الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 -
بابُ: الإجارَةِ
قالَ اللهُ تَعالى: " قالَتْ إحداهُما يا أبَتِ اسْتَأْجرْهُ إنَّ خَيرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ ".
وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ما بَعثَ اللهُ نبيّاً إلا رَعى الغَنمَ، فقالَ أصحابُهُ: وأنتَ؟، قالَ: نَعَمْ، كنتُ أرعاها على قَراريطَ لأهلِ مكّةَ "
(1)
، رواهُ البخاريُّ من حديثِ أبي هريرةَ.
وقالتْ عائشةُ في حديثِ الهِجْرةِ: " واسْتأجرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ هادِياً خِرّيتاً "، الخِرّيتُ: الماهرُ بالهدايةِ "
(2)
. رواهُ البخاريُّ في حديثٍ طويلٍ.
وعن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أحقَّ ما أخَذْتمْ عليهِ أجْراً، كتابُ اللهِ "
(3)
، رواهُ البخاريُّ.
ولَهُما
(4)
عن أبي سَعيدٍ: نحوَ ذلكَ.
فهذا كلّهُ دليلٌ على مشروعيةِ الاسْتئجارِ على المَنافعِ المُباحةِ والمُستَحبّةِ.
وقدْ تقدّمَ النّهيُ عن ثمنِ الكلبِ.
وعن ابنِ عمرَ، قالَ:" نهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفَحلِ "
(5)
، رواهُ البخاريُّ.
ولمسلمٍ عن جابرٍ: " نَهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن بيعِ ضِرابِ الجَملِ "
(6)
. فأمّا إن
(1)
البخاري (12/ 79).
(2)
البخاري (12/ 80).
(3)
البخاري (21/ 264).
(4)
البخاري (21/ 263) ومسلم (7/ 20).
(5)
البخاري (12/ 105).
(6)
مسلم (5/ 34).
أكرموا على ذلكَ من غيرِ شَرطٍ فقدْ:
رَوى الترمذيُّ عن أنسٍ: " أنَّ رجلاً من كلابٍ سألَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن عَسبِ الفَحل، فنهاهُ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ: إنا نُطرِقُ الفَحلَ فنُكْرَمُ، فَرخَّصَ لهم في الكَرامةِ "
(7)
، وقالَ: حسَنٌ غَريبٌ.
وأمّا الاسْتئجارُ على المنافعِ المُحَرَّمةِ، فقدْ قالَ تَعالى:" وتَعاوَنُوا على البِرِّ والتَّقوى ولا تَعاوَنوا على الإثْمِ والعُدْوانِ "، وقدْ ذكرَ المُصنّفُ من ذلكَ المعنى، والدليلُ على ذلكَ ما قالَ البخاريُّ في صحيحِه:
قالَ هشامُ بنُ عَمّارٍ، حدَّثَنا صدقَةُ بنُ خالدٍ، حدَّثَنا عبدُ الرّحمن بنُ يَزيدَ بنِ جابرٍ، حدَّثنا عَطيّةُ بنُ قيسٍ عن عبدِ الرّحمن بنِ غُنْمٍ، قالَ: حدَّثني أبو عامرٍ أو أبو مالكٍ الأشْعَريُّ، واللهِ ما كذَبَني سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:" ليكونّنَ في أُمّتي أقوامٌ يستحلّونَ الخَمْرَ والحَريرَ، والمَعازفَ، ولَيَنزلنَّ أقوامٌ على جَنبِ عَلَمٍ تروحُ عَليْهِم سارحتُهم يأتيهم وخنازيرَ إلى يومِ القيامةِ "
(8)
، هكذا علّقهُ البخاريُّ بصيغةِ الجزمِ، وقدْ أسنَدهُ الحافظانِ أبو بكر الإسماعيليُّ، والبَرْقانيّ في مُستخرجيهما، والبيهقيُّ. ورواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وابنُ ماجة من طرُقٍ أُخَر، فهو حديثٌ صحيحٌ لا حُجةَ لمن ردَّهُ.
وقد قالَ الإمامُ أبو نصْر إسماعيلُ بن حَمّادٍ الجوهَريُّ في كتابِه الصحاح: المَعازفُ آلاتُ الطّرَب، واحدَتُها مِعْزَفةٌ، والعَلَمُ: الجَبلُ.
عن عائشة، قالت: " دخلَ عليَّ أبي، وعندي جارِيتان من الأنصارِ تُغَنّيانِ بما تقاوَلتْ الأنصارُ يومَ بُعاثٍ، ولَيْستا بِمُغَنّيتينِ، فانْتهرني، وفي لفظٍ: فانتهرَهمَا، وقالَ: أمزمارُ الشّيطانِ في بيتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟، وذلك في يومِ عيدٍ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(7)
الترمذي (2/ 372).
(8)
البخاري معلقاً (21/ 174) وأحمد (5/ 342) وأبو داود (2/ 369) وابن ماجة (4020)، والبيهقي (10/ 221)، بلفظ:" يأتيهم رجل لحاجة ".
يا أبا بَكْرٍ: إنَّ لكلِّ قومٍ عيداً، وهذا عيدُنا "
(9)
، أخرجاهُ.
فقدْ أقرَّ عليه السلام أبا بكرٍ على قولِه: " مِزْمارُ الشّيطانِ "، وخصّصَ من ذلكَ يومَ العيدِ، وقرَّرَ على فعلِه من مثلِ تِلْكما الجاريَتينِ، فوجبَ العملُ بمقْتضى التّقْريرين، وهذا ما لا شَكَّ فيهِ عندَ أئِمةِ الأصوليين، وكذا يُباحُ مثلُ ذلكَ أو يُنْدَبُ إليهِ في العُرْسِ، كذا عندَ قدومِ الغائبِ لما وردَ في ذلكَ من الأحاديثِ، وقدْ أفردتُ لذلك جُزْءاً على حِدةٍ، وللهِ الحمدُ والمِنّةُ.
وأما حَملُ الخَمرِ، فقدْ تقدّمَ الحديثُ في " لعنِ الخمر من عَشرةِ أوْجهٍ، عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه - الحديث "
(10)
.
عن عليّ، قالَ:" جُعتُ مرّةً جوعاً شَديداً، فخرجتُ أطلبُ العملَ في عَوالي المدينةِ، فإذا أنا بامرأةٍ قد جمعتْ مَدَراً فظَننْتها تريدُ بلَّةً، فقاطَعْتها كلَّ ذنوبٍ على تمرةٍ، فمددتُ ستّةَ عشرَ ذنوباً حتى مَحَلتْ يدايَ، ثمَّ أتيتُها فعدّتْ لي ست عشرةَ تمرةَ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرْتُه، فأكلَ معي مِنها "
(11)
، رواهُ أحمدُ، والقاضي يوسفُ بنُ يعقوبَ بإسنادٍ: جيّدٍ قَوِيٍّ.
ورواه ابنُ ماجة من وجهٍ آخرَ.
ورواهُ أيضاً من حديثِ أبي هريرةَ، وابنِ عبّاسٍ.
فاستدَلّوا بهِ على أنهُ لا بُدّ أن تكونَ الأجرةُ والعملُ معلومين، ولا يجوز أن يكونَ واحدٌ منهما مَجهولاً لما فيه من الغَرَرِ، وقد نُهيَ عنهُ.
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ: " أنهُ عليه السلام نَهى عن استئجارِ الأجيرِ حتى يُبيِّنَ لهُ
(9)
البخاري (6/ 268) ومسلم (3/ 21).
(10)
تقدم.
(11)
أحمد (15/ 123) وابن ماجة (2447 عن علي) و (2446 عن ابن عباس) و (2448 عن أبي هريرة).
أجرُهُ "
(12)
، رواهُ أحمدُ، وهذا لَفْظُهُ، وأبو داودَ من حديثِ حَمّادِ بنِ سَلمَةَ عن حمّادِ بنِ أبي سُليمانَ عن إبراهيمَ عن أبي سَعيدٍ. ورواهُ الثّوريُّ عن حمّادٍ عن إبراهيمَ عن أبي سعيدٍ موقوفاً.
قال أبو زُرْعةَ، وأبو حاتمٍ: الصّحيحُ: موقوفٌ، لأنّ الثَّوريَّ أحْفظُ.
وقالَ أبو حَنيفةَ عن حمّادٍ عن إبراهيمَ عن الأسودِ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: " منْ استأْجرَ أجيراً، فلْيُعلمْهُ أجرَهُ "
(13)
.
عن أبي هريرةَ، قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: " ثلاثةٌ أنا خَصمُهمْ يومَ القيامةِ، ومَنْ كنتُ خَصمهُ خَصَمْتُهُ، رجلٌ أعطى بي ثمَّ غدَرَ، ورجلٌ باعَ حُرّاً فأكلَ ثمنَهُ، ورجلٌ استأْجرَ أجيراً، فاسْتوفى منهُ، ولمْ يُوَفّهِ أجرَهُ "
(14)
، رواهُ البخاريُّ.
عن عبدِ الرحمنِ بنِ زيد بنِ أسْلَمَ عن أبيهِ عن ابنِ عمرَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أعْطوا الأجيرَ أجرهُ قبلَ أن يجفَّ عرَقُهُ "
(15)
، رواهُ ابنُ ماجة، وعبدُ الرحمن: ضعيفٌ.
ورواه ابن ماجة من طرقٍ أخُر عن أبي هريرةَ، وفي كلٍّ منها نَظرٌ وضعفٌ.
تقدّمَ حديثُ: " على اليدِ ما أخذَتْ حتّى تُؤَدّيهِ "
(16)
، استدَلّوا بعمومِهِ على تَضمينِ الأجير المشترك
(17)
.
وعن جعفرِ بنِ محمدٍ عن أبيهِ: " أن عليَّ بنَ أبي طالبٍ ضمَّنَ الغَسّالَ والصبَّاغَ،
(12)
أحمد (3/ 71) المسند) وأبو داود في المراسيل (181) من حديث أبي سعيد وحده، والبيهقي (6/ 120) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد.
(13)
البيهقي (6/ 120)، من طريق أبي حنيفة به.
(14)
البخاري (12/ 89).
(15)
ابن ماجة (2443)، والبيهقي (6/ 121) من وجوه عن أبي هريرة، قد تكون بمجموعها لها أصل.
(16)
تقدم.
(17)
غير واضحة بالأصل، ولعلها هكذا، والله أعلم.
وقالَ: لا يُصلحُ الناسَ إلا ذلك "
(18)
، رواهُ الشافعيُّ، وقالَ: لا يُثبته أهلُ الحديثِ.
قلتُ: كأنهُ يُشير به إلى انقطاعِهِ، والظاهرُ أنهُ: صحيحٌ عنهُ لأنهُ: قد رواهُ قتادة عن خِلاسٍ عن عليٍّ
(19)
.
ورواهُ جابرُ الجعفيُّ عن الشَّعبيِّ عن عليٍّ، وهذهِ طرُقٌ يشدُّ بعضُها بَعْضاً.
(18)
الشافعي (3/ 264)، والبيهقي من طريقه (6/ 122)، ومن وجه آخر عن جعفر به.
(19)
أخرجه البيهقي (6/ 122) من طريق قتادة به، وكذا علق رواية جابر الجعفي عن الشعبي عن عليٍّ، وهي كما قال المصنف رحمه الله من طرق يقوي بعضها بعضاً، ولا يستبعد أن يكون لها أصل بمجموعها والله أعلم.
26 -
بابُ: الجُعالة
قالَ اللهُ تعالَى: " وَلمَنْ جاءَ بهِ حِمْلُ بَعيرٍ وأنا بهِ زَعيمٌ ".
عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ، قال:" انطلقَ نفرٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ سافروها حتى نَزلوا على حيّ من أحياءِ العربِ، فاستضافوهمْ، فأبَوا أن يُضَيّفوهم، فلُدِغَ سيّدُ ذلكَ الحيّ فسعَوْا لهُ بكلّ شيءٍ لا يَنفعُهُ شيءٌ، فقالَ بعضُهم: لو أتيتمْ بعضَ هؤلاءِ الرّهْطِ الذين نزَلوا، لعلَّهُ أن يكونَ عندَ بعضِهم شيءٌ، فأتَوْهُمْ فقالوا: يا أيّها الرّهْطُ: إن سيّدَنا لُدِغَ، وسَعَيْنا لهُ بكلِّ شيءٍ لا ينفعُهُ، فهلْ عندَ أحدٍ منكُمْ شيءٌ؟، فقال بعضُهمْ: نعمْ واللهِ إني لأرقى، ولكنْ واللهِ لقدْ استضفْناكُمْ فلمْ تُضَيّفونا، فما أنا براقٍ لكُمْ حتّى تَجعلوا لَنا جُعْلاً، فَصالحوهمْ على قطيعٍ من الغنمِ، وانطلَقَ يَتْفِلُ عليهِ، ويقرأ: " الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ "، فكأنّما نشَطَ من عقالٍ، فانطلقَ يَمشي وما بهِ قَلَبةٌ، لا تَفعلوا حتى نأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فنذكر لهُ الذي كانَ، فننظرَ ما يَأمرُنا، فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا لهُ، فقالَ: وما يُدريكَ أنها رُقْيةٌ؟، ثمَّ قالَ: قدْ أصَبْتم، اقْتسموا، واضربوا لي معَكُمْ سَهْماً، فضحك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "
(1)
، رواه البخاريُّ، وهذا لَفْظهُ، ومسلمٌ.
وفي المُسْندِ: أنّ الرَّاقيَ كانَ أبا سعيدٍ نفسَهُ، وإنّ اللّدْغةَ كانتْ من عَقْرب "
(2)
.
(1)
البخاري (21/ 263) ومسلم (7/ 20).
(2)
أحمد (15/ 127).