الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
بابُ: الظِّهار
عن خُوَيْلةَ بنتِ ثَعْلبةَ، قالتْ:" فيَّ واللهِ، وفي أوْسِ بنِ الصّامتِ أنزلَ اللهُ سورةَ المجادلةِ، قالتْ: كنتُ عندَهُ، وكان شيخاً كبيراً قدْ ساءَ خُلُقُهُ، قالتْ: فدخلَ عليَّ يوماً فراجَعْتُهُ بشيءٍ، فغضبَ وقالَ: أنتِ عليّ كظهرِ أُمّي، قالتْ: ثمّ خرجَ فجلسَ في نادي قومِهِ ساعةً، ثمّ دخلَ عليَّ، فإذا هو يريدُني عن نفسي، قالتْ: فقلتُ: كلاّ، والذي نفسُ خُوَيْلةَ بيدِهِ، لا تخلصْ إليَّ وقد قلتَ ما قلْتَ حتّى يحكمَ اللهُ ورسولُهُ فينا بحكمهِ، قالتْ: فواثَبني وامتنعْتُ منهُ، فغلبْتُهُ بما تغلبُ بهِ المرأةُ الشيخَ الضّعيفَ، فألقيتهُ عنّي، ثمّ خرجتُ إلى بعضِ جاراتي، فاستعرْتُ منها ثيابَها، ثمّ خرجتُ حتّى جئتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فجلستُ بينَ يديهِ، فذكرتُ لهُ ما لقيتُ منهُ، فجعلتُ أشكو إليهِ ما ألقى من سوءِ خلقهِ، قالتْ: فجعلَ يقولُ: يا خُوَيْلةُ: ابنُ عمِّكِ شيخٌ كبيرٌ، فاتّقي اللهَ فيهِ، قالتْ: فواللهِ ما بَرِحتُ حتّى نزلَ القرآنُ، فتغَشّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما كانَ يتَغشّاهُ، ثمَّ سُرِّيَ عنهُ، وذكرَت الحديث في نزولِ: " قدْ سمعَ اللهُ قولَ التي تُجادِلُكَ في زَوْجها " - الآية، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فليعتقْ رَقَبَةً، قالتْ: لا يجدُ، قال: فيصومُ شهرينِ مُتتابعينِ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ: إنهُ شيخٌ كبيرٌ ما بهِ من صيامٍ، قالَ: فلْيُطعمْ سِتّينَ مسكيناً، قالتْ: ما عندَهُ من شيءٍ يتَصَدَّقُ بهِ، قالَ: فإني سأعينُهُ بعَرَقٍ من تمرٍ، وقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إني أُعينُهُ بعرَقٍ آخرَ، قالَ: قد أحسنْتِ، اذهبي فأطعمي بها عنهُ ستّينَ مسكيناً، وارجعي إلى ابنِ عمِّكِ "
(1)
، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، ولفظُهُ مجموعٌ من كلٍّ منهما، وإسنادُهُ: مشهورٌ، وله طرقٌ تُقَوّيهِ.
فيُؤخَذُ منهُ عامّةُ أحكامِ هذا البابِ، وفيهِ دلالةٌ على وجوبِ الكَفّارةِ قبلَ الجِماعِ.
(1)
أحمد (18/ 21) وأبو داود (1/ 513).
عن سَلَمةَ بنِ صَخْر البَياضيّ، قالَ: كنتُ امرءاً أُصيبُ من النّساءِ ما لايصيبُهُ غيري، فلما دخلَ شهرُ رمضانَ خفتُ أُصيبُ من امرأتي شيئاً فيتابعُ بي حتّى أُصبحَ، فظاهرتُ منها حتّى ينسلخَ شهرُ رمضانَ، فبينما تخدمُني ذاتَ ليلةٍ إذ تكشّفَ لي منها شيءٌ، فلمْ ألبثْ أن نزوتُ عليْها، فلما أصبحتُ خرجتُ إلى قومي فأخبرتُهم الخبرَ، وذكرَ الحديثَ في ذهابِهِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: أنتَ بذاكَ يا سَلمةُ؟، فقلتُ: أنا بذاكَ يا رسولَ اللهِ مرَّتينِ، وأنا صابرٌ لأمرِ اللهِ، فاحكمْ فيَّ بما أراكَ اللهُ، قالَ: حرِّرْ رَقَبةً، قلتُ: والذي بعثَكَ بالحقِّ، ما أملكُ رقبةً غيرَها، وضربتُ صفْحةَ رَقَبتي، قالَ: فصمْ شهرين مُتتابعينِ، قالَ: وهلْ أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيامِ، قالَ: فأطعمْ وَسْقاً من تمرٍ بينَ سِتّينَ مسكيناً، فقالَ: والذي بعثَكَ بالحقّ: لقد بِتْنا وَحْشين ما لنا من طَعامٍ - وذكرَ الحديثَ "
(2)
، رواهُ أحمدُ، وأبو داود، وابنُ ماجة، والترمذيُّ مُخْتصراً، وقالَ: حسنٌ، وعندَهُ:" فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لعزوةَ بنِ عمْرو: أعطهِ ذلكَ العَرقَ، وهو مِكْتلٌ يأخذُ خَمسةَ عَشرَ صاعاً، أو ستّةَ عشَر صاعاً، فقالَ: أطعمهُ ستّين مسكيناً ".
وللدارَقُطنيِّ: " أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعطاهُ مكْتلاً فيهِ: خمسةَ عشرَ صاعاً، فقالَ: أطعمْ سِتّينَ مسكيناً، وذلكَ لكلِّ مسكينٍ مُدّ "
(3)
.
قلتُ: وإسنادُهُ: جيدٌ، وله طرقٌ مُتعدّدةٌ، وقد دلَّ هذا الحديثُ على صحةِ الظهارِ المُوَقّتِ، وهو الصحيحُ من القولين، وإنّ الكفّارةَ لا تجبُ فيهِ إلا بالجماعِ، وهو أصحُّ الوجهين.
عن عِكْرمةَ عن ابنِ عبّاسٍ: " أنّ رجلاً قالَ: يا رسولَ اللهِ إني ظاهرتُ من امرأتي فوقعتُ عليها قبلَ أن أُكَفِّرَ؟ فقالَ: ما حملَكَ على ذلكَ؟، قالَ: رأيتُ خِلْخالَها في ضوءِ القمرِ، قالَ: فلا تَقْربْها حتّى تفعلَ ما أمركَ اللهُ "
(4)
، رواهُ أهلُ السُّننِ، وقالَ الترمذيُّ: حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
(2)
أحمد (17/ 22) وأبو داود (1/ 513) وابن ماجة (2062) والترمذي (2/ 335).
(3)
الدارقطني (2/ 208) عن أبي هريرة.
(4)
أبو داود (1/ 515) والترمذي (2/ 315) والنسائي (6/ 167) وابن ماجة (2065).
قلتُ: وقد رواهُ أبو داود، والنسائيُّ من حديثِ عِكْرمةَ مُرْسَلاً، قالَ النّسائيّ: وهو أولى بالصوابِ.
قالَ الشافعيُّ رحمه الله: قد شرَطَ اللهُ سبحانَهُ الإيمانَ في عِتقِ الرَّقبةِ في القتلِ، وأطلقَ ذلكَ في الظِّهارِ، قالَ: فلْيُحمَلْ ما أطلقهُ على ما قَيّدَهُ كما شرَطَ العدالة في الشهادةِ في موْضعين، وأطلقَ ذلكَ في ثلاثةِ مواضعَ، قالَ: وأُحبُّ لهُ أن لا يعتقَ إلا بالغةً مؤمنةً، وإن كانتْ أعجميةً فوصَفتْ الإسلامَ أجزأتْهُ، ثمّ استدلَّ على ذلكَ بما رواهُ عن مالكٍ عن هِلالِ بنِ أُسامة عن عطاءِ بنِ يَسارٍ
(5)
عن عمرَ بنِ الحَكمِ: أنهُ قالَ: " أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ: إن جاريةً لي كانت تَرعى غَنماً فجئتُها وقد فُقدتْ شاةٌ من الغَنمِ، فسألتُها عنها، فقالتْ: أكلَها الذئبُ، فأسِفتُ عليها وكنتُ من بَني آدمَ فلطمْتُ وجهَها وعليَّ رقبةٌ، أفأعتِقُها؟، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أينَ اللهُ فقالت: في السّماءِ، فقالَ: منْ أنا؟، قالتْ: رسولُ اللهِ، قالَ: فأعتِقْها، فذكرَ بقية الحديثِ في الطِّيرَةِ "
(6)
.
قالَ الشافعيُّ: اسمُ الرجلِ: معاويةُ بنُ الحكمِ، قلتُ: كذا رواهُ مسلمٌ
(7)
في صحيحهِ عن معاويةَ بنِ الحكمِ السُّلَميّ، وكذا رواهُ يحيى بنُ يحيى وحدَهُ عن مالك، وقالَ سائرُ الرّواةِ عنهُ: عمر بنُ الحكمِ.
قال الشافعيُّ: ففي هذا الحديثِ بيانٌ أنّ من كانتْ عليهِ رقبَةٌ بنذْرٍ أو وجبتْ بغيرِ نَذْرٍ، لمْ يُجزئهُ فيها إلا مؤمنةٌ، ألا ترى أنه يقولُ: " عليَّ رقبَةٌ، لا يذكرُ مؤمنةً. فسأل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صفةِ الإيمانِ، ولو كانتْ غيرَ مؤمنةٍ، قالَ: أعتقْ أيَّ رقبةٍ شئتَ.
قلتُ: وأما الكفّارةُ بالصيامِ أو الإطعامِ، ففي نصِّ القرآنِ وما تقدّمَ من الحديثِ كفايةٌ، واللهُ أعلمُ.
(5)
بالأصل: وعن عمر بن الحكم، وأظنه خطأ، والصواب: عن عمر بن الحكم، وفي رواية غير الإمام مالك: معاوية بن الحكم السلمي، كما في الكبرى للبيهقي (7/ 387) وغيرها.
(6)
الشافعي (5/ 267)، والبيهقي (7/ 387) من طريقه.
(7)
مسلم (2/ 70).