الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المجموعة الثالثة من المقطع الثالث
إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ما غاب فيهما عنكم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي يعلم ما تكنّه السرائر وما تنطوي عليه الضمائر، وسيجازي كل عامل بعمله
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ. قال النسفي: (والمعنى أنه جعلكم خلفاء في أرضه، قد ملّككم مقاليد التصرّف فيها، وسلّطكم على ما فيها، وأباح لكم منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة) فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أي فمن كفر منكم وغمط مثل هذه النعمة فوبال كفره راجع عليه، ومقت الله وخسارة الآخرة كما قال تعالى: وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وهو أشدّ البغض وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً أي هلاكا وخسرانا
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ أي آلهتكم التي أشركتموهم في العبادة الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام والأنداد أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أي أخبروني عن هؤلاء الشركاء، وعما استحقوا به الشركة، أروني أي جزء من أجزاء الأرض استبدّوا بخلقه دون الله أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أي أم لهم شركة في خلق السموات أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ أي أمعهم كتاب من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه، فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب بَلْ إِنْ أي ما يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً أي ما يعد الزعماء للأتباع إلا باطلا وزورا. قال ابن كثير:(أي بل إنما اتبعوا في ذلك أهواءهم وآراءهم وأمانيّهم التي تمنّوها لأنفسهم وهي غرور وباطل وزور).
كلمة في السياق: [حول صلة المجموعة ببقية مجموعات المقطع وبالمحور، ثم عرض لمضمون المجموعة]
1 -
تألفت هذه المجموعة من ثلاث آيات. آية عرّفت على الله بما يزيد المؤمنين خشية، وآية ذكّرت بنعم الله بما يزيد المؤمنين رغبة، وآية أقامت الحجة على الشرك بما لا مزيد عليه، وفي كل ذلك نوع تعريف على الله، وصلة ذلك بسياق السورة لا يخفى فهذه هي مضامين السورة الرئيسية، ولو أننا تذكرنا أول مقطع في السورة لرأيناه يدعو إلى تذكّر نعمة الله وإلى توحيده.
2 -
رأينا أن محور السورة هو قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وفي هذه المجموعة ورد قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي
الْأَرْضِ ثم بنى على هذا فقال: فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وهذا يؤكد أنّ سورة فاطر تبيّن لنا ما تستلزمه معرفة الله، وما تستلزمه نعمه من قيام بحقّه، من شكره وإيمان برسله، وسير في طريقه. وقد رأينا في هذا المقطع أن بداية ذلك كله هو الخشية؛ إذ بدونها لا يقبل أحد نذارة الرسول، ومن ثمّ فإن السياق يذكر لنا كل ما يبعث على هذه الخشية.
3 -
من خلال هذه المجموعة ندرك أن هناك ترابطا بين معرفة الله، وبين شكره وتوحيده عز وجل، يدلّنا على ذلك تسلسل الآيات الثلاث في المجموعة، ويدل السياق أنّ بين هذه الثلاثة وبين خشيته تعالى ترابطا، فمن لم تجتمع له هذه الأربعة فهو مقصّر في التكليف.
4 -
والآن لنتساءل ما هي صلة مجموعات هذا المقطع ببعضها بعد أن ركّزنا فيما مضى على صلة المجموعات بسياق السورة؟
بدأ المقطع بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. ثم تحدّث عن مظهر من مظاهر غناه وافتقارنا بقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. ثم تحدّث عن مظهر من مظاهر غناه بقوله: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ .... ثم تحدّث عن مظهر من مظاهر غناه وافتقار خلقه إليه بقوله: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ .... ثم تحدّث عن مظهر من مظاهر غناه وافتقارنا بقوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ .... وسيأتي في أول المجموعة القادمة مظهر من مظاهر افتقارنا وغناه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا .... وهكذا فالصلة بين مجموعات السورة ومقدمة المقطع قائمة.
***