الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن المعاصي التي هي كأسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف، ويشتغل بالطاعات التي هي كحفظ الصحة، ومن لم يقو إيمانه به كان حاله على العكس، فشابه الاعتراف به بالقلب الذي بصلاحه يصلح البدن، وبفساده يفسد، وجوز أن يقال وجه الشبه بالقلب أن به صلاح البدن وفساده، وهو غير مشاهد في الحس، وهو محل لانكشاف الحقائق والأمور الخفية، وكذا الحشر من المغيبات، وفيه يكون انكشاف الأمور والوقوف على حقائق المقدور، وبملاحظته وإصلاح أسبابه تكون السعادة الأبدية، وبالإعراض عنه وإفساد أسبابه يبتلى بالشقاوة السرمدية. وفي الكشف: لعل الإشارة النبوية في تسمية هذه السورة قلبا، وقلب كل شئ لبه وأصله الذي ما سواه إما من مقدماته، وإما من متمماته إلى ما أسلفناه في تسمية الفاتحة بأم القرآن من أن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد، وذلك بالتحقق والتخلق المذكورين هنالك، وهو المعبر عنه بسلوك الصراط المستقيم، ومدار هذه السورة الكريمة على بيان ذلك أتم بيان. اه).
(ووجه اتصالها بما قبلها على ما قاله الجلال السيوطي أنه لما ذكر في سورة فاطر قوله سبحانه وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ وقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ
نَذِيرٌ
إلى قوله سبحانه: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وأريد به محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أعرضوا عنه وكذبوه افتتح هذه السورة بالإقسام على صحة رسالته عليه الصلاة والسلام، وأنه على صراط مستقيم، لينذر قوما ما أنذر آباؤهم وقال سبحانه في فاطر:
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ وفي هذه السورة وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ إلى غير ذلك ولا يخفى أن أمر المناسبة يتم على تفسير النذير بغيره صلى الله عليه وسلم أيضا فتأمل).
3 - ومن كلام صاحب الظلال في تقديمه لهذه السورة:
(هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة. وإيقاعات سريعة. ومن ثمّ جاء عدد آياتها ثلاثا وثمانين. بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها- سورة فاطر- وعدد آياتها خمس وأربعون. وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص، فتتلاحق إيقاعاتها، وتدق على الحس دقات متوالية، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها. وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار).
(هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة- بصفة خاصة- ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها. ومن مصارع الغابرين على مدار القرون. ثم من المشاهد الكونية الكثيرة المتنوعة الموحية: مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة. ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام. ومشهد الشمس تجري لمستقر لها. ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم. ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين. ومشهد الأنعام مسخرة للآدميين. ومشهد النطفة ثم مشهدها إنسانا وهو خصيم مبين! ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون!).
(وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظه: منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله بكفرهم فلم تعد تنفعهم الآيات والنذر:
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ* وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله لا يداريها منه ستار .. ومنها تصوير وسيلة الخلق بكلمة لا تزيد: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ. فَيَكُونُ .. وكلها مؤثرات تلمس القلب البشري وهو يرى مصداقها في واقع الوجود.).
…
ولنبدأ عرض السّورة.