الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة حول أقسام القرآن الكريم وتحديد قسمي المثاني والمفصل وسبب تسمية قسم المثاني بهذا الاسم]
قال ابن كثير: (قال أبو عبيد: حدثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي عن أحمد ابن شعيب عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت السبع الطول مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضّلت بالمفصّل». هذا حديث غريب وسعيد بن أبي بشير فيه لين. وقد رواه أبو عبيد الله عن عبد الله بن صالح عن الليث عن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكره، والله أعلم. أقول: وقد وصف الغماري هذا الحديث بالحسن) أ. هـ.
ومن خلال دراستنا للقرآن نجد فعلا أن للقرآن أقساما:
فالقسم الأول الذي يشمل السبع الطوال، تجده يشكل نوعا من التكامل والتفصيل.
والقسم الثاني المبدوء بسورة يونس، والمنتهي بسورة القصص، يشكّل نوعا من التكامل والتفصيل.
إنك عند ما تبدأ تتلو سورة يونس تحسّ من خلال أوائل السورة أنك أمام قسم جديد، وعند ما تنتهي من سورة القصص تجد نفسك أنك أمام قسم جديد يبدأ ب (الم) ....
إلا أنّ أيّ قسم لاحق لا يعني انفصالا عن قسم سابق بل كل قسم يفصّل معاني على حسب نظام معيّن، ونسق معيّن، هو النسق الذي خص الله عز وجل به سورة البقرة، مع تكامل الأقسام مع بعضها.
وقد رأينا أن الحديث الشريف الذي مرّ معنا قد ذكر أربعة أقسام: قسم الطول، وقسم المئين، وقسم المثاني، وقسم المفصّل، وفي اجتهادنا أنّه بسورة القصص ينتهي القسم الثاني- قسم المئين الذي جاء بعد قسم الطول- وبقي عندنا قسم المثاني، وقسم المفصّل، وللعلماء خلاف حول المفصّل من أين يبدأ. قال صاحب نيل الأوطار:
(قال في الضياء: هو من سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر القرآن
…
وذكر في القاموس أقوالا عشرة: من الحجرات إلى آخره
…
أو من الجاثية، أو القتال، أو ق،
أو الصافات، أو الصف، أو تبارك، أو الفتح، أو الأعلى، أو الضحى، ونسب بعض هذه الأقوال إلى من قال بها قال: وسمّي مفصلا لكثرة الفصول بين سوره أو لقلة المنسوخ) وقال في مراقي الفلاح- أحد كتب الحنفية-: (والمفصّل هو السبع السابع، وقيل: أوله- عند الأكثرين- من سورة الحجرات، وقيل: من سورة محمد صلى الله عليه وسلم، أو من الفتح، أو من ق. فالطوال (أي طوال المفصّل) من مبدئه إلى البروج، وأوساطه منها إلى (لم يكن) وقصاره منها إلى آخره
…
).
ومن الاختلاف الكثير في المفصّل نعلم أنّ المسألة اجتهادية، وأكثر الأقوال أن المفصّل من بعد الحجرات، وعلى هذا القول فإن (ق) تكون من المفصّل إلا أننا نستبعد ذلك؛ لأنّنا نرى أن (ق) جزء مما قبلها؛ فهي امتداد للحواميم؛ بدليل أن سورة الشورى مبدوءة ب حم عسق وسنبرهن على هذا الموضوع فيما بعد، ومن ثمّ فإنّنا نرى أن المفصّل هو من بعد (ق) فهو إذن من سورة (الذاريات) فهو يشمل أربعة أجزاء ونيّفا، وذلك يعدل السبع إلا قليلا من مجموع القرآن.
....
ولا شك أنّ الأقوال القائلة بأن بداية المفصّل من (الضحى) أو من (الأعلى) ليست صحيحة، لأنّه من المتعارف عليه أن سورة الملك يطلق عليها اسم (تبارك المفصّل)، وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، وأن الأقوال القائلة بأنّ ابتداء المفصّل من (إنا فتحنا)، أو من سورة محمد صلى الله عليه وسلم مردودة؛ لأنّها قبل (ق) وهذا موضوع سنراه فيما بعد مع أدلته، وكذلك القول بأن بداية المفصّل من الجاثية مردود؛ لأن الجاثية من الحواميم، فهي جزء من مجموعة، بل هي آتية في وسط مجموعة وليست بداية لقسم.
....
إنّ المفصّل في اجتهادنا يبدأ بسورة الذاريات، وسنبرهن على ذلك أكثر من مرّة، وعلى هذا فالقسم الثالث من أقسام القرآن- والمسمّى بالمثاني- يكون من سورة العنكبوت إلى نهاية سورة (ق).
....
ومن تسمية القسم الثالث بالمثاني ندرك أن هناك معاني ستثنّى وتثنّى فيه. ومن ثمّ
فإننا سنلاحظ- كما لاحظنا في القسم الثاني- أنه مؤلف من مجموعات، كل مجموعة تؤدّي دورها فيه ضمن السياق القرآني العام.
....
ونحب ابتداء أن نسجّل ملاحظات، ندرك من خلالها لم سمي هذا القسم بالمثاني، إنّك تجد في المجموعة الأولى من هذا القسم والتي هي- كما سنرى- تمتدّ من سورة العنكبوت حتى نهاية سورة (يس) أربع سور مبدوءة ب (الم)، بينما قسم الطول لم ترد فيه (الم) إلا مرّتين، مرة في سورة البقرة، ومرة في سورة آل عمران.
وفي هذه المجموعة ترد سورتان مبدوءتان ب (الحمد لله) بينما لا نجد في قسم الطول إلا سورة واحدة هي الأنعام مبدوءة ب (الحمد لله)، ولا تجد في قسم المئين إلا سورة واحدة مبدوءة ب (الحمد لله) هي الكهف.
ونجد في قسم المثاني سبع سور مبدوءة ب (حم)؛ مما يشير إلى وحدة الزمرة، ووحدة معانيها. من مثل هذه الملاحظات نعرف بعض السرّ في تسمية هذا القسم بالمثاني.
....
لقد استأنسنا في تحديدنا لأقسام القرآن بنصوص وبعلامات ثمّ بالمعاني، فمثلا وجود (الم) في بداية سورة العنكبوت، وعدد آيات سورة القصص، كل ذلك كان عاملا من عوامل تحديد بداية قسم المثاني، ونهاية قسم المئين، والمعاني هي التي أكملت الدليل كما رأينا وكما سنرى.
يتألف قسم المثاني من خمس مجموعات، كل مجموعة تفصّل في سورة البقرة نوع تفصيل، فهي تبدأ في تفصيل الآية الأولى منها ثمّ وثمّ، ثمّ تأتي المجموعة الثانية، فتبدأ التفصيل من البداية وهكذا، وذلك كذلك سبب من أسباب تسمية هذا القسم بالمثاني، وسنرى كيف أن المعاني هي التي ستحدّد لنا بدايات المجموعات ونهاياتها.
ولنبدأ بعرض المجموعة الأولى من قسم المثاني.