الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في السياق:
جاء قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
…
بين آيتين مبدوأتين بقوله تعالى: وَاللَّهُ
…
آية دلّلت على مجئ اليوم الآخر، وآية ذكّرت بابتداء خلق الإنسان من تراب، وبأن الأعمار بيد الله، وفي التذكير باليوم الآخر، وفي التذكير بابتداء خلق الإنسان من تراب، وفي التذكير بكون الأعمار بيد الله، تذكير للإنسان ألّا يطلب العزة إلا بالله ومن الله. إن حكمة مجئ الآية التي تتحدث عن العزة بين هاتين الآيتين العظيمتين هي أن تقطع من النفس البشرية عوامل طلب العزة من غير طريق الإيمان، وكل ذلك قد جاء في سياق النهي عن الاغترار بالدنيا والشيطان.
ثمّ إن الكلام عن الله عز وجل، وعن مظاهر قدرته في أمر الدنيا والآخرة فيه تأكيد لقدرته جل شأنه على إعطاء العزة لمن يشاء، ولا زال السياق ينصب على الكلام عن الله عز وجل فلنتابع:
وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي شديد العذوبة سائِغٌ شَرابُهُ أي مريء سهل الانحدار؛ لعذوبته، وبه ينتفع شرّابه وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي شديد الملوحة لدرجة المرارة وَمِنْ كُلٍّ أي من العذب والمالح تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وهو السمك وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وهي اللؤلؤ والمرجان وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ في كل من البحرين مَواخِرَ أي شواقّ للماء يجريها لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي لتبتغوا من فضل الله وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ قال ابن كثير:(أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، وتذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شئ منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض. الجميع من فضله ورحمته).
كلمة في السياق:
1 -
رأينا أن السورة بدأت بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
…
ثم جاء المقطع الأول مبدوءا بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.
ثم جاء المقطع الثاني مبدوءا بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ..
فإن يأتي بعد ذلك حديث عن الله عز وجل وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ .. ثم حديث عنه جل جلاله وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ
…
ثم حديث عن مظهر من مظاهر قدرته وحكمته،
وإنعامه في خلق الأنهار والبحار، كل ذلك واضح الصلة ببعضه. فالسياق يعرّفنا على الله وعما تستلزمه هذه المعرفة.
2 -
ورأينا أن محور السورة هو قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ الآتية في حيز قوله تعالى:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فإن يأتي كلام في السورة يحدثنا عن مظاهر إنعام الله، وعما يدل على الرجوع إليه، وعن خلقه الإنسان من طور إلى طور، وعن تسخيره البحر لهذا الإنسان، وأن يحدثنا عن الشكر في هذا السياق. كل ذلك واضح الصلة بعضه ببعض، إنه لا يغيب عن المتأمل صلة الآيات التي مرت معنا بسياق السورة ولا بمحورها، ولكن ما صلة الآية الأخيرة بالسياق الجزئي للمقطع؟ لا شك أن الآية الأخيرة تؤدي دورها في تعريفنا على الله وعلى نعمه وعلى ما تقتضيه هذه المعرفة من الشكر، ولكن ما صلة ذلك في المقطع المبدوء بالنهي عن الاغترار في الدنيا وعن تغرير الشيطان؟
قال النسفي في الآية: (ضرب البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر).
وإذن فالنسفي يفهم أن مجئ هذه الآية له صلة بالكلام السابق عن قضية الإيمان والكفر، ونحن إذا تأملنا المقطع الذي وردت فيه هذه الآية نجد فيه قوله تعالى:
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ونجد مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
…
ولا يبعد أن يكون المثل مرتبطا بموضوع الكفر والإيمان، وبموضوع العزة كذلك، فالمؤمن الذي يطلب العزة بالله، ومن الله، وفي السير في طريق الله، هو العذب الفرات، والكافر الذي يطلب بنفسه، ولنفسه، وفي السير في طريق الكفر، هو الملح الأجاج، وفي هذا منفعة للخلق، وفي هذا منفعة للخلق، ولكن الفارق بين الشخصيتين يبقى قائما؛ هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج.
ولنستمر في التفسير فإن السياق لا زال يحدثنا عن الله عز وجل وعن مظاهر قدرته وعن تسخيره الأشياء للإنسان.