الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
كتابُ الصَّداقِ
قال اللهُ: " وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهنَّ نِحْلةً ".
وقالَ: " وإنْ أردْتُمْ اسْتبدالَ زَوْجٍ مكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحداهُنَّ قِنْطاراً فلا تأْخُذُوا منْهُ شَيئاً أتأْخذُونَهُ بُهْتاناً وإثْماً مُبيناً ".
عن سَهْلِ بنِ سَعْد، قالَ عليه السلام لرجلٍ: تزوَّجْ ولو بخاتمٍ من حديدٍ "
(1)
، هكذا رواهُ البخاريُّ مُخْتصراً، وسيأتي أبسطَ من هذا، وفيه دلالةٌ على أنّ تسمية الصَّداقِ في النكاحِ مشروعةٌ، وإنَّها لا تتقدَّرُ بشيءٍ.
فأمّا عدمُ وجوبهِ، فعن عائشةَ، قالتْ:" أمرني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أُدخِلَ امرأةٍ على زوجِها قبلَ أن يُعطيَها شيئاً "
(2)
، رواهُ أبو داودَ، وابنُ ماجة.
وعن عُقْبةَ بنِ عامرٍ، قالَ:" قالَ عليه السلام لرجلٍ: أترضى أن أُزوّجَكَ فُلانةً؟، قالَ: نعمْ، وقالَ للمرأةِ: أترضينَ أن أُزوّجَكِ فُلاناً؟، قالت: نعم، فزوَّج أحدَهما صاحبَهُ، فدخلَ بها الرّجلُ ولمْ يَفرضْ لها صَداقاً، ولمْ يُعطها شيئاً، وكانَ ممّن شهدَ الحُديْبيةَ، فلما حضرتهُ الوفاةُ، قالَ: أشهدُكُمْ أني قد أعطيتُها من صَداقها سَهْمي بخيبرَ، فباعتهُ بمائةِ ألفٍ "
(3)
، رواهُ أبو داودَ من حديث يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ
(4)
عن مرْثَدِ بنِ عبد الله اليزَنيِّ عنهُ، وهذا: إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ، والحديثُ ظاهرُ الدلالةِ في المطلوبِ.
(1)
البخاري (20/ 140).
(2)
أبو داود (1/ 491) وابن ماجة (1992).
(3)
أبو داود (1/ 488).
(4)
بالأصل كأنه يزيد بن أبي حبيب، والصواب: يزيد بن أبي حبيب، وكذ مرثد بن عبد الله، بالأصل يزيد بن عبد الله، والتصحيح من سنن أبي داود (1/ 488).
وفي لفظٍ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " خيرُ النّكاحِ أيسرُهُ "
(5)
.
عن جابرٍ، قالَ عليه السلام:" من أعطى في صَداقِ امرأةٍ ملءَ كفِّهِ سَويقاً أو تمراً، فقد استحلَّ "
(6)
، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وهذا لفظهُ، وفي سندِهِ اختلافٌ، ورُويَ موقوفاً.
وفيما تقدّم، وما يأتي من حديثِ سَهْلٍ " أنهُ قالَ: الْتَمسْ ولو خاتماً من حديدٍ "
(7)
، ما يدلُّ دلالةً قويّةً على أنهُ لا يتقَدَّرُ بشيءٍ ".
عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ، قالَ: قالَ عليه السلام: " أيُّما امرأةٍ نكَحت على صداقٍ أو حِباءٍ أو عِدةٍ، فهو لها، وما كانَ بعدَ عِصْمةِ النّكاحِ فهو لمنْ أُعطيَهُ، وأحقُّ ما أكرِمَ عليهِ الرّجلُ ابنتُهُ، أو أختُهُ "
(8)
، رواهُ أبو داودَ، والنّسائيُّ، وابنُ ماجة.
يُؤْخذُ منهُ: أنهُ إذا ذكر صَداقاً في السر
(9)
، وصَداقاً في العَلانية: فإنّ الصّداقَ ما تقدّمَ العقدَ.
عن ابنِ عبّاسٍ، قالَ:" لما تزوّجَ عليٌّ فاطمةَ، قالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أعطِها شيئاً، قالَ: ما عندي شيءٌ، قالَ أينَ دِرعُك الحُطَميّةُ؟ "
(10)
، رواهُ أبو داودَ، والنّسائيُّ.
قالَ اللهُ تَعالى: " إنّي أُريدُ أنْ أُنكحَكَ إحْدى هَاتيْنِ على أنْ تأْجُرَني ثَمانيَ حِجَجٍ فإنْ أتْممْتَ عَشراً فمِنْ عِندِكَ. . الآية ".
عن سهْلٍ بنِ سَعْدٍ " جاءَت امرأة، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ: إني وهبتُ نفسي لكَ فقامتْ طويلاً، فقالَ رجلٌ: زوِّجْنيها يا رسولَ اللهِ إن لم يكنْ لكَ بها حاجةٌ، قالَ: هلْ
(5)
أبو داود (1/ 488).
(6)
أحمد (3/ 355) وأبو داود (1/ 486).
(7)
البخاري (20/ 114).
(8)
أحمد (16/ 175) وأبو داود (1/ 491)(2129)، والنسائي (6/ 120) وابن ماجة (1955).
(9)
لعلها هكذا، فإنها بالأصل:" في " فقط، والله أعلم.
(10)
أبو داود (1/ 490) والنسائي (6/ 129).
عندَك من شيءٍ تُصدقُها؟، فذكرَ إزارَهُ، حتّى قالَ: التمس ولو خاتماً من حديدٍ فالتمسَ، فلمْ يجدْ شيئاً، قالَ: زوَّجْتكَها بما معَكَ من القرآنِ "
(11)
، أخرجاهُ.
ولمسلمٍ: " زوَّجتكَها، فعلِّمْها من القرآنِ "
(12)
.
فدلَّ حديثُ ابنِ عباسٍ على أنه يجةو أن يكون الصداقُ عيناً تُباع، وحديثُ سهلٍ هذا على أنه يجوز أن يكون منفعة تكرى.
قالَ تعالى: " وإنْ طَلَّقْتُموهُنَّ مِنْ قَبلِ أنْ تَمَسّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتمْ لهُنَّ فَريضةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلاَّ أنْ يَعفونَ أوْ يَعفوَ الّذي بِيَدِهِ عُقْدةُ النِّكاحِ. . الآية ".
قال ابنُ عبّاسٍ " في الرّجلِ يتزوَّجُ المرأةَ فيَخْلوا بها ولا يَمَسُّها، ثمّ يُطلِّقُها: ليسَ لها إلا نصفُ الصَّداقِ، وتَلا هذهِ الآيةَ "
(13)
، رواهُ الشافعيّ، وقال في الجديدِ بهِ آخذُ.
ورَوى البيهقيُّ من حديثِ الشَّعْبيّ عن ابنِ مسعود
(14)
: مثلَهُ.
وقالَ في القديمِ: يَستقرُّ الصَّداقُ بالخلوةِ لما رواهُ عن مالكٍ عن يحيى بنِ سعيد عن سعيدِ بنِ المُسيَّبِ: أنَّ عمرَ بن الخطابِ قَضى في المرأةِ يتزوّجُها الرَّجلُ، أنها إذا أُرخِيتْ السّتورُ، فقد وجبَ الصَّداقُ "
(15)
.
وعن مالكٍ عن الزُّهريّ عن زيدِ بنِ ثابتٍ مثلُهُ.
قالَ البيهقيُّ: وروينا عن الأحنفِ بنِ قيسٍ: " أنَّ عمرَ وعليّاً قالا: إذا أغلقَ باباً، أو أرخى سِتْراً، فلها الصَّداقُ كاملاً، وعليها العِدَّةُ "
(16)
.
(11)
البخاري (20/ 114) ومسلم (4/ 143).
(12)
مسلم (4/ 44).
(13)
الشافعي (8/ 442) في الأم مع المسند، والبيهقي من طريقه (7/ 254).
(14)
البيهقي (7/ 255).
(15)
الشافعي (7/ 223، 233) في الأم مع المسند ومالك (2/ 5)، والبيهقي من طريقيهما (7/ 255) عنهما.
(16)
البيهقي (7/ 255).
وقالَ زُرارةُ بنُ أوفى: " قضاءُ الخلفاءِ الراشدينَ المَهديينَ أنهُ من أغلقَ باباً، أو أرخى سِتراً، فقد وجبَ الصَّداقُ والعِدّةُ "
(17)
.
قالَ البيهقيُّ: وهذا: مُنقطعٌ، فإنهُ لمْ يُدركهُم.
فأمّا تفسيرُ الذي بيدِهِ عُقدةُ النّكاحِ: فالجديدُ: أنهُ الزّوجُ، وهو الذي حَكاهُ الشافعيُّ عن عليّ، وجُبيرِ بنِ مُطْعمِ، وابنِ عبّاسٍ، وبهِ قالَ شُرَيْحٌ، وسعيدُ بنُ المسيّبِ، وابنُ سيرين، والشَّعبيّ، ومجاهدٌ، ونافعُ بنُ جُبيْرٍ، ومحمدُ بنُ كَعْبٍ، وقالَ في القديمِ: هو الوَليُّ، وهو روايةٌ عن ابنِ عبّاسٍ، وشُرَيْحٍ، وطاوسٍ، وبهِ قالَ عَلْقَمةُ، والحسنُ، وإبراهيمُ النّخعيُّ، وعَطاء بنُ أبي رَباحٍ.
قالَ البيهقيُّ: والأوّلُ: أصحُّ.
قلتُ: وعلى القديم: شُرِعَ عفوُ الأبِ أو الجدِّ عن صَداقِ المجنونةِ أو الصغيرةِ.
عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ: " أنه سُئلَ في رجلٍ تزوّجَ امرأةً فمات عنها، ولمْ يفرضْ لها، فقالَ: لها الصَّداقُ كاملاً، وعليها العِدّةُ، ولها الميراثُ، فقامَ مَعْقِلُ بنُ سِنان الأشْجعيُّ، فقالَ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بهِ في بِرْوَعَ بنتِ واشقٍ، ففرحَ عبدُاللهِ بذلكَ "
(18)
، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجة، والترمذيُّ، وقالَ: حسنٌ صحيحٌ.
وقالَ الربيعُ عن الشافعيّ: إنْ ثبتَ هذا الحديثُ، فهو أولى الأمورِ بنا، ولا حجةَ في قولِ أحدٍ دونَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وإنْ كثروا، ولا في قياسٍ، قالَ: غيرَ أني لم أحفظْهُ من وجهٍ من الوجوهِ يثبتُ مثلُهُ، هو مرّةً: قالَ عن مَعْقلِ بنِ يَسارٍ، ومرّةً عن مَعْقلِ بنِ سِنانَ، ومرّةً عن بعضِ أشْجعَ، لا يُسمّي، فإذا ماتَ أو ماتتْ، فلا مَهْر لها، ولا مُتْعةَ، فهذا من الشافعيّ رحمه الله وقفٌ في صحةِ الحديثِ، ولا شكَّ إنّ لهُ أسانيدَ قَوِيّةً،
(17)
البيهقي (7/ 255)، وأخرج تفسير الذي بيده عقدة بأنه الزوج مرة ثم الوليّ أخرى (7/ 251، 252)، ورجح هو والشافعي الأول.
(18)
أحمد (16/ 174)، وأبو داود (1/ 487) والنسائي (6/ 122) والترمذي (2/ 306) وابن ماجة (1891).
وبعضها على شرطِ الصحيحين، وقد ورد بألفاظ كما ذكرَها الشافعي، لكن قالَ أبو عبد الرحمن النّسائيُّ: لولا ثقةٌ مَن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فرحَ عبدُاللهِ بنُ مَسعودٍ.
قلتُ: وهذا الاختلافُ ليسَ بمُضرٍّ للحديثِ، لأنّ أيّما كانَ من معقلِ بنِ سِنان، الأشجعيّ، أو معقلِ بنِ يسارٍ المُزَنيّ، فهو: ثقةٌ، ومن لمْ يسمهِ لا يضرُّ أيضاً، لأنّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ، ولهذا قال الحافظ أبو عبد الله محمدُ بن يعقوبَ بنِ الأحزم: لو حضرتُ الشافعيَّ وقد وقفَ في هذا الحديثِ، لقمتُ وقلتُ: قد صحَّ الحديث، فقلْ بهِ، وهذا صححهُ النَّوويُّ، وغيرهُ من حُذّاقِ المذهبِ.
وحُجّةُ القديمِ: ما رواهُ الشافعي عن ابن عُييْنةَ عن عطاءِ بنِ السّائبِ عن عبدِ خيرٍ عن عليٍّ: " في الرّجلِ يتزوّجُ المرأةَ ثمَّ يموتُ، ولمْ يدخلْ بها، ولمْ يفرضْ لها صداقاً، إنَّ لها الميراثَ، وعليْها العِدّةُ، ولا صَداقَ لها "
(19)
.
ورَوى مالكٌ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ: مثلَ ذلكَ، ثمّ قالَ: بهذا نقولُ، إلا أن يَثبتَ حديثُ بِرْوَعَ
(20)
.
عن أنس: " أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعتقَ صَفيةً، وجعلَ عِتْقها صَداقَها "
(21)
، أخرجاهُ.
ورواهُ الترمذيُّ، ثم قالَ: حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ من الصّحابةِ، وغيرِهم، وهو قولُ الشافعيّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.
وكرهَ بعضُ أهلِ العلم: أن يُجعلَ عِتقُها صداقَها، حتّى يُجعلَ لها مهرٌ سوى العِتْقِ والقول الأولُ أصحُّ، فهذا الذي حكاهُ الترمذيُّ عن الشافعيّ في هذهِ المسألةِ غريبٌ، لا يعرفُهُ كثيرٌ من الأصحابِ، بل المشهورُ في المذهبِ: أنها تُعتقُ ولا يلزمُها أن تتزوّجَ بهِ، ويرجعُ عليها بقيمةِ رَقبتِها، فإن تزوَّجتْهُ استحقَّتْ عليهِ مهْرَ المِثْلِ.
(19)
الشافعي (5/ 69) في الأم، والبيهقي (7/ 247).
(20)
الشافعي (5/ 60 في الأم)، ومالك (2/ 4)، والبيهقي (7/ 246) عنهما.
(21)
البخاري (20/ 81) ومسلم (4/ 146).
ورَوى البيهقيُّ: أنهُ عليه السلام: " خطبَ صفيَّةَ بعدَ ما أعتَقَها، وتزوَّجَها، وأمهرَها رُزَينةَ "
(22)
، وهو غريبٌ جداً، ولا يثبتُ إسنادُهُ.
(22)
البيهقي (7/ 129).