الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
بابُ: العاقلةِ، وما تحملُهُ
قال الشافعيُّ: لمْ أعلمْ مخالفاً: أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قضى بالدّيةِ على العاقلةِ، وهو أكبرُ من حديثِ الخاصةِ.
عن أبي هُريرةَ، قالَ:" اقتتلَتْ امرأتان من هُذيلٍ، فرمتْ إحداهُما الأخرى، بحجرٍ فقَتلتْها وما في بَطنِها، فاختصموا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقضى أنّ ديةَ جنينها: غُرَّةُ عبدٍ، أو أمَةٍ، وقضى بديةِ المرأةِ على عاقِلتِها "
(1)
، أخرجاهُ. وهو ظاهرٌ في أنّ ديةَ عمدِ الخطأ على العاقلة.
قالَ الزُّهريُّ: " مضَتِ السُّنةُ أنَّ العاقلةَ لا تحملُ شيئاً من دِيةِ العمْدِ، إلا أن يشاؤوا "
(2)
رواهُ مالكٌ في المُوَطَّإ عنهُ.
وعن الشَّعْبيِّ عن عمرَ، قالَ:" العمدُ، والعبدُ، والصُّلحُ، والاعترافُ، لا تعقلُهُ العاقِلةُ "
(3)
، رواهُ الدارَقطنيُّ، وهو: منقطعٌ، ثمَّ فيهِ: عبد الملكِ بنُ حسينٍ - وهو ضعيفٌ، قالَ البيهقيُّ: وإنَّما المحفوظُ روايةُ أبي إدريس
(4)
عن مُطرِّفٍ عن الشَّعْبيِّ قولهِ، ثمَّ رَوى عن ابنِ عبّاسٍ: مثلَ ذلكَ، وحكاهُ الإمامُ أحمد عنهُ.
عن عبد الله بن عمر، قالَ: " بعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليدِ إلى بني جُذَيْمةَ، فدعاهُم إلى الإسلامِ، فلمْ يُحسِنوا يقولونَ: أسلمنا، فجعلوا يقولونَ: صَبأْنا صَبأْنا،
(1)
البخاري (9/ 15) ومسلم (5/ 110).
(2)
مالك (2/ 189)، والبيهقي (8/ 105) من طريقه.
(3)
الدارقطني (3/ 177)، والبيهقي (8/ 104) من طريقه ورجح أنه من قول الشعبي كالمصنف هنا، وأخرجه هكذا من طريق عبد الله بن إدريس عنه من قوله.
(4)
هكذا بالأصل، والصواب: عبد الله بن إدريس كما هو عند البيهقي (8/ 104).
فجعلَ خالدٌ يقتلهُمْ، فبلغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فرفعَ يديْهِ، وقالَ: اللهُمَّ إني أبرأُ إليمَ ممّ صنعَ خالدٌ، وبعثَ علياً يُؤدي قَتْلاهُم، وما أتلفَ من أموالهم حتّى ميلغةِ الكلبِ "
(5)
، رواهُ البخاريُّ بنحوهِ.
يُستدَلُّ بهِ على أنّ ما يُتلفُهُ الإمامُ خطأ: أنهُ يكونُ في بيتِ المالِ، ويُحتَجُّ للقولِ الآخرِ بما رواهُ البيهقيُّ من حديثِ مَطَرِ الوَرَّاقِ عن الحسن البصْريِّ، قالَ:" أرسلَ عمرُ إلى امرأةٍ مغيبةٍ كان يُدخل عليها، فأنكرَ ذلكَ، فقيلَ لها: أجيبي عمرَ، قالتْ: يا وَيلها، ما لها ولعمرَ، فبينما هي في الطّريقِ ضربها الطَّلقُ، فدخلتْ داراً فألقتْ ولدَها، فصاحَ الصَّبيُّ صحتين وماتَ، فاستشار عمرُ الصَّحابة، فأشارَ عليهِ بعضُهم: أنْ ليسَ عليكَ شيءٌ، إنّما أنتَ والٍ ومُؤدِّبٌ، وقالَ: ما تقولُ يا عليُّ؟، فقالَ: إنْ كانوا قالوا برأيهمْ فقدْ أخطأُوا رأيَهُمْ، وإن كانوا قالوا في هَواكَ، فلمْ يَنْصَحوا إليكَ، أرى أنّ دِينَه عليكَ، لأنك أنتَ أفزعْتَها، وألقتْ ولدَها في سبيلِكَ، فأمرَ عليّاً أن يقسِمَ عقْلَهُ على قُريشٍ، فأخذ عقْلهُ من قريشٍ، لأنهُ أخطأ "
(6)
، وهذا: منقطعٌ، لأنّ الحسنَ لمْ يُدركْ عمرَ بنَ الخطابِ.
قال الربيعُ عن الشافعيِّ: أمّ الخطأُ فلا اختلافَ فيهِ لواحدٍ علمتهُ، في أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قضى فيهِ الدِّيةَ في ثلاث سنينَ، وذلكَ من يومِ موتِ القتيلِ ".
هكذا أضافَ تأجيلَ الدِّية إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقدْ أضافهُ في موضعٍ آخرَ من الرّسالةِ إلى قولِ العامّةِ، وكذا حَكى الإجماعَ على ذلكَ أبو عيسى الترمذيّ في جامعهِ.
عن الشَّعبيِّ، قالَ:" جعلَ عمرُ بنُ الخطابِ الدِّيةَ في ثلاثِ سنينَ: وثُلُثي الدِّيةِ في سنتين، ونصفَ الدِّيةِ في سنتين، وثُلُثَ الدّيةِ في سنةٍ "
(7)
، رواهُ البيهقيُّ، وهو منقطعٌ كما تقدّمَ.
(5)
البخاري (17/ 313).
(6)
البيهقي (8/ 107) معلقاً عن الحسن عن عمر، فذكره باختصار.
(7)
البيهقي (8/ 109)، وكذا عنده عن عليّ (8/ 110).
ورُويَ موصولاً عن عمرَ من وجهٍ آخرَ، لكنْ فيه: الحسنُ بنُ عُمارة - وهو متروكٌ، ورُويَ من وجهٍ آخرَ منقطعٍ عن عليّ.
عن أبي هريرةَ: " أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قضى في جنينِ امرأةٍ من بني لحيان بغُرّة عبدٍ، أو أمةٍ، ثمَّ إنّ المرأة التي قضى عليها بالغُرةِ تُوفّيتْ، فقضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها، وإنّ العقْلَ على عَصبتِها "
(8)
، أخرجاهُ. وقدْ قاسَ أصحابُنا الأبَ على الابنِ بجامعِ ما يشتركان فيهِ، من أنّ كلَّ واحدٍ منهما غنيٌّ بمالِهِ، وإنما جُعِل تحمّلُ العاقلةِ للعَقْلِ تخفيفاً عن الجاني لئلا يذهبَ مالُهُ في الجنايةِ فوُزّعَ عليهم رفقاً بِه.
عن جابرٍ، قالَ:" كتبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على كلِّ بطنٍ عقولَهُ "
(9)
، رواهُ مسلمٌ.
اسْتدلّوا بهِ على تقديمِ الأقربِ فالأقربِ من العصباتِ في القتلِ، وهو عامٌّ في العرب وغيرهم.
تقدَّمَ حديثُ أبي رافعٍ: " موْلى القومِ من أنفسهم "
(10)
، فيُسْتدلُّ بهِ للوجهِ الذي حكاهُ المُصنِّفُ عن بعضِ الأصحابِ: أنَّ المولى من أسفلَ يعقلُ حيثُ جعلهُ من أنفسِ القومِ، فهو لعصَبتهِم، وهو: ضعيفٌ، لأنهُ لا يَلزمُ من كونِهِ من أنفسِهم أنْ يكونَ عصَبةً لهم، وقد قالَ عليه السلام:" ابنُ أختِ القومِ منهم "
(11)
، وليسَ هو من العصبات بلا خلافٍ.
قدْ تقدّمَ: أنَّ والدَ حُذيفةَ لما قُتِلَ يومَ أُحُدٍ ولمْ يعرفْ لهُ قاتلٌ أرادَ عليه السلام أن يَدِيَهُ حتّى تصدّقَ حُذيفةُ بِديتهِ على المسلمين "
(12)
، ففيهِ دلالةٌ على أنهُ إذا لم تكنْ عاقلةٌ، إنهُ في بيتِ المالِ، وكذا حديثُ عبد اللهِ بن سَهْل لما قُتِلَ بخيبرَ، ولمْ يُعرَفْ
(8)
البخاري (24/ 68) ومسلم (5/ 110).
(9)
مسلم (4/ 216).
(10)
تقدم.
(11)
البخاري (23/ 259).
(12)
تقدم.
قاتلُهُ، فكرِهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُطلَّ دمُهُ، فوداهُ بمائةٍ من إبلِ الصَّدقةِ "
(13)
، والحديثُ مبسوطٌ في الصّحيحين.
عن عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ: " أنّ غلاماً لأناسٍ فقراء قطعَ أُذُنَ غلامٍ لأناسٍ أغنياءَ، فأتى أهلُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالو: يا رسولَ اللهِ: إنا أناسٌ فقراءُ، فلمْ يجعلْ عليهِ شيئاً "
(14)
، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وهذا لفْظُهُ، والنسائيُّ.
استنبطَ أبو البركاتِ ابنُ تيميّة: أنّ ما تحملهُ العاقلةُ يسقطُ عنهم لفقرهم.
(13)
البخاري (24/ 58) ومسلم (5/ 100).
(14)
أحمد (16/ 60) وأبو داود (2/ 502) والنسائي (8/ 26).