الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
بابُ: ما يجبُ بهِ القصاصُ مِنَ الجِناياتِ
تقدّمَ حديثُ ابنِ مسعود، وأنسٍ بالنفسِ.
وعن عثمانَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ: رجلٍ زَنا بعدَ إحصانٍ فعليهِ الرّجمُ، أو قتلَ عَمْداً، فعليهِ القَودُ، أو ارتدَّ بعدَ إسلامهِ "
(1)
، رواه أحمدُ، والنّسائيُّ، وابنُ ماجة، والترمذيُّ، وقالَ: غريبٌ حسنٌ.
وعن عائشةَ: أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ:" لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث خِصالٍ: زانٍ محصنٍ يُرجَمُ، ورجلٍ قتلَ متعمِّداً فَيُقْتلُ، ورجلٍ يخرج من الإسلامِ، حاربَ الله ورسوله، فيقْتلُ أو يُصْلبُ أو يُنفى من الأرضِ "
(2)
رواهُ أبو داودَ، والنسائيُّ، وهذا لفْظُهُ.
عن القاسم بنِ رَبيعةَ، عن عُقْبةَ بنِ أوسٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:" ألا، وإنَّ قتيلَ الخطأ شبهَ العمْدِ ما كانَ بالسَّوطِ والعَصا، مائةٌ من الإبلِ، منها أربعون في بطونِها أولادُها "
(3)
، رواهُ أحمدُ، وأهلُ السُّننِ إلا الترمذيَّ، وفي إسنادِ هذا الحديثِ اختلافٌ كثيرٌ، ليسَ هذا موضعَ بسطهِ، والغرضُ منهُ أنهُ ليسَ في شبهِ العمدِ قودٌ.
عن أنسٍ: " أنّ يهودياً رضَّ رأسَ جاريةٍ على أوضاحٍ لها، فقيلَ: منْ فعلَ هذا بكِ؟، فلانٌ، فلانٌ؟ حتّى ذُكر اليهوديُّ، فأشارتْ برأسِها: أن نعَمْ، فأُخذَ اليهوديُّ
(1)
أحمد (16/ 8) والنسائي (7/ 103) وابن ماجة (2533) والترمذي (3/ 212).
(2)
أبو داود (2/ 440) والنسائي (7/ 102).
(3)
أحمد (16/ 51) وأبو داود (2/ 492) والنسائي (8/ 40) وابن ماجة (2627).
فاعترَفَ، فأمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رأسُهُ بينَ حَجرين "
(4)
، أخرجاهُ. ففيهِ القَودُ بالمثقلِ، وإن الرّجلَ يُقْتلُ بالمرأةِ.
تقدَّمَ حديثُ: " رفعَ عن أُمتي الخطأ، والنسيانُ، وما استكرِهوا عليه "
(5)
، فيُؤخذُ منهُ أنّ المكرَهَ على القتلِ، لا يُقْتلُ، وهو أحدُ القولين، وكذا الحديثُ الذي رواهُ أحمد من حديثِ يزيدَ بنِ عبد الله عن رجلٍ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ:" سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن القاتلِ والآمرِ، فقالَ: قُسمت النّارُ سبعين جُزءاً، فللآمرِ تِسْعٌ وستّون، وللقاتلِ جزءٌ، وحَسْبُهُ "
(6)
.
وقالَ الشافعيُّ: فيما بلغَهُ عن حمّادٍ عن قتادةَ عن خِلاسٍ عن عليٍّ: " إذا أمر الرجلُ عبدَهُ أن يقتلَ رجلاً، إنما هو كسيفِهِ أو سَوْطهِ، يُقْتلُ السيّدُ، ويُحبسُ العبدُ "
(7)
.
قالَ ابنُ المنذرِ: وهذا قولُ أبي هريرةَ، وبهِ يقولُ الشافعيُّ فيما إذا كان العبدُ أعجمياً أو صبيّاً.
عن عليّ: " بعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سريّةً واستعملَ عليهِم رجلاً من الأنصارِ، وأمرَهمْ أن يَسمعوا لهُ ويُطيعوا، فأغضبوهُ في شيءٍ، فقالَ: اجمعوا لي حَطباً، فجمعوا لهُ، ثمّ قالَ: أوقِدوا ناراً، فأوقدوا، ثمّ قالَ: ألمْ يأمرْكُمْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتُطيعوا؟، قالوا: بلى، قالَ: فادخلوها، فنظرَ بعضُهم إلى بعضٍ، وقالوا: إنّما فرَرْنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من النّارِ، فكانوا كذلك حتى سكنَ غضبُهُ، فطُفئتْ النّارُ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: لو دَخلوها ما خرجوا منها أبداً، وقالَ: لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ اللهِ، إنّما الطاعةُ في المعروفِ "
(8)
، أخرجاهُ. يُؤخذُ منه: أنّ مَنْ أمرهُ السُّلطانُ
(4)
البخاري (12/ 252) ومسلم (5/ 104).
(5)
تقدم.
(6)
أحمد (16/ 5).
(7)
الشافعي (7/ 177 الأم)، والبيهقي (8/ 50) من طريقه، وقال: قالَ الشافعي: قال حمّاد، فذكره بمثله، وقال الشافعي في " الأم ": أخبرنا حماد فذكره.
(8)
البخاري (24/ 225) ومسلم (6/ 15).
بقتلِ رجلٍ بغيرِ حقٍّ، والمأمورُ يعلمُ ذلكَ: أنّ عليهِ القَودُ.
عن إسماعيلَ بنِ عيّاشٍ عن ابن جُريْجٍ عن عطاءٍ عن عليٍّ: " أنه قَضى في رجلٍ قتلَ رجلاً مُتعمّداً، وأمسكهُ آخرُ: يُقْتلُ القاتلُ، ويُحْبسُ الآخرُ حتّى يموتَ "
(9)
رواه الشافعيُّ عن محمد بن الحسنِ عن إسماعيل، وقالَ: روايةُ إسماعيلَ عن ابنِ جُريجٍ ضعيفةٌ، وعطاءٌ عن عليٍّ: مُرْسلٌ.
قالَ البيهقيُّ: وقد رواهُ الثَّوريُّ عن جابرٍ الجُعْفيِّ عن الشَّعبي عن عليٍّ، وجابرٌ، لا يُحتجُّ به.
وقد رواهُ الدارقُطنيُّ من حديثِ أبي داودَ الحفريِّ عن الثَّوري عن إسماعيلَ بنِ أُميّة عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ: أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ:" إذا أمسكَ الرّجلُ الرجلَ، وقتلهُ الآخرُ، يُقْتلُ الذي قتلَ، ويُحبسُ الذي أمسك "
(10)
، وهذا الإسنادُ على شرطِ مسلمٍ، لكنْ قالَ البيهقيُّ: رواهُ غيرُ أبي داودَ الحفري عن الثوريِّ، وغيرهِ عن إسماعيلَ بنِ أميّةَ مُرْسلاً، وهذا: هو الصحيحُ، وهو كما قال.
قالَ الشافعيُّ: أخبرنا سفيانُ عن مُطرِّفٍ عن الشَّعْبيِّ: " أنّ رجلين أتيا عليّاً، فشهدا على رجلٍ: أنهُ سرقَ، فقطعَ عليٌّ يدَهُ، ثمّ أتياهُ بآخرَ، فقالا: هذا الذي سرقَ، وأخطأنا على الأوّلِ، فلمْ يُجزْ شهادَتهما على الآخرِ، وغرَّمَهما ديةَ الأوّلِ، وقالَ: لو أعلمُ أنكُما تعمَّدْتما لقَطعْتُكما "
(11)
، ذكرهُ البخاريُّ في ترجمةِ البابِ.
ويُؤيدُ ذلكَ: ما رواهُ أحمدُ وابن ماجة، عن أبي هريرة، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " من أعانَ على قتلِ مؤمنٍ بشطرِ كلمةٍ لقيَ اللهَ مكتوباً بينَ عينيهِ: آيسٌ من رحمةِ اللهِ "
(12)
.
(9)
الشافعي (7/ 231 الأم)، والبيهقي (8/ 50).
(10)
الدارقطني (3/ 140)، والبيهقي (8/ 50)، ورجح المرسل.
(11)
البخاري (24/ 55)، والشافعي (7/ 181 الأم).
(12)
أحمد (. . .) وابن ماجة (2620)، قال في الزوائد: يزيد بن أبي زياد بالغوا في تضعيفه حتى قيل: كأنه حديث موضوع.
عن أبي سلمةَ بنِ عبد الرحمن: " أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهدتْ لهُ يهوديةٌ بخيبرَ شاةً مَصْليّةً نحوَ حديثِ جابرٍ، قالَ: فماتَ بشْرُ بن البَراءِ بنِ مَعْرورٍ الأنصاريُّ، فأرسلَ إلى اليهوديّة: ما حملك على ما صنعتِ؟، فذكرَ نحو حديثِ جابرٍ، فأمرَ بها صلى الله عليه وسلم فقُتِلتْ "
(13)
، هكذا رواه أبو داود في السّننِ، وهو من أحسنِ المرْسلاتِ، وقدْ أسندَهُ الطَّبرانيُّ عن أبي هريرةَ، لكنْ في إسنادِهِ: سعيدُ بن محمدٍ الورّاقُ، وفيهِ ضعفٌ.
ففيهِ أن مَنْ خلطَ السم بطعام، فأطعَمهُ رجلًا فماتَ: أنهُ يُقتلُ بهِ، ولا تعارضَ بينَ هذا وبينَ ما أخرجاهُ في الصحيحين عن أنس: "أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عفا عنها
(14)
، لأن ذلكَ كانَ قبلَ أن يموتَ بِشْرُ بن البَراءِ، فعفا عن حقه عليه السلام، فلما ماتَ بِشْرُ تعينَ عليهِ القصاصُ فقتلها".
عن جُندُبٍ الأزديّ: " سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: " حدُّ السّاحرِ ضربة بالسيفِ "
(15)
، رواهُ الترمذيُّ من حديثِ إسماعيلَ بنِ مسلمٍ عن الحسنِ عنهُ، وقالَ: لا نعرفُهُ إلا مِن هذا الوجهِ، وإسماعيلُ بنُ مُسلمٍ يُضعَّفُ في الحديثِ، والصحيحُ عن الحسنِ عن جُندُبٍ موقوفٌ.
وقد رواهُ الدارقطنيُّ من حديثِ أبي عثمانَ النَّهْديِّ عن جُندُبٍ موقوفاً أيضاً، وفيه قصةُ السّاحرِ الذي كانَ يلعبُ بينَ يدي الوليدِ بنِ عُقبة، وهي مشهورةٌ ولها طرقٌ عديدةٌ، وهي من الغرائبِ، وقدْ ذكرَها أصحابُ السِّيرِ وغيرهم.
وقالَ الشافعيُّ: حدَّثنا سفيانُ عن عَمرٍو: أنهُ سمعَ بجالةَ بنَ عبدةَ يقولُ: " كتب إلينا عمرُ: أنْ اقتلوا كلَّ ساحرٍ وساحرةٍ، قالَ: فقتلْنا ثلاثَ سواحرَ "
(16)
، ورواهُ البخاريُّ.
(13)
أبو داود (2/ 482) والطبراني (1202)، وأخرجه البيهقي (8/ 46) مسنداً عن أبي هريرة من غير طريق سعيد الوراق، برواة: ثقات، وقوله في الأصل: نحو حديث جابر مرتين مع عدم سبق ذكره غريب، وفيه نظر.
(14)
البخاري (15/ 91)، ومسلم (7/ 15).
(15)
الترمذي (3/ 10) والدارقطني (3/ 114)، والبيهقي (8/ 136) من طريقه.
(16)
الشافعي (8/ 470 الأم مع المسند)، والبيهقي من وجهين عن سفيان به، أحدهما من طريق الشافعي (8/ 136)، ولم يرو البخاري (3156) إلا التفريق بين ذوي المحارم.
قالَ الشافعيُّ: أخبرنا مالكٌ عن يحيى بن سعيدٍ عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ: " أنَّ عمرَ ابنَ الخطابِ قتلَ نفراً خمسةً أو سبعةً برجلٍ قتلوهُ غِيلةً، وقالَ: لو تمالأ عليهِ أهلُ صَنعاءَ لقتَلتُهمْ جميعاً "
(17)
.
وعن ابنِ عمرَ: " أنّ غلاماً قُتِلَ غيلةً، فقالَ عمرُ: لوْ اشتركَ فيهِ أهلُ صنعاءَ لقتلتُهم "
(18)
رواهُ البخاريُّ، ثمَّ قالَ: وقالَ مُغيرةُ بنُ حكيمٍ عن أبيهِ: أنّ أربعةً قتلوا صبيّاً، فقالَ عمرُ: مثلَهُ ".
قلتُ: وقد رُويَ مثلُ هذا عن عليّ، والمغيرةِ بنِ شُعبةَ، وهو قولُ ابنِ المسيَّبِ، والحسنِ، والشَّعبيِّ، وأبي سَلمةَ بنِ عبد الرحمنِ، وجمهورِ أهلِ العلمِ، وقدْ وردَتْ أحاديثُ تُقَوّي ذلكَ.
فعن عبد الله بن عمرو عن النبيِّ عليه السلام، قالَ:" لزوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ المؤمنِ "
(19)
، رواهُ الترمذيُّ، والنسائيُّ بإسنادٍ جيدٍ، ولكنْ رواهُ موقوفاً، قال الترمذيُّ: وهو أصحُّ.
وقدْ وردَ من حديثِ بُرَيْدةَ بنِ الحُصيْبِ، والبراءِ بنِ عازبٍ، وابنِ عباسٍ، وأبي ذَرٍّ.
وعن أبي هريرةَ، وأبي سعيدٍ، قالا: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لوْ أنّ أهلَ السّماءِ وأهل الأرضِ اشتركوا في دمِ مؤمنٍ أكَبَّهُمُ اللهُ في النارِ "
(20)
، رواهُ الترمذيُّ، وقالَ: غريبٌ.
قلتُ: وفي إسنادهِ: يزيدُ الرِّقاشيُّ عن أبي الحكم وهو: عبدُ الرحمن بنُ أبي نُعْمٍ، عنهما، ويزيدُ: ضعيفٌ جداً، ولكنْ هذهِ الأخبارُ يشدُّ بعضُها بعضاً.
(17)
الشافعي (6/ 19)، والبيهقي (8/ 41) من طريقه.
(18)
البخاري (24/ 55)، والبيهقي (8/ 41) من الطريقين اللذين في البخاري ووصل طريق مغيرة.
(19)
الترمذي (2/ 426) والنسائي (7/ 82).
(20)
الترمذي (1398)، وانظر البيهقي 8/ 22.
عن طاوسٍ: " أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: " لا قِصاصَ في ما دونَ الموضحةِ من الجِراحاتِ "
(21)
، رواهُ البيهقيُّ، وقالَ: قد رُويَ في هذا آثارٌ يُقَوِّي بعضُها بعضاً.
قالَ تعالى: " وكَتَبْنا عليْهم فيها أنَّ النَّفسَ بالنَّفْسِ والعينَ بالعَيْنِ والأنْفَ بالأنْفِ والأُذُنَ بالأُذُنِ والسِّنَّ بالسِّنِّ والجُرُوحَ قِصاصٌ ".
فهذهِ الآيةُ يرجعُ عامّةُ أحكامِ البابِ إليها، وقدْ حَكى ابنُ الصّباغِ الإجماع على الاحتجاجِ بهذهِ الآيةِ وإنْ كانتْ مَحْكيةً عن شرعِ منْ قبلنَا، وذلكَ لِما اعتضَدَتْ بهِ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ:" أنَّ الرُّبيِّعَ بنتَ النّضرِ كسرَتْ ثَنيّةَ جاريةٍ من الأنصارِ، فجاؤوا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وطلبوا القِصاصَ، فقَضى لهُمْ بالقِصاصِ فقالَ أنسُ بنُ النَّضرِ: يا رسولَ اللهِ: أتكْسَرُ ثنيّة الرُّبَيِّع؟، لا، والذي بعثَكَ بالحقِّ لا تُكْسَرُ ثَنِيّتُها، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يا أنسُ: كتابُ اللهِ القِصاصُ، فرضيَ القومُ وعفوا، فقالَ عليه السلام: إنّ مِن عبادِ اللهِ منْ لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ "
(22)
، أخرجاهُ.
وليسَ في القرآنِ آيةٌ يُذكرُ فيها السِّنُّ سوى هذهِ الآية فتعيَّنَ الاحتجاجُ بها.
(21)
البيهقي (8/ 65).
(22)
البخاري (13/ 280) ومسلم (5/ 8) عن أم الربيع وهي التي أقسمت.