الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتألف سورة السجدة من مقدمة وثلاث مجموعات وها نحن نبدأ بعرض المقدّمة.
مقدمة سورة السجدة وتتألف من ثلاث آيات وهذه هي مع البسملة:
بسم الله الرحمن الرحيم
32/ 3 - 1
التفسير:
الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك فيه ولا مرية أنه منزل مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ لأنه معجز للبشر ومثله أبعد شئ من الريب
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ أي اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم، معناه: بل يقولون افتراه وفي ذلك إنكار لقولهم وتعجيب منهم لظهور إعجازه في عجز بلغائهم عن مثل سورة منه بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لا كما ادّعوا تعنّتا وجهلا أنّ محمّدا افتراه، ثمّ بيّن الله الحكمة في إنزاله فقال: لِتُنْذِرَ قَوْماً أي العرب بخاصّة ابتداء ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أي لعلهم يتّبعون الحق.
نقل: قال صاحب الظلال مفسّرا هذه الآيات:
(«ألف. لام. ميم» .. هذه الأحرف التي يعرفها العرب المخاطبون بهذا الكتاب؛ ويعرفون ما يملكون أن يصوغوا منها ومن نظائرها من كلام، ويدركون الفارق الهائل بين ما يملكون أن يصوغوه منها وبين هذا القرآن؛ وهو فارق يدركه كل خبير بالقول، وكل من يمارس التعبير باللفظ عن المعاني والأفكار. كما يدرك أن
في النصوص القرآنية قوة خفية، وعنصرا مستكنا، يجعل لها سلطانا وإيقاعا في القلب والحس ليسا لسائر القول المؤلف من أحرف اللغة، مما يقوله البشر في جميع الأعصار.
وهي ظاهرة ملحوظة لا سبيل إلى الجدال فيها، لأن السامع يدركها، ويميزها، ويهتز لها، من بين سائر القول، ولو لم يعلم سلفا أن هذا قرآن! والتجارب الكثيرة تؤكد هذه الظاهرة في شتى أوساط الناس.
والفارق بين القرآن وما يصوغه البشر من هذه الحروف من كلام، هو كالفارق بين صنعة الله وصنعة البشر في سائر الأشياء. صنعة الله واضحة مميزة، لا تبلغ إليها صنعة البشر في أصغر الأشياء. وأن توزيع الألوان في زهرة واحدة ليبدو معجزة لأمهر الرسامين في جميع العصور ..
ألف. لام. ميم .. تَنْزِيلُ الْكِتابِ- لا رَيْبَ فِيهِ- مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ
…
قضية مقطوع بها، لا سبيل إلى الشك فيها. قضية تنزيل الكتاب من رب العالمين ..
ويعجّل السياق بنفي الريب في منتصف الآية، بين المبتدأ فيها والخبر، لأن هذا هو صلب القضية، والنقطة المقصودة في النص. والتمهيد لها بذكر هذه الأحرف المقطّعة يضع المرتابين الشاكّين وجها لوجه أمام واقع الأمر، الذي لا سبيل إلى الجدل فيه. فهذا الكتاب مصوغ من جنس هذه الأحرف التي يعرفون؛ ونمطه هو هذا النمط المعجز الذي لا يمارون في إعجازه، أمام التجربة الواقعة، وأمام موازين القول التي يقر بها الجميع.
إن كل آية وكل سورة تنبض بالعنصر المستكن العجيب المعجز في هذا القرآن؛ وتشي بالقوة الخفية المودعة في هذا الكلام. وإن الكيان الإنساني ليهتز ويرتجف ويتزايل ولا يملك التماسك أمام هذا القرآن، كلّما تفتّح القلب، وصغا الحس، وارتفع الإدراك، وارتقت حساسية التلقي والاستجابة. وإن هذه الظاهرة لتزداد وضوحا كلما اتسعت ثقافة الإنسان، ومعرفته بهذا الكون وما فيه ومن فيه. فليست هي مجرد وهلة تأثرية وجدانية غامضة. فهي متحققة حين يخاطب القرآن الفطرة خطابا مباشرا.
وهي متحققة كذلك حين يخاطب القلب المجرب، والعقل المثقّف، والذهن الحافل بالعلم والمعلومات. وإن نصوصه ليتّسع مدى مدلولاتها ومفهوماتها وإيقاعاتها على السواء كلما ارتفعت درجة العلم والثقافة والمعرفة، ما دامت الفطرة مستقيمة
لم تنحرف ولم تطمس عليها الأهواء مما يجزم بأن هذا القرآن [غير بشري] على وجه اليقين، وأنه تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين.
أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ!.
ولقد قالوها فيما زعموه متعنّتين. ولكن السياق هنا يصوغ هذا القول في صيغة المستنكر لأن يقال هذا القول أصلا: أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ؟ .. هذه القولة التي لا ينبغي أن تقال؛ فتاريخ محمد- صلى الله عليه وسلم فيهم ينفي هذه الكلمة الظالمة من جهة؛ وطبيعة هذا الكتاب ذاتها تنفيه أصلا، ولا تدع مجالا للريب والتشكك:
بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.
الحق .. بما في طبيعته من صدق ومطابقة لما في الفطرة من الحق الأزلي؛ وما في طبيعة الكون كله من هذا الحق الثابت، المستقر في كيانه، الملحوظ في تناسقه، واطراد نظامه، وثبات هذا النظام، وشموله وعدم تصادم أجزائه، أو تناثرها، وتعارف هذه الأجزاء وتلاقيها.
الحق .. بترجمته لنواميس هذا الوجود الكبير ترجمة مستقيمة؛ وكأنما هو الصورة اللّفظية المعنوية لتلك النواميس الطبيعية الواقعية العاملة في هذا الوجود.
الحق .. بما يحققه من اتصال بين البشر الذين يرتضون منهجه وهذا الكون الذي يعيشون فيه ونواميسه الكلّية، وما يعقده بينهم وبين قوى الكون من سلام وتعاون وتفاهم وتلاق. حيث يجدون أنفسهم في صداقة مع كل ما حولهم من هذا الكون الكبير.
الحق .. الذي تستجيب له الفطرة حين يلمسها إيقاعه، في يسر وسهولة، وفي غير مشقة ولا عنت. لأنه يلتقي بما فيها من حق أزلي قديم.
الحق .. الذي لا يتفرّق ولا يتعارض وهو يرسم منهاج الحياة البشرية كاملا؛ ويلحظ في هذا المنهاج كل قواها وكل طاقاتها، وكل نزعاتها وكل حاجاتها، وكل ما يعتورها من مرض أو ضعف أو نقص أو آفة، تدرك النفوس وتفسد القلوب.
الحق .. الذي لا يظلم أحدا في دنيا أو آخرة. ولا يظلم قوة في نفس ولا طاقة.
ولا يظلم فكرة في القلب أو حركة في الحياة، فيكفها عن الوجود والنشاط، ما دامت