الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ قَالَ اللهُ عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". [خ 1101، م 689، ن 1458، جه 1071، حم 2/ 24، خزيمة 1257، ق 3/ 158]
(278)
بَابُ (1) التّطَوّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالوتْرِ
1224 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ،
===
ولفظه في الحديث المتقدم، يعني حديث الباب وهو بلفظ "كان" وهي لا تقتضي الدوام، بل ولا التكرار على الصحيح، فلا تعارض بين حديثيه، انتهى.
قلت: والأولى في الجواب عندي أن يحمل هذا الحديث أي الاقتصار على ركعتي الفرض على حالة السير سوى صلاة الليل، وما روي عنه في أداء النوافل يحمل على حالة النزول.
(وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) الأسوة بكسر همزة وضمها: القدوة، وقد قرئ بهما.
(278)(بَابُ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالوِتْرِ)
(3)
أخر لفظ الوتر وعطف على التطوع مع أنه داخل في التطوع عندهم ، فإن الوتر مختلف في جوازه على الراحلة، فإنه لا يجوز الوتر على الدابة عندنا الحنفية لوجوبه عندنا، وأما ما سواه من التطوعات فيجوز على الراحلة بالاتفاق.
1224 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، أخبرنى يونس،
(1) وفي رواية: "باب التطوع والوتر على الراحلة".
(2)
سورة الأحزاب: الآية 21.
(3)
وقريب منه تبويب الترمذي إلَّا أنه ذكره في أبواب القبلة، وبسطه ابن العربي (2/ 256)، واستدل به على تطوع الوتر، وأنت خبير بأن الاستدلال لا يصح، فإنهم أقروا بوجوب الوتر على النبي صلى الله عليه وسلم كما في خصائص "مختصر الخليل"(3/ 157)، و"تهذيب النووي"(1/ 38)، فالحديث كما هو يخالفنا يخالفهم أيضًا. (ش).
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَىَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّى الْمَكْتُوبَةَ عَلَيْهَا". [خ 1098، م 700، ن 1686، ق 2/ 491]
===
عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح) أي يصلي النافلة (على الراحلة أي وجه توجه) بحذف إحدى التائين أي: بأي وجه تتوجه، وفي نسخة: توجهت، وهذا أمر اتفق عليه الأئمة، ولم يختلفوا فيه في السفر إلَّا في ابتداء التحريمة، فإن عند الشافعي رحمه الله يجب أن يتوجه إلى القبلة، ثم يتوجه حيث شاء، وأما عندنا فلا يجب التوجه إلى القبلة، لا في الابتداء ولا بعده، لأنه لما جازت الصلاة إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها، وقال الشافعي: يشترط في الابتداء أن يوجهها إلى القبلة.
(ويوتر عليها غير أنه لا يصلي المكتوبة عليها) اختلف في الوتر، قال العيني (1): احتج به عطاء وابن أبي رباح والحسن البصري على أن للمسافر أن يصلي الوتر على دابته، ويروى ذلك عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، وكان مالك يقول: لا يصلي على الراحلة إلَّا في سفر يقصر فيه الصلاة، وقال الأوزاعي والشافعي: قصير السفر وطويله في ذلك سواء، يصلي على راحلته، وقال ابن حزم في "المحلى": ويوتر المرء قائمًا وقاعدًا لغير عذر إن شاء، وقال محمد بن سيرين عن عروة، وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا يجوز الوتر إلا على الأرض كما في الفرائض، ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله في رواية ذكرها ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2).
واحتج أهل المقالة الثانية بما رواه الطحاوي: حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر
(1) انظر: "عمدة القاري"(5/ 228).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 303).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رضي الله عنه أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل، وهذا إسناد صحيح وهو خلاف حديث الباب.
وروى الطحاوي بسنده عن مجاهد "أن ابن عمر كان يصلي في السفر على بعيره أينما توجه به، فإذا كان في السحر نزل فأوتر"(1).
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" بسنده عن مجاهد قال: "صحبت ابن عمر في المدينة إلى مكة، فكان يصلي على دابته حيث توجهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلى".
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2) من حديث سعيد بن جبير: "أن ابن عمر كان يصلي على راحلته تطوعًا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض".
وحديث حنظلة بن أبي سفيان يدل على شيئين: أحدهما فعل ابن عمر أنه كان يوتر بالأرض، والآخر أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل كذلك.
وحديث الباب كذلك يدل على الشيئين المذكورين، فلا يتم الاستدلال للطائفتين بهذين الحديثين غير أن لأهل المقالة الثانية أن يقولوا: إن ابن عمر يحتمل أنه كان لا يرى بوجوب الوتر، وكان الوتر عنده كسائر التطوعات، فيجوز فعله على الدابة وعلى الأرض، لأن صلاته إياه على الأرض لا ينفي أن يكون له أن يصلي على الراحلة.
وأما إيتاره صلى الله عليه وسلم على الراحلة فيجوز أن يكون ذلك قبل أن يغلظ أمر الوتر، ثم أحكم من بعد، ولم يرخص في تركه، فالتحق بالواجبات في هذا الأمر بالأحاديث التي ذكرناها عن جماعة من الصحابة في الباب السابق.
ووجه النظر والقياس أيضًا يقتضي عدم جوازه على الراحلة، بيان ذلك أن
(1) انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 429).
(2)
"مسند أحمد"(2/ 4).
1225 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا رِبْعِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِى الْجَارُودُ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَافَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ". [ق 2/ 5، قط 1/ 395]
===
الأصل المتفق عدم جواز صلاة الرجل وتره على الأرض قاعدًا وهو يقدر على القيام، فالنظر على ذلك أن لا يصليه في السفر على راحلته وهو يطيق النزول، قال الطحاوي: فمن هذه الجهة ثبت عندي نسخ الوتر على الراحلة.
1225 -
(حدثنا مسدد، نا ربعي بن عبد الله بن الجارود) بن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة، الهذلي البصري، صدوق، (حدثني عمرو بن أبي الحجاج) ميسرة المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف، البصري، ثقة، (حدثني الجارود بن أبي سبرة) الهذلي، أبو نوفل البصري، صدوق، (حدثني أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر) أي خرج من المصر مسافرًا كان أو مقيمًا، في "الكفاية": هو الصحيح، وقيل: المراد السفر الشرعي، وأما في المصر فجوَّزه أبو يوسف وكرهه محمد (فأراد أن يتطوع) أي يتنفل راكبًا، والدابة تسير بنفسها أو يسوقها برجل واحدة على ما في "الخلاصة". (استقبل بناقته القبلة) ليكون استقباله إلى القبلة وقت افتتاح الصلاة (فكبر) للتحريمة، (ثم صلَّى حيث وجهه ركابه) أي مستقبل القبلة أو غير مستقبلها.
أخذ بهذا الحديث الشافعي وأصحابه، فأوجبوا استقبال القبلة عند التحريمة، وأصحابنا لم يأخذوا به، فلم يوجبوا التوجه إلى القبلة في النوافل، لا عند افتتاح الصلاة ولا بعده. وأما في الفرض فلقد اشترط التوجه عند التحريمة.
قلت: والجواب عن الحنفية عن هذا الحديث: أن الحديث ليس فيه دليل على وجوب استقبال القبلة عند التحريمة على الدابة، بل يحتمل أن يكون فعله صلى الله عليه وسلم محمولًا على الأولوية إن صح الحديث.
1226 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِىِّ، عَنْ أَبِى الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:"رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ". [م 700، ن 740، ق 2/ 4]
1227 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى حَاجَةٍ، قَال:
===
1226 -
(حدثني القعنبي، عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين (سعيد بن يسار) وزعم الذهلي أنه سعيد بن مرجانة، ولا يصح، ثقة متقن، (عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) أي صلاة التطوع (على حمار وهو) الواو للحال (متوجه) أي مستقبل (إلى خيبر) وخيبر في جهة الشمال من المدينة، والمدينة واقعة بين مكة وخيبر، فالمستقبل إلى خيبر مستدبر للكعبة.
قال النووي (1): قوله: "يصلي على حمار" قال الدارقطني وغيره: هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني؛ قالوا: وإنما المعروف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو على البعير، والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس، كما ذكره أنس بعد هذا، ولهذا لم يذكر البخاري حديث عمرو، هذا كلام الدارقطني ومتابعيه، وفي تغليط رواية عمرو نظر، لأنه ثقة نقل شيئًا محتملًا، فلعله كان الحمار مرة، والبعير مرة أو مرات، لكن قد يقال: إنه شاذ مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة، والشاذ مردود، وهو المخالف للجماعة، والله أعلم.
1227 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال:
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 229).