الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
بابُ: الإقرار
قالَ اللهُ تعالى: " يا أيُّهَا الذينَ آمنُوا كُونُوا قوَّامينَ بالقِسطِ شُهداءَ للهِ ولَوْ على أنْفُسِكُمْ. . الآية ".
عن أبي هُريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:" من كانتْ عندَهُ مَظْلمةٌ من أخيهِ من عِرْضِهِ أو مالِهِ، فلْيَتَحَلَّلْها منهُ، قبلَ أن لا يكونَ دينارٌ، ولا درهم، فإنْ كانَ لهُ عملٌ صالحٌ أُخِذَ منهُ بقدرِ مَظْلمتِهِ، وإنْ لمْ يكنْ لهُ، أُخِذَ من سيّئاتِ صاحبِهِ، فحُمِلتْ عليهِ "
(1)
، رواهُ البخاريُّ.
تقدَّمَ حديثُ: " رفعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن الصّغيرِ حتّى يحْتلمَ، وعن المجنونِ حتّى يَفيقَ، وعن النائِم حتّى يستيقظَ "
(2)
.
وقالَ عليه السلام لماعزٍ: " أبكَ جنونٌ؟ "
(3)
.
وقد تقدَّمَ قبولُ إقرارِ الرُّوَيْجلِ المُقْعدِ بالزِّنا، وهو نحيفٌ من المرض، والقِصاصُ في معناهُ.
عن أبي هريرةَ " أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سُئلَ عن أفضلِ الصّدقةِ، فقالَ: أن تصدَّقَ وأنتَ صحيحٌ شحيحٌ تأملُ الغِنى، وتخشى الفقرَ، ولا تُمهلْ، حتّى إذا بلغَتِ الحُلْقومَ قلت: لفُلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا، ألا وقد كانَ لفلانٍ "
(4)
، أخرجاهُ.
(1)
البخاري (12/ 293).
(2)
تقدم.
(3)
البخاري (24/ 246) ومسلم (5/ 116).
(4)
البخاري (14/ 39) ومسلم (3/ 93).
ففيهِ صِحّةُ إقرارِ المريضِ بالمالِ، وأمّا إقرارُهُ لوارثهِ بدينٍ، فقدْ قيلَ إنهُ في معنى الوَصيّةِ لهُ، وقد تقدَّمَ قولهُ عليه السلام:" لا وصيّةَ لوارثٍ "
(5)
.
ورَوى البيهقيُّ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " لا وصيَّةَ لوارثٍ، ولا إقرارَ بدينٍ "
(6)
، لكنْ في إسنادِهِ: نوحُ بنُ دَرّاجٍ، وقد قالَ فيهِ يحيى بنُ مَعين: هو كذّابٌ خَبيثٌ.
ورُويَ من وجهٍ آخرَ مُرْسلاً، والقولُ بمقتضاهُ: مذهبُ الأئمةِ الثلاثةِ، وقولٌ عن الإمامِ الشافعيِّ، ولكنْ صحَّحَ الأصحابُ القولَ بالصحّةِ، وهو مذهبُ طاوسٍ، والحسنِ وعَطاءٍ، وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، ونصرَهُ البخاريُّ في صَحيحِه، واحتجَّ: بأنّ رافعَ بنَ خَديجٍ أوصى: أنْ لا تُكْشفَ الفَزاريّةُ عمّا أُغلقَ عليهِ بابُهَا "
(7)
، قالَ: وقالَ بعضُ الناسِ: لا يجوزُ إقرارهُ لسوءِ الظنّ بالوَرَثةِ، وقدْ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" إياكمْ والظنَّ، فإنّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ "
(8)
، ولا يَحلُّ مالُ المسلمِ، لقولِهِ عليه السلام:" آيةُ المنافقِ ثلاثٌ. . . وإذا اؤتمِنَ خانَ "
(9)
، قالَ: وقالَ اللهُ تَعالى: " إنَّ اللهَ يأمُرُكمْ أنْ تُودّوا الأماناتِ إلى أهلِها "، فلمْ يخصَّ وارثاً، ولا غيرَهُ.
عن أُميَّةَ المَخْزوميِّ رضي الله عنه: " أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بلصٍّ فاعترَفَ اعترافاً، ولمْ يوجدْ معَهُ مَتاعٌ، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ما إخالُكَ سرقتَ، قالَ: بَلى، مرّتين أو ثلاثاً، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقطعوهُ، ثمّ جيئوا بهِ، فقطعوهُ ثمَّ جاؤوا بهِ، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قلْ: أستغفرُ اللهَ، وأتوبُ إليهِ، فقالَ: أستغفرُ اللهَ، وأتوبُ إليهِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ تُبْ عليهِ "
(10)
، رواهُ الإمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنّسائيُّ، وابنُ
(5)
تقدم.
(6)
البيهقي (6/ 85) السنن الكبرى.
(7)
البخاري (14/ 40).
(8)
البخاري (22/ 137) ومسلم (8/ 10).
(9)
البخاري (1/ 218) ومسلم (1/ 56).
(10)
أحمد (16/ 112) وأبو داود (2/ 447) والنسائي (8/ 67) وابن ماجة (2597)، قلت: وقوله: " إسحاق بن أبي فروة " خطأ من الناسخ كما يظهر، لأنه: إسحاق بن عبد الله بن =
ماجة، وفي إسنادِهِ: إسحاقُ بنُ عبد اللهِ بنِ أبي (فَرْوةَ) المدنيُّ، وقدْ تكلّموا فيهِ.
وهذا الحديثُ، ممّا يُستدَلُّ بهِ على: أنهُ يُستحَبُّ للإمامِ أن يُلقِّنَ المُقِرَّ بحدٍّ الرّجوعَ عنهُ، لقولِهِ عليه السلام:" ما إخالُكَ سَرقْتَ ".
وقد تقدَّمَ قولُهُ عليه السلام: " لعلَّكَ قبَّلْتَ، أو لَمِسْتَ "
(11)
.
وقالَ عليٌّ رضي الله عنه لشراحةَ: " لعلَّكِ رأيتِ في منامِكِ؟، لعلَّكِ اسْتُكْرِهتِ؟ لعلَّكِ، لعلّكِ، وكلُّ ذلكَ تقولُ: لا "
(12)
.
عن أبي هريرةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ لله تِسْعةً وتِسعين اسماً، مائةً إلا واحداً، مَن أحصاها دخَلَ الجنّةَ، إنهُ وِتْرٌ، يُحبُّ الوِتْرَ "
(13)
، أخرجاهُ.
ففيهِ صحّةُ الاسْتثناءِ للأقلِّ من الأكثرِ، فأمّا استثناءُ الأكثرِ من الجملةِ، فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن رَبِّهِ عز وجل، قالَ:" يا عبادي، كلكُمْ ضالٌّ إلا من هدَيْتُهُ، فاسْتهدوني أهْدِكُمْ، يا عبادي، كلّكُمْ جائعٌ إلا مَن أطْعَمْتُهُ. . الحديث بطولِهِ "
(14)
، رواهُ مسلمٌ.
استدلَّ بهِ كثيرٌ من علماءِ الأصولِ، والفقهِ على ذلكَ، وفيهِ نظرٌ من جهةِ: أنّ جميعَهُمْ اللهُ هو الذي يُطعمُهُمْ، ويَكسوهُمْ، فإنْ كانَ الاستثناءُ مُتّصلاً، فهو استثناءٌ مُستغرقٌ غالبهم
(15)
، لا يصحُّ، واللهُ أعلمُ.
عن عائشةَ، رضي الله عنها، قالتْ: " اختصمَ سَعْدُ بنُ أبي وقّاص، وعبدُ بنُ زَمْعةَ في ابنِ أمةِ زَمْعةَ، فقالَ سَعْدٌ: يا رسولَ اللهِ، ابن أخي عُتْبةَ بنِ وَقّاصٍ، عهِدَ
= أبي طلحة كما هو عند أبي داود، وابن ماجة وغيرهما، والله أعلم.
(11)
تقدم.
(12)
أحمد (16/ 95).
(13)
البخاري (25/ 94) ومسلم (8/ 63).
(14)
مسلم (8/ 17).
(15)
بالأصل غير بيّن، ولعلّها كما أثبتناها، والله أعلم.
إليَّ: أنهُ ابنُهُ، انظرْ إلى شَبَهِهِ، وقالَ عبدٌ: أخي وابنُ أمَةِ أبي، وُلِدَ على فراشِهِ، فنظرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فرأى شَبَهاً بيِّناً بِعُتْبةَ، فقالَ: هو لكَ، يا عبدَ بنَ زَمْعَةَ، " الولدُ للفِراشِ، وللعاهرِ الحَجرُ "، واحْتجبي منهُ يا سَوْدةُ، فلمْ ترهُ سَوْدةُ بعدُ قَطُّ "
(16)
، أخرجاهُ.
فيهِ: أنَّ مَن أقرَّ بنسب صغيرٍ مجهولِ النّسبِ، يثبتْ نسبُهُ، ابناً كانَ أو جاريةً، وفيهِ دلالةٌ على تبعيضِ الأحكامِ، فيكونُ نسيباً، ومعَ هذا، لا يرثُ، كما: أنهُ حكمَ بهِ لعبدِ بن زَمْعةَ، وقالَ لسوْدةَ بنتِ زَمْعةَ:" احتجبي منهُ " وهي أختُهُ نسباً وإلحاقاً، وليسَ بأُختِهِ في الخلْوةِ والنّظرِ إليها، ونحوَ ذلكَ.
وقد رَوى النَّسائيُّ حديثاً في ذلكَ، وهو من روايةِ مُجاهدٍ عن يوسفَ بنِ عبدِ اللهِ ابنِ الزُّبيرِ: أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال في هذا الحديثِ:" الولدُ للفِراشِ، واحتجبي منهُ يا سَوْدةُ، فليسَ لكِ بأخٍ "
(17)
، وهو إن صحَّ محمولٌ على ما ذكَرْنا، بدليلِ قولِهِ عليه السلام:" هو لكَ يا عبدَ بنَ زَمْعةَ "، واللهُ أعلمُ.
وهذا آخرُ ما يسَّرَ اللهُ جمعَهُ من الأحاديثِ المتعلِّقةِ بمسائلِ " التنبيه "، ولله الحمدُ أوّلاً، وآخِراً على نعمِهِ الظاهرةِ والباطنةِ، ونسألُ اللهَ تَعالى المزيدَ من فضلِهِ وهداهُ، وأنْ يُوفِّقَني لما يُحبُّهُ ويَرضاهُ، إنهُ سميعُ الدّعاءِ، وصلّى اللهُ على سيّدنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً، ورضيَ اللهُ عن أصحابِهِ، وأزواجِهِ، وذرّيتِهِ، وأتباعِهِ إلى يومِ الدّينِ، وحَسبُنا اللهُ، ونعمَ الوكيلُ، ووافقَ الفراغُ من تعليقِهِ عشيّةَ الأربعاءِ تاسعَ عشرَ شهرِ شعبانَ "
(18)
.
علَّقَهُ لنفسِهِ العبدُ الفقيرُ إلى رحمةِ ربِّهِ: أحمدُ بنُ الحُسينِ بنِ أحمدُ بنِ أبي الحَسَن الشّافعيِّ عَفا اللهُ عنهُمْ.
قالَ مُقيّدُه عفا اللهُ عنهُ وغفرَ لهُ:
(16)
البخاري (13/ 93) ومسلم (4/ 171).
(17)
النسائي (6/ 181).
(18)
غير واضح ما في الأصل هنا، وأظنه التاريخ بالسنة، والله أعلم.
وقد وافق الفراغ منه نسخِهِ وتحقيقهِ بصورة أوّلية بفضل اللهِ ومنّهِ وحسنِ معونتهِ، عشيّة الخميسِ ليلةَ الجمعةِ الموافق السادس من شهر رجب الحرام لسنة عشر وأربعمائة وألف من هجرة من له العز والشرف صلوات اللهِ وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الموافق للأول من شهر شباط من عام تسعين وتسعمائة، وألف من ميلاد السيد المسيح صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ونَسأله تعالى جلت قدرته أن يمنّ علينا بدوام فضله وإحسانه وحسن معونته في ما بدأنا به، وفي أمرنا كله، وأن يجنبنا الخطأ والزلل، ويهدينا إلى أحسن السبل وخير العمل، وأن يتم علينا نعمته في الدنيا والآخرة، وعافيته وهدايته وستره، إنه لذلك أهل وله الحمد والمنة والفضل،
وكتب ذلك بخطه الفقير إلى رحمة ربه سبحانه والمعترف له بتقصيره وذنبه دائماً المتوجه إليه في عسره ويسره: عبده الذي لا يرجو غيره:
بهجة بن يوسف بن حمد بن عبد الرزاق بن أبي الطيّب الحسيني الهيتي
غفر الله له ولوالديه وعفا عنهم بمنه وكرمة وسترهم بجميل ستره آمين.