنا أعلم بحال أئمتنا الثلاثة - رحمهم الله تعالى-.
واستدل الذين قالوا بجواز الجمع بظواهر الأحاديث التي فيها ذكر الجمع بين الصلاتين في السفر، فروي الجمع بين الصلاتين عن علي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وجابر، وخزيمة بن ثابت، وابن مسعود، وأبي أيوب، وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهم-.
واستدل الحنفية على عدم جواز الجمع حقيقة في غير عرفات والمزدلفة بقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} (1)، أي: أدوها في أوقاتها، وبقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2) أي لها وقت معين، له ابتداء لا يجوز المتقدم عليه، وانتهاء لا يجوز التأخر عنه.
(1) سورة البقرة: الآية 238.
(2)
سورة النساء: الآية 103.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وحملوا الروايات التي فيها الجمع في السفر على الجمع الصوري، لأنه صلى الله عليه وسلم صلَّى أول الصلاة في آخر وقتها، وثانيتها في أول وقتها لئلا يعارض خبر الواحد الآية القطعية، والأحاديث الصحيحة تؤيد ذلك الحمل على الجمع الصوري، فإنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما بطرق مختلفة:"صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر في المدينة في غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا لم فعل ذلك؟ قال: سألت ابن عباس كما سألتني، قال: أراد أن لا يُحرِجَ أحدًا من أمته"، أخرجه مسلم.
وفي أخرى عنه عند مسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال سعيد: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يُحرِجَ أمته".
وفي رواية عنه عند مسلم وفيها: "في غير خوف ولا مطر"، وفي رواية عنه:"قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا، قلت: يا أبا الشعثاء! أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه ذلك"(1).
وقد قال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلَّا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وفي رواية: ولا سفر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة (2)، ومعنى قول الترمذي: أجمعت الأمة على ترك العمل به، أي من غير تأويل، وإلَّا فالحنفية عملوا بها بتأويل الجمع الصوري.
وقد روى البيهقي عن أبي العالية عن عمران "الجمع من غير عذر من الكبائر"، وأعله البيهقي بالإرسال، قال: أبو العالية لم يسمع من عمر، ورد
(1) انظر: "صحيح مسلم"(705 - 706).
(2)
انظر: "علل الترمذي"(ص 1).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عليه صاحب "الجوهر النقي"، فقال: أبو العالية أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر (1).
وقد حكى مسلم الإجماع على أنه يكفي لاتصال الإسناد المعنعن ثبوت كون الشخصين في عصر واحد، ويؤيده ما روى الترمذي (2) بسنده عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر"، وقد ضعف الترمذي وغيره حنشًا.
ثم قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلَّا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد، وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.
وقد أطال الشوكاني (3) الكلام في حديث ابن عباس في حمله على الجمع الصوري، وقال: وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقًا بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقًا وعادة، قال في "الفتح" (4): وممن قال به ابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز.
(1) انظر: "السنن الكبرى"(2/ 169).
(2)
(انظر: "سنن الترمذي" رقم الحديث: 188).
قال المنذري في "الترغيب"(1/ 218) رقم (836): ورواه الحاكم، وقال: حنش ثقة، وقال الحافظ: بل واه بمرة
…
إلخ، وفي "التعقبات" (ص 12): قال الترمذي: عليه أهل العلم، وأشار غير واحد بأن من صحة الحديث العمل به
…
إلخ. (ش).
(3)
انظر: "نيل الأوطار"(2/ 490).
(4)
"فتح الباري"(2/ 24).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأجاب الجمهور من حديث الباب بأجوبة:
منها: أن الجمع المذكور كان للمرض وقواه النووي، قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلَّى معه إلَّا من له نحو ذلك العذر.
ومنها: أنه كان في غير، فصلَّى الظهر، ثم انكشف الغيم، فبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها، قال النووي (1): وهو باطل.
ومنها: أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها، قال النووي: وهذا احتمال ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، قال الحافظ: وهذا الذي ضعفه قد استحسنه القرطبي، ورجحه إمام الحرمين، وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء - وهو راوي الحديث عن ابن عباس- قد قال به.
قال الحافظ أيضًا: ويقوي ما ذكر من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن يحمل على مطلقها، فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود من غير عذر، وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج، ويجمع بها بين مفترق الأحاديث، والجمع الصوري أولى، والله أعلم، انتهى (2).
ومما يدل على تعيين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي (3) عن ابن عباس بلفظ: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 236).
(2)
انظر: "فتح الباري"(2/ 24).
(3)
"سنن النسائي"(589).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
العشاء، فهذا ابن عباس - راوي حديث الباب - قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري، ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال:"يا أبا الشعثاء! أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه"(1)، وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس كما تقدم.
ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري ما أخرجه مالك في "الموطأ" والبخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة لغير ميقاتها إلَّا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، وصلَّى الفجر يومئذ قبل ميقاتها"(2)، فنفى ابن مسعود مطلق الجمع، وحصره في جمع المزدلفة مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدم، وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري، ولو كان جمعًا حقيقيًا لتعارضت روايتاه.
قلت: هذا الحصر مبني على هذا اللفظ، ولكن رواية النسائي (3) مصرحة بذكر عرفات أيضًا، فانحصر الجمع على روايته في المزدلفة، وعرفات، ولفظه: عن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة لوقتها إلَّا بجمع وعرفات".
ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضًا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما"،
(1) انظر: "صحيح البخاري"(1174)، و"صحيح مسلم"(705).
(2)
انظر: "أوجز المسالك"(1/ 274)، و"صحيح البخاري"(1682)، و"سنن أبي داود"(1934)، و"سنن النسائي"(608)، و"صحيح مسلم"(1289)، و"مسند أحمد"(1/ 384).
(3)
"سنن النسائي"(3010).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهذا هو الجمع الصوري، وابن عمر ممن روى جمعه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه (1).
وهذه الروايات معينة لما هو المراد من لفظ "جمع" لما هو المقرر في الأصول من أن لفظ "جمع بين الظهر والعصر" لا يعم وقتها، كما في سائر كتب الأصول، بل مدلوله - لغة -: الهيئة الاجتماعية، وهي موجودة في جمع التقديم والتأخير، والجمع الصوري، إلَّا أنه لا يتناول جميعها، ولا اثنين منها، إذ الفعل المثبت لا يكون عامًا في أقسامه كما صرح بذلك أئمة الأصول، فلا يتعين واحد من صور الجمع المذكور إلَّا بدليل، وقد قام الدليل على أن الجمع المذكور في الباب هو الجمع الصوري، فوجب المصير إلى ذلك.
وقد زعم بعض المتأخرين أنه لم يرد الجمع الصوري في لسان الشارع وأهل عصره، وهو مردود بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله للمستحاضة:"وإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، ومثله في المغرب العشاء"، وبما سلف عن ابن عباس وابن عمر، وقد روي عن الخطابي أنه قال: لا يصح حمل الجمع- المذكور في الباب - على الجمع الصوري، لأنه يكون أعظم ضيقًا من الإتيان لكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه الخاصة فضلًا عن العامة، ويجاب عنه: بأن الشارع قد عرَّف أمته أوائل الأوقات وأواخرها، وبالغ في التعريف والبيان، حتى إنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة، فضلًا عن الخاصة.
ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين دفعة، والخروج إليهما مرة أخف من خلافه وأيسر، وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في "الفتح": إن قوله صلى الله عليه وسلم: "لئلا تحرج أمتي" يقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج.
فالأولى التعويل على ما قدمنا من أن ذلك الجمع صوري، بل القول
(1) انظر: "مصنف عبد الرزاق"(4437).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بذلك متحتم لما سلف، وقد جمعنا في هذه المسألة رسالة مستقلة سميناها:"تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع"، فمن أحب الوقوف عليها فليطلبها، انتهى كلام الشوكاني (1).
والحاصل أن النص القرآني القطعي حاكم بعدم جواز الجمع الحقيقي بين الصلاتين، لأنه إخراج الصلاة عن وقتها المقدم، فلا يعارض هذا الحكم إلَّا بمثله، فخرج بهذا الجمع بين عرفات والمزدلفة، فإن ثبوته بلغ حد التواتر على أنه من مناسك الحج بالإجماع، لأنه أجمعت الأمة على هذا الجمع في الموضعين.
وأما الأحاديث التي فيها ذكر الجمع فمختلفة، وأكثر الروايات في الجمع وردت في السفر، وبعضها يوهم جمع التقديم، وأكثرها في جمع التأخير، فأما جمع التقديم فغير ثابت، فإن أبا داود قال: حديث معاذ من طريق يزيد بن أبي حَبيب هذا حديث منكر، وليس في جمع التقديم حديث قائم، ومع هذا ليس في الحديث ذكر جمع التقديم مصرحًا، بل يحتمل جمع التقديم، ويحتمل غيره، فلا يحمل عليه مع الاحتمال.
وأما جمع التأخير فمحتمل للجمع الحقيقي والجمع الصوري، فإذا حمل على الجمع الحقيقي يعارض الآية القطعية والأحاديث الظنية، وهي ما تقدم من عمر وابن عباس من "أن الجمع من غير عذر من الكبائر" وابن مسعود:"أنه صلى الله عليه وسلم ما صلَّى صلاة لغير ميقاتها إلَّا في المزدلفة وعرفات".
وأما إذا حمل على الجمع الصوري فلا يخالفه شيء من الأحاديث، فالحمل عليه أولى لموافقة الكتاب والأحاديث التي فيها ذكر الجمع في الحضر، فهذا الجمع محمول على الجمع الصوري قطعًا، ومن حمله على غيره فقد غفل، فهذه كلها تقتضي أن تكون الأحاديث التي فيها ذكر الجمع كلها غير جمع عرفات والمزدلفة محمولة على الجمع الصوري، لا على الجمع الحقيقي- والله تعالى أعلم-.
(1)"نيل الأوطار"(3/ 274 - 277).
1206 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ الْمَكِّىِّ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُمْ:"أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا". [م 706، ت 553، ن 587، خزيمة 966، جه 1070]
===
1206 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي) محمد بن مسلم بن تدرس، (عن أبي الطفيل عامر بن واثلة)(2) بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، وربما سمي عمرًا، ولد عام أحد، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وعُمِّرَ إلى أن مات سنة مئة وعشر على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره.
(أن معاذ (3) بن جبل أخبرهم: أنهم) أي الصحابة (خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك) بفتح المثناة وضم الموحدة (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة) أي صلاة الظهر (يومًا، ثم خرج فصلَّى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل) أي خيمته (ثم خرج فصلَّى المغرب والعشاء جميعًا).
هذا الحديث يشتمل على جملتين، أولاهما: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وثانيتهما: فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلَّى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج فصلَّى المغرب والعشاء جميعًا، ولا ارتباط بينهما ولا مناسبة، بل الجملة الثانية باعتبار الظاهر منافية للأولى.
(1) وفي نسخة: "وكان".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 530) رقم (2747).
(3)
قال ابن العربي (3/ 27): حديث معاذ هذا علله البخاري. (ش).
1207 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ
===
فإن الجملة الأولى تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فعل الجمع دائمًا مستمرًا.
والجملة الثانية: حاصلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك يومًا، فلو كانت الجملة الأولى بلا النافية على هذا السياق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع بين الظهر والعصر لكانت الجملتان أشد ارتباطًا ومناسبة، ولكن النسخ والرواة كلهم متفقون على هذا السياق، فيأول بأن قوله: فأخر الصلاة يومًا بيان للجملة الأولى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، ولفظ "كان" ليس معناه الاستمرار على الفعل.
أو يقال: إن الجملة الأولى "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء"، معناه أي يجمع بين هاتين الصلاتين سائرًا، والجملة الثانية "فأخر الصلاة يومًا ثم خرج" إلى آخرها، معناه أنه جمع يومًا بين الصلاتين في حالة النزول، يدل عليه لفظ "ثم دخل ثم خرج".
وهذا الحديث هو الصحيح من حديث معاذ بن جبل، وليس فيه ذكر جمع التقديم، وأما حديث معاذ الذي يدعون أنه فيه جمع تقديم فسيأتي قريبًا.
1207 -
(حدثنا سليمان بن داود العتكي، نا حماد) يعني ابن زيد، كما في نسخة، (نا أيوب، عن نافع: أن ابن عمر استصرخ) يقال: استصرخ الإنسان وبه إذا أتاه الصارخ، أي المُصَوِّت يُعْلِمهُ بأمرهم حادث (1)، يستعين به عليه، أو ينعى له ميتًا (على صفية) زوجته، أي أخبر بشدة مرضها وقرب موتها، يدل عليه ما رواه النسائي (2): قال: سألنا سالم بن عبد الله عن الصلاة في السفر
(1) كذا في الأصل، والصواب: بأمر حادث، انظر:"مجمع بحار الأنوار"(3/ 312)، و"تاج العروس"(7/ 292)، و"النهاية"(3/ 21).
(2)
"سنن النسائي"(597).
وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَسَارَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ فِى سَفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ
===
فقلنا: أكان عبد الله يجمع بين شيء من الصلوات في السفر فقال: لا، إلَّا بجمع ثم انتبه فقال: كانت عنده صفية، فأرسلت إليه أني في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فركب وأنا معه، الحديث.
(وهو بمكة) وهذا مخالف لما في رواية النسائي (1)، قال: سألت سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر، وسألناه هل كان يجمع بين شيء من صلاته في سفره؟ فذكر أن صفية بنت أبي عبيد كانت تحته، فكتبت إليه وهو في زَرَّاعة له: أني في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من الآخرة، الحديث، ويمكن أن يجمع بينهما بأنه كان بمكة، ثم رجع حتى وصل إلى مزرعة له، وهذا التأويل موقوف على أن مزرعته كانت بين مكة والمدينة، والله تعالى أعلم.
(فسار- حتى غربت الشمس وبدت النجوم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار) ابن عمر (حتى غاب الشفق) أي قرب غيبوبته.
ويدل عليه ما رواه النسائي في هذه القصة: "حتى إذا كان في آخر الشفق نزل، فصلَّى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق"، وفي أخرى له:"وسار حتى كاد الشفق أن يغيب، ثم نزل فصلَّى، وغاب الشفق فصلَّى العشاء"(2). وأصرح منهما ما سيأتي في أبي داود (3) عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة، قال: سِر، حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل، فصلَّى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلَّى العشاء، الحديث.
(1)"سنن النسائي"(588).
(2)
أخرجه النسائي (595 و 596).
(3)
سيأتي قريبًا برقم (1212).
فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا". [ت 555، ن 595، حم 2/ 4، ط 1/ 144/ 3، ق 3/ 159]
1208 -
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِىُّ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ (1) جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ (2) قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَفِى الْمَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ: إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ (3) قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ (4) ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا". [ق 3/ 163، قط 1/ 392]
===
(فنزل فجمع بينهما) وليس في الحديث دلالة على الجمع الحقيقي بل هو صريح في الجمع الصوري.
1258 -
(حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني، نا المفضل بن فضالة والليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم، (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة، (عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس) أي مالت عن وسط السماء (قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك) أي مثل ما فعل في الظهر والعصر (إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثم جمع بينهما).
(1) وفي نسخة: "ارتحل".
(2)
وفي نسخة: "يرحل".
(3)
وفي نسخة: "وإن ارتحل".
(4)
وفي نسخة: "العشاء".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ (1): رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ حَدِيثِ الْمُفَضَّلِ وَاللَّيْثِ.
===
وحديث معاذ قد استدل به على جمع التقديم بين الصلاتين، وليس فيه دليل على ذلك كما سيأتي البحث فيما يأتي من حديث معاذ برواية قتيبة، وفي سند هذا الحديث هشام بن سعد، وهو متكلم فيه، وقد تقدمت ترجمته (2).
(قال أبو داود (3): ورواه) أي هذا الحديث (هشام بن عروة، عن حسين بن عبد الله) بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، قال أحمد: له أشياء منكرة، وعن ابن معين: ضعيف، قال علي بن المديني: تركت حديثه، وتركه أحمد أيضًا، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الجوزجاني: لا يشتغل بحديثه، وقال النسائي: متروك، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحسن بن علي بن محمد النوفلي: كان الحسين بن عبد الله صديقًا لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وكانا يرميان بالزندقة، فقال الناس: إنما تصافيا على ذلك، وقال البخاري: إنه كان يتهم بالزندقة، وقال ابن عدي: أحاديثه يشبه بعضها بعضًا، وهو ممن يكتب حديثه، فإني لم أجد في حديثه منكرًا قد جاوز المقدار، (عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث المفضل والليث).
قال الشوكاني (4): أما حديث ابن عباس، فأخرجه - أيضًا - البيهقي والدارقطني، وروي أن الترمذي حسنه، قال الحافظ (5): وكأنه باعتبار المتابعة، وغفل ابن العربي فصحح إسناده، وليس بصحيح، لأنه من
(1) زاد في نسحة: روى هذا الحديث ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن أبي الزبير على معنى حديث مالك.
(2)
(1/ 601) وقم الحديث (137).
(3)
وغرض المصنف المتابعة للرواية المتقدمة تقوية لها. (ش).
(4)
"نيل الأوطار"(2/ 488).
(5)
انظر: "التخليص الحبير"(2/ 121).
1209 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ (1)، نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، عن أَبِي مَوْدُودٍ، عن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ:"مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ في السَّفَرِ (2) إِلَّا مَرَّةً".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا يُرْوَى، عن أَيُّوبَ، عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ ابْنُ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا قَطُّ إِلَّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، يَعْنِي لَيْلَةَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ (3)،
===
طريق حسين بن عبد الله وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم وابن معين، ولكن له طريق أخرى، أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي خالد الأحمر عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وله أيضًا طريق أخرى رواها إسماعيل القاضي في "الأحكام" عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس بنحوه.
1209 -
(حدثنا قتيبة، نا عبد الله بن نافع) الصائغ، (عن أبي مودود) عبد العزيز بن أبي سليمان، (عن سليمان بن أبي يحيى) حجازي، قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له أبو داود حديثًا واحدًا في الجمع بين المغرب والعشاء، (عن ابن عمر قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلَّا مرة).
(قال أبو داود: وهذا يروى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفًا على ابن عمر أنه لم ير) بصيغة المجهول (ابن عمر) نائب الفاعل (جمع بينهما) أي بين الصلاة (قط إلَّا تلك الليلة) أي قال أيوب: (يعني) نافع (ليلة استصرخ على صفية) غرض المصنف بهذا الكلام تضعيف
(1) زاد في نسخة: "ابن سعيد".
(2)
وفي نسخة: "في سفر".
(3)
زاد في نسخة: "قال أبو داود".
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ عن نَافِعٍ، "أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ"(1).
1210 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ الْمَكِّىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (2) قَالَ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا،
===
ما روى سليمان بن يحيى عن ابن عمر مرفوعًا بأنه لم يثبت في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والراجح أنه فعل ابن عمر فعله حين استصرخ على صفية.
قلت: ولا منافاة بين المرفوع والموقوف في هذا الأمر حتى يحتاج إلى ترجيح الموقوف، وتوهين المرفوع، بل يمكن أن يكون نافع سمع من ابن عمر رواه مرفوعًا، ورأى من ابن عمر فعله فرواه موقوفًا، ولكن يخالف هذا الحديث ما رواه أرباب الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه قصر الصلاة في سفر تبوك، وفي سفر مكة، حتى رجع إلى المدينة". فلا بد أن يحمل هذا الحديث على سفر خاص.
(وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك) أي الجمع بين الصلاتين (مرة أو مرتين) وهذه تقوية لترجيح أن الحديث موقوف، ولى أر هذا التعليق موصولًا فيما عندي من الكتب.
1210 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي) محمد بن مسلم، (عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا) أي جمع بينهما
(1) زاد في نسحة: وروى عاصم بن محمد عن أخيه عن سالم، ورواه ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب أن الجمع بينهما كان من ابن عمر بعد غيوب الشفق، هكذا في بعض النسخ وهو مكرر كما سيأتي. (ش).
(2)
وفي نسخة: "أنه قال".
في غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ. قَالَ مَالِكٌ: أُرَى ذَلِكَ كَانَ في مَطَرٍ". [م 705، ن 601، ت 187، خزيمة 967، ق 3/ 166]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نَحْوَهُ عن أَبِي الزُّبَيْرِ.
===
(في غير خوف ولا سفر) أي لم يكن جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لأجل أنه كان يخاف العدو ولا لأجل أنه كان في سفر بل كان آمنًا مقيمًا.
(قال مالك: أرى ذلك كان في مطر) قال صاحب "الجوهر النقي"(1): ينفي هذا ما ذكره بعد في هذا الباب، وعزاه إلى مسلم عن ابن عباس "أنه عليه السلام جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، وقال ابن المنذر: لا معنى لحمل الأثر على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس أخبر بالعلة فيه، وهو قوله:"أراد أن لا يحرج أمته"، انتهى كلامه، ثم إن مالكًا لم يجز الجمع بين الظهر والعصر بعذر المطر، فترك ما تأول هو حديث ابن عباس عليه، انتهى.
قلت: والذي رأيته في كتب المالكية من "المدونة"(2) وغيرها أنه يجوز عند مالك الجمع بين المغرب والعشاء لعذر المطر، ولا يجوز الجمع عنده بين الظهر والعصر لهذه العلة، فالراجح أن الحديث محمول على الجمع الصوري كما تقدم عن الشوكاني مفصلًا.
(قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة نحوه) أي نحو ما تقدم عن مالك (عن أبي الزبير).
قلت: قال البيهقي في "سننه الكبرى" بعد تخريج حديث مالك: وكذلك رواه زهير بن معاوية وحماد بن سلمة عن أبي الزبير "في غير خوف ولا سفر" إلَّا أنهما لم يذكرا المغرب والعشاء، وقالا: بالمدينة، ورواه أيضًا سفيان بن عيينة وهشام بن سعد عن أبي الزبير بمعنى حديث مالك، وخالفهم قرة بن خالد عن أبي الزبير، فقال في الحديث:"في سفرة سافرها إلى تبوك".
(1) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 167 - 168).
(2)
انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 300).
وَرَوَاهُ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عن أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: في سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا (1) إِلَى تَبُوكَ.
===
ثم ساق حديث زهير بسنده، ثم ساق حديث حماد بن سلمة، فقال: وأما حديث حماد بن سلمة فأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا حجاج يعني ابن منهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة في غير خوف ولاسفر"(2).
(ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك) هذا التعليق وصله مسلم في "صحيحه"(3): حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي قال: نا خالد يعني ابن الحارث، قال: نا قرة، قال: نا أبو الزبير، قال: نا سعيد بن جبير، قال: نا ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال سعيد: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يُحْرِج أمته".
قلت: ظاهر كلام أبي داود يقتضي أن رواية قرة بن خالد هذا عن أبي الزبير، ورواية مالك عن أبي الزبير حديث واحد، ولكن يشكل هذا بأن حديث مالك وارد في عدم السفر، وحديث قرة في السفر، فهما متنافيان، فكيف يقال بوحدتهما؟ ولا مخلص منه إلَّا أن يحمل قوله:"في غير خوف ولا سفر" على السير، أي لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرًا، بل كان نازلًا، فجمع بينهما في حالة النزول لا في حالة السير، أو يقال: إن الغرض من ذكر هذا التعليق بيان الاختلاف في متن الحديثين، ففي رواية مالك نفي السفر، وفي رواية قرة بن خالد ذكر السفر، والحكم باتحادهما باعتبار اتحاد السند لا المتن.
(1) وفي نسخة: "سافرها".
(2)
انظر: "السنن الكبرى"(3/ 166).
(3)
"صحيح مسلم"(705).
1211 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ (1) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، فَقِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ". [انظر تخريج الحديث السابق]
===
قال البيهقي في "سننه الكبرى"(2) بعد تخريج حديث قرة: رواه مسلم في "الصحيح" عن يحيى بن حبيب، وكان قرة بن خالد أراد حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ، فهذا لفظ حديثه، أو روى سعيد بن جبير الحديثين جميعًا، فسمع قرة أحدهما، ومن تقدم ذكره الآخِرَ وهذا أشبه، وقد روى قرة حديث أبي الطفيل أيضًا.
1211 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو معاوية) محمد بن خازم، (نا الأعمش) سليمان بن مهران، (عن حبيب) بن أبي ثابت، (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة (3) من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ما) استفهامية أي أي شيء (أراد إلى ذلك) أي ذاهبًا إلى ذلك، وهو الجمع بين الصلاتين (قال) أي ابن عباس:(أراد) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن لا يحرج أمته) أي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجمع بين الصلاتين أن لا يوقع في الحرج أمته، بأنه إذا وسَّع لهم في الأمر بأن يصلوا الصلوات في أول أوقاتها، وفي آخر أوقاتها، وإحداهما في أول أوقاتها، والثانية في آخرها يكون سببًا لدفع الحرج عنهم.
(1) زاد في نسخة: "ابن أبي ثابت".
(2)
"السنن الكبرى"(3/ 167).
(3)
وقال مولانا الشاه ولي الله الدهلوي في "تراجم البخاري"(ص 186): إن القصة كانت في تبوك، ومعنى قوله:"ولا سفر" أي ولا سير، بل في النزول، ففهم الراوي من قوله:"ولا سفر" المدينة، فاحفظ، ثم قال: ألا إن الثابت بالثقات هكذا، وردُّه بعيدٌ، فتأمل. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلت: قال أبو عيسى (1): حديث ابن عباس قد روي عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شقيق العقيلي، ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلَّا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين، انتهى.
قال الشوكاني (2): والتخفيف في تأخير إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها، وفعل الأولى في أول وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أول وقتها، كما كان [ذلك] ديدنه صلى الله عليه وسلم[حتى] قالت عائشة:"ما صلَّى صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله تعالى"، ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين في دفعة والخروج إليه مرة أخفُّ من خلافه وأيسر، وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في "الفتح": إن قوله صلى الله عليه وسلم: "لئلا تحرج أمتي" يقدح في حمله على الجمع الصوري لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج.
فإن قلت: الجمع الصوري هو فعل لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين في وقتها فلا يكون رخصة بل عزيمة، فأي فائدة في قوله صلى الله عليه وسلم:"لئلا تحرج أمته"، مع شمول الأحاديث المعينة للوقت للجمع الصوري؟ وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلَّا من باب الاطراح لفائدة وإلغاء مضمونه؟ .
قلت: إن الأقوال الصادرة منه صلى الله عليه وسلم شاملة للجمع الصوري، كما ذكرت، فلا يصح أن يكون رفع الحرج منسوبًا إليها، بل هو منسوب إلى الأفعال، ليس إلَّا لما عرفناك من أنه صلى الله عليه وسلم ما صلَّى صلاة لآخر وقتها مرتين، فربما ظن ظانٌ أن
(1) انظر: "سنن الترمذي"(1/ 355).
(2)
"نيل الأوطار"(3/ 276).
1212 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ:"أَنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الصَّلَاةُ، قَالَ: سِرْ، حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِى صَنَعْتُ، فَسَارَ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ". [قط 1/ 393]
===
فعل الصلاتين في أول وقتها متحتِّمٌ لملازمته صلى الله عليه وسلم لذلك طول عمره، فكان في جمعه جمعًا صوريًا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل، وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر منه بالأقوال، ولهذا امتنع الصحابة رضي الله عنهم من نحر بُدُنِهم يوم الحديبية بعد أن أمرهم صلى الله عليه وسلم بالنحر حتى دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة مغمومًا، فأشارت عليه بأن ينحر ويدعو الحلَّاق يحلق له، ففعل، فنحروا أجمع، وكادوا يهلكون غمًا من شدة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق، انتهى.
1212 -
(حدثنا محمد بن عبيد) مصغرًا (المحاربي، نا محمد بن فضيل) مصغرًا، (عن أبيه) فضيل بن غزوان، (عن نافع وعبد الله بن واقد) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مقبول (أن مؤذن ابن عمر) أي عبد الله (قال) أي لعبد الله بن عمر: (الصلاة) أي حضر وقتها.
(قال) أي ابن عمر: (سِرْ) أمر من السير (حتى إذا كان) أي الوقت (قبل غيوب الشفق نزل) أي عبد الله عن راحلته (فصلَّى المغرب، ثم انتظر) أي غيوب الشفق بعد الفراغ من صلاة المغرب (حتى غاب الشفق، فصلَّى العشاء) أي بعد غيوب الشفق (ثم قال) أي ابن عمر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت) أي يجمع بين الصلاتين كما جمعت (فسار) أي ابن عمر (في ذلك اليوم والليلة مسيرة) أي مسافة (ثلاث) أي ثلاث ليال مع أيامها، وهذا حديث صريح في الجمع الصوري.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ جَابِرٍ، عن نَافِعٍ نَحْوَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ.
1213 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ (1)، عَنْ نَافِعٍ قَالَ:"حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَهَابِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا".
===
(قال أبو داود: رواه ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي الداراني، ثقة، (عن نافع نحو هذا) أي الحديث المتقدم (بإسناده) أي بإسناد الحديث المتقدم.
والغرض من ذكر هذا التعليق تقوية الحديث المتقدم، فإن نافعًا روى الحديث، وتابعه عبد الله بن واقد، ثم روى عن نافع فضيل بن غزوان، وتابعه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فحصل له قوة، وأخرج هذا التعليق الدارقطني (2): حدثنا أبو بكر النيسابوري، أخبرني العباس بن الوليد بن المزيد، قال: سمعت ابن جابر يقول: حدثني نافع، قال: خرجت مع عبد الله بن عمر، الحديث.
1213 -
(حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أنا عيسى) بن يونس، (عن ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (بهذا المعنى) وفي نسخة: على هذا، يعني موافقًا لحديث فضيل بن غزوان عن نافع.
(قال أبو داود: ورواه عبد الله بن العلاء) بن زبر بفتح الزاي المعجمة وسكون الموحدة، ابن عطارد، أبو زبر، ويقال: أبو عبد الرحمن الدمشقي، ثقة، (عن نافع قال) أي نافع:(حتى إذا كان عند ذهاب الشفق) أي قرب وقت ذهاب الشفق أي غيبوته (نزل) أي عبد الله عن راحلته (فجمع بينهما) أي بين المغرب والعشاء.
(1) وفي نسخة: "العلاء بن زبر".
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 393).
1214 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. (ح): وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ"(1)، وَلَمْ يَقُلْ سُلَيْمَانُ وَمُسَدَّدٌ:"بِنَا". [خ 543، م 705، ن 589، ق 3/ 167]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِى غَيْرِ مَطَرٍ.
===
والغرض من ذكر هذا التعليق تقوية حديث فضيل بن غزوان وابن جابر، وبيان الاختلاف في اللفظ.
1214 -
(حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: نا حماد بن زيد، ح: وحدثنا عمرو بن عون، نا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد) أبو الشعثاء، (عن ابن عباس قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيًا) أي ثماني ركعات جميعًا، وهي أربع ركعات لصلاة الظهر، وأربع ركعات لصلاة العصر (وسبعًا) أي وسبع ركعات، ثلاث ركعات للمغرب، وأربع ركعات للعشاء (الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولم يقل سليمان ومسدد: بنا) أي لم يقولا لفظ: "بنا"، بل قالا:"صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وزاد لفظ "بنا" عمرو بن عون فقط.
(قال أبو داود: ورواه صالح مولى التوأمة (2) عن ابن عباس قال) أي ابن عباس: (في غير مطر) أي جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صلاتين وصلاتين في
(1) زاد في نسخة: "قال أبو داود".
(2)
أخرج روايته عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 555) رقم (4434)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 456)، وأحمد في "المسند"(1/ 346)، وعبد بن حميد في "المسند"(1/ 597) رقم (708)، وأبو يعلى في "المسند"(5/ 80) رقم (2678)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 160)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10/ 397) رقم (10803 - 10804).
1215 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ بِمَكَّةَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِسَرِفَ". [ن 593، حم 3/ 305، ق 3/ 164]
===
غير مطر، وهكذا تقدم من حديث الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولفظه، "من غير خوف ولا مطر"، والأقرب أن معناه من غير عذر، فإنه لو كان لعذر المرض أو غيره لقال: لمرض، ولا معنى لنفي الخوف والسفر والمطر، والله تعالى أعلم.
1215 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا يحيى بن محمد) بن عبد الله بن مهران المدني مولى بني نوفل (الجاري) بجيم وراء خفيفة، والجار اسم لساحل البحر مما يلي المدينة النبوية، وثَّقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "الأنساب" (1): هذه نسبة إلى الجار، وهي بليدة على الساحل بقرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (نا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي.
(عن مالك، عن أبي الزبير، عن جابر) بن عبد الله الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة، فجمع بينهما بسرف) قال في "القاموس": وككتف: موضع قرب التنعيم، قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (2): سرف بفتح أوله وكسر ثانيه وآخره فاء، موضع على ستة أميال بمكة، وقيل: سبعة وتسعة واثني عشر، تزوج به رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث، وهناك بني بها، وهناك توفيت.
استدل بها القائلون بجمع الصلاتين حقيقة في وقت الأخرى، وأجاب عنه مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - قدس سره - فقال: قوله: "جمع بينهما بسرف" هذا لا يتم الاستدلال به على ما ادَّعوه، إنما هو موقوف
(1)"الأنساب"(2/ 9).
(2)
"معجم البلدان"(3/ 212).
1216 -
حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ هِشَامٍ جَارُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
===
على تحديد سير قصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالظاهر منه وقوع الصلاتين في وقتيهما لما ثبت من سرعة سيرها، وأنها لم تسبق إلَّا مرة مع ما نرى من سير نوق العرب التي هي غير ممدوحة في السير عندهم، وأنها كانت ممدوحة في ذلك معروفة.
1216 -
(حدثنا محمد بن هشام جار أحمد بن حنبل) وهو محمد بن هشام بن عيسى بن سليمان الطالقاني المروزي (1)، بتشديد الراء المضمومة، كذا في "التقريب"، وقال في "الخلاصة": محمد بن هشام بن عيسى الطالقاني أبو عبد الله المروذي بذال معجمة.
قلت: بلدتان بخراسان إحداهما: المرو الشاهجهاني: هذه المرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، نص عليه الحاكم أبو عبد الله في "تاريخ نيسابور"، والنسبة إليها مروزي على غير قياس، وهي بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو آخرها زاي، قال السمعاني في "الأنساب" (2): وكان إلحاق الزاي في هذه النسبة فيما أظن للفرق بين النسبة إلى مروي، وهي الثياب المشهورة بالعراق، والمنسوب إليها خلق كثير، منهم: عبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه وغيره.
والثانية: مرو الروذ: بفتح الميم وسكون الراء آخرها واو، مضاف إلى الروذ بضم الراء وسكون الواو آخره ذال معجمة، كان لفظًا فارسيًا آخره دال مهملة، فلما عرب أبدلت ذالًا، ومعناه في الفارسية: النهر، لأنه كان على نهر عظيم، فلهذا سميت بذلك، وهي صغيرة بالنسبة إلى المرو الشاهجهاني، والنسبة إليها مَرْوَرُوذي بميم مفتوحة وسكون راء أولى، وفتح واو وضم راء ثانية، وبذال معجمة، ومَرُّوذِي بفتح الميم وضم الراء المشددة،
(1) كذا في "التقريب" بالزاي، وفي "التهذيب" بالذال. (ش).
(2)
(4/ 278). وانظر: "معجم البلدان"(5/ 112).
نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عن هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:"بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَمْيَالٍ" يَعْنِي بَيْنَ مَكَّةَ وَسَرِفَ. [ق 3/ 164]
1217 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ (1) ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: قَالَ رَبِيعَةُ - يَعْنِى كَتَبَ إِلَيْهِ -:
===
بعدها واو ساكنة، ثم ذال معجمة، ينسب إليها هاشم بن الحارث، وأحمد ابن محمد بن الحجاج أبو بكر، ولم يظهر لي أن محمد بن هشام هذا منسوب إلى الأولى أو الثانية، إلَّا أن كونه جار أحمد بن حنبل يشير إلى أنه منسوب إلى الأولى، وقول الحافظ في "التقريب": بتشديد الراء المضمومة، وكذا قول صاحب "الخلاصة": بذال معجمة يدلان على أنه منسوب إلى الثانية، والله تعالى أعلم.
(نا جعفر بن عون، عن هشام بن سعد قال) أي هشام بن سعد: (بينهما عشرة أميال، يعني بين مكة وسرف) ولعل هذا قول أبي داود أو بعض رواة السند، وقد علمت أن المسافة التي بين مكة وسرف، قال بعضهم: ستة أميال أو سبعة أميال، وهو الراجح.
قلت: وقد زرتها وزرت فيها القبر الشريف لأم المؤمنين ميمونة - رضي الله تعالى عنها -.
1217 -
(حدثنا عبد الملك بن شعيب) بن الليث، (نا ابن وهب) عبد الله، (عن الليث) بن سعد جد عبد الملك (قال) أي الليث:(قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي (يعني كتب إليه) هذا من كلام ابن وهب أو عبد الملك، تفسير لقوله: قال ربيعة، فإن ظاهره يدل على أن ربيعة حدث الليث مشافهة، وكان حدث مكاتبة ففسره بأن لفظ "قال" ليس محمولًا على المشافهة، بل محمول على المكاتبة.
(1) وفي نسخة: "شعيب بن الليث".
حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: "غَابَتِ الشَّمْسُ وَأَنَا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَسِرْنَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قَدْ أَمْسَى قُلْنَا: الصَّلَاةُ، فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَتَصَوَّبَتِ النُّجُومُ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ صَلَّى صَلَاتِى هَذِهِ، يَقُولُ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ لَيْلٍ". [ق 3/ 160]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عن أَخِيهِ، عن سَالِمٍ.
===
(حدثني عبد الله بن دينار قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر فسرنا) يعني لم ننزل للصلاة (فلما رأيناه) أي عبد الله (قد أمسى) أي دخل في ظلمة الليل ولم ينزل للصلاة (قلنا) له: (الصلاة) أي حاضرة، فلم يلتفت (فسار حتى غاب الشفق) أي قرب غيبوبته لما تقدم من حديث نافع وعبد الله بن واقد بلفظ:"حتى إذا كان قبل غيوب الشفق"، ولو سلم أن معنى غاب على الحقيقة فمعناه: حتى غاب الشفق الأحمر.
(وتصوَّبت النجوم) أي انحدرت كما في الحديث: "كنا إذا تصوبنا سبَّحنا"، والمراد بالانحدار ظهور نورها؛ لأن الانحدار مستلزم لظهور نورها فاستعير له (ثم إنه) أي ابن عمر (نزل فصلَّى الصلاتين) أي المغرب والعشاء (جميعًا، ثم قال) أي ابن عمر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير) أي أوقعه السير في الجد وأعجله (صلَّى صلاتي) بالإضافة إلى ياء المتكلم بتقدير المضاف أي مثل صلاتي (هذه، يقول) ابن عمر يفسر قوله: "صلَّى صلاتي" بقوله: (يجمع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينهما) أي المغرب والعشاء (بعد ليل) أي بعد جنح ليل.
(قال أبو داود: رواه عاصم بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ثقة، (عن أخيه) عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني، نزيل عسقلان، ثقة، (عن سالم).
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مِنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ.
1218 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ (1) وَابْنُ مَوْهَبٍ الْمَعْنَى قَالَا:
===
أخرجه الدارقطني (2) موصولًا: حدثنا أبو محمد بن صاعد (3)، ثنا عبيد الله بن سعد، ثنا عمي، حدثنا عاصم بن محمد، عن أخيه عمر بن محمد، عن نافع، عن سالم قال:"أتى عبد الله بن عمر خبر من صفية، فأسرع السير، ثم ذكر عن النبي-صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال: بعد أن غاب الشفق بساعة"(ورواه ابن أبي نجيح) عبد الله، (عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب) الأسدي ثقة (أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق).
أخرج النسائي (4) هذا التعليق موصولًا: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ من قريش قال: صحبت ابن عمر إلى الحمى، فلما غربت الشمس هِبْتُ أن أقول له: الصلاةَ، فسار حَتَّى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء، ثم نزل فصلَّى المغرب ثلاث ركعات أي للمغرب، ثم صلَّى ركعتين أي للعشاء على إثرها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، انتهى.
وهذا الحديث ليس فيه دليل على الجمع الحقيقي، فإن معنى قوله:"حتى ذهب بياض الأفق"، المراد بالبياض بياض أول الليل الذي يكون في الأفق في أول غروب الشمس، أو يقال: حتى قرب ذهاب بياض الأفق لحديث نافع وعبد الله بن واقد وغيرهما المتقدم.
1218 -
(حدثنا قتيبة وابن موهب) يزيد بن خالد (المعنى قالا:
(1) وفي نسخة: "قتيبة بن سعيد".
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 391).
(3)
في الأصل: "ابن الساعد" وهو تحريف.
(4)
"سنن النسائي"(591).
نَا الْمُفَضَّلُ (1)، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ صلى الله عليه وسلم". [خ 1112، 704، ن 586، ق 3/ 161]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُفَضَّلٌ قَاضِىَ مِصْرَ، وَكَانَ مُجَابَ (2) الدَّعْوَةِ، وَهُوَ ابْنُ فَضَالَةَ.
1219 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عُقَيْلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ قَالَ:
===
نا المفضل) يعنيان ابن فضالة، (عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ) أي تميل (الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما) أي الظهر والعصر (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلَّى الظهر ثم ركب صلى الله عليه وسلم) ولم يجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر.
وهذا الحديث المتفق عليه دليل على نفي جمع التقديم، وقد بحث فيه العلامة العيني في شرح "البخاري" (3) مطولًا ومفصلًا (قال أبو داود: كان مفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فضالة).
1219 -
(حدثنا سليمان بن داود المهري، نا ابن وهب، أخبرني جابر بن إسماعيل) الحضرمي، أبو عباد، المصري، ذكره ابن حبان في "الثقات"، (عن عقيل بهذا الحديث بإسناده) المتقدم (قال) عقيل في حديثه:
(1) زاد في نسخة: "يعنيان ابن فضالة".
(2)
وفي نسخة: "مستجاب".
(3)
انظر: "عمدة القاري"(5/ 427 - 428).
"وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ". [م 704، وانظر تخريج الحديث السابق]
1220 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ (1) الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ،
===
(ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها) أي بين صلاة المغرب (وبين العشاء حين يغيب الشفق) أي وقت غيبوبة الشفق.
وتأويل أمثال هذا اللفظ، ما كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه- قدس سره-، وهو أن الجمع لم يحصل إلَّا بعد الفراغ عن الصلاتين معًا. وأما إذا صلَّى المغرب فقط، أو الظهر فقط، لم يحصل الجمع بمجرد ذلك، ما لم يضم إليها العشاء أو العصر، والضم حصل في وقت العشاء مثلًا، فهذا لا يقتضي وقوع الصلاتين في وقت واحدة منهما، وغاية ما لزم بذلك وقوع الضم في وقت الأخرى، ولا ننكره، وإنما ننكر إيقاع الصلاتين في وقت واحد، فافهم فإنه غريب، انتهى.
1220 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلَّى الظهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء،
(1) وفي نسخة: "زيغ".
وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ". [ت 553، حم 5/ 241]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا قُتَيْبَةُ وَحْدَهُ.
===
وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب، قال أبو داود: لم يرو هذا الحديث إلَّا قتيبة وحده).
غرض أبي داود بهذا الكلام تضعيف هذا الحديث والإشارة إلى أنه شاذُّ، فإن الثقات الحفاظ الذين رووه عن الليث لم يذكروا جمع التقديم، وخالفهم قتيبة، فذكر فيه جمع التقديم فهي شاذَّةٌ.
قال الحافظ في "الفتح"(1): والمشهور في جمع التقديم حديث معاذ هذا، وقد أعله جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، حكاه الحاكم في "علوم الحديث"، وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل، أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير، وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم، انتهى.
قال الشوكاني في "النيل"(2): حديث معاذ أخرجه - أيضًا- ابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي (3)، قال الترمذي: حسن غريب، تفرد به قتيبة، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ، وليس فيه جمع التقديم يعني الذي أخرجه مسلم (4).
(1)"فتح الباري"(2/ 583).
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 488).
(3)
انظر: "صحيح ابن حبان"(1458)، و"علوم الحديث" للحاكم (ص 120)، و"سنن الدارقطني"(1/ 293)، و"السنن الكبرى"(3/ 162)، و"سنن الترمذي"(553)، و"مسند أحمد"(5/ 241).
(4)
انظر: "صحيح مسلم"(706).