الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنزلوه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«احكم فيهم» قال سعد رضي الله عنه: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسّم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى وحكم رسوله» ثم دعا سعد رضي الله عنه: فقال اللهم إن كنت أبقيت على نبيّك من حرب قريش شيئا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، قال فانفجر كلمه، وكان قد برئ منه إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما قالت: فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر رضي الله عنه من بكاء عمر رضي الله عنه وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله تعالى: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ قال علقمة: فقلت: أي أمه فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج البخاري ومسلم
…
عن عائشة رضي الله عنها نحوا من هذا ولكنه أخصر منه وفيه دعا سعد رضي الله عنه.
10 - [تحقيق ابن كثير حول أسماء المدينة بمناسبة آية وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
.. ]
بمناسبة قوله تعالى: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ قال ابن كثير: (يعني المدينة كما جاء في الصحيح: «أريت في المنام دار هجرتكم أرض بين حرتين، فذهب وهلي أنّها هجر فإذا هي يثرب» وفي لفظ المدينة.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد
…
عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمّى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى إنما هي طابة هي طابة» تفرّد به الإمام أحمد، وفي إسناده ضعف. والله أعلم. ويقال إنما كان أصل تسميتها يثرب برجل نزلها من العماليق يقال له يثرب بن عبيد بن مهلائيل بن عوض بن عملاق ابن لاذ بن إرم بن سام بن نوح. قاله السهيلي، قال: وروي عن بعضهم أنه قال:
إن لها في التوراة أحد عشر اسما: المدينة، وطابة، وطيبة، والمسكينة، والجابرة، والمحبة، والمحبوبة، والقاصمة، والمجبورة، والعذراء، والمرحومة. وعن كعب الأحبار قال: إنا نجد في التوراة يقول الله تعالى للمدينة: يا طيبة، ويا طابة، ويا مسكينة لا تقلّي الكنوز أرفع أحاجرك على أحاجر القرى).
11 - [من تعليقات صاحب الظلال حول المقطع الثاني]
من تعليقات صاحب الظلال على المقطع الذي مرّ معنا ما يلي:
(إن النص القرآني يغفل أسماء الأشخاص، وأعيان الذوات، ليصوّر نماذج البشر وأنماط الطباع. ويغفل تفصيلات الحوادث وجزئيات الوقائع، ليصوّر القيم الثابتة
والسنن الباقية. هذه التي لا تنتهي بانتهاء الحادث، ولا تنقطع بذهاب الأشخاص، ولا تنقضي بانقضاء الملابسات، ومن ثمّ تبقى قاعدة ومثلا لكل جيل وكل قبيلة.
ويحفل بربط المواقف والحوادث بقدر الله المسيطر على الأحداث والأشخاص، ويظهر فيها يد الله القادرة وتدبيره اللطيف، ويقف عند كل مرحلة في المعركة للتوجيه والتعقيب والربط بالأصل الكبير.
ومع أنه كان يقصّ القصة على الذين عاشوها، وشهدوا أحداثها، فإنه كان يزيدهم بها خبرا، ويكشف لهم من جوانبها ما لم يدركوه وهم أصحابها وأبطالها! ويلقي الأضواء على سراديب النفوس ومنحنيات القلوب ومخبآت الضمائر؛ ويكشف للنور الأسرار والنوايا والخوالج المستكنة في أعماق الصدور.
ذلك إلى جمال التصوير، وقوّته، وحرارته، مع
…
التصوير
…
للجبن والخوف والنفاق والتواء الطباع! ومع الجلال الرائع والتصوير الموحي للإيمان والشجاعة والصبر والثقة في نفوس المؤمنين.
إن النّص القرآني معدّ للعمل- لا في وسط أولئك الذين عاصروا الحادث وشاهدوه فحسب. ولكن كذلك للعمل في كل وسط بعد ذلك، وفي كل تاريخ. معدّ للعمل في النفس البشرية إطلاقا كلما واجهت مثل ذلك الحادث أو شبهه في الآماد الطويلة، والبيئات المنوعة. بنفس القوّة التي عمل بها في الجماعة الأولى.
ولا يفهم النصوص القرآنية حق الفهم إلا من يواجه مثل الظروف التي واجهتها أول مرة. هنا تتفتّح النصوص عن رصيدها المذخور، وتتفتّح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة. وهنا تتحوّل تلك النصوص من كلمات وسطور إلى قوى وطاقات. وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها. تنتفض خلائق حيّة، موحية، دافعة، تعمل في واقع الحياة، وتدفع بها إلى حركة حقيقية، في عالم الواقع وعالم الضمير.
إن القرآن ليس كتابا للتلاوة ولا للثقافة
…
وكفى
…
إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة؛ وإيحاء متجدد في المواقف والحوادث! ونصوصه مهيأة للعمل في كل لحظة، متى وجد القلب الذي يتعاطف معه ويتجاوب، ووجد الظرف الذي يطلق الطاقة المكنونة في تلك النصوص ذات السر العجيب!
وإن الإنسان ليقرأ النص القرآني مئات المرات؛ ثم يقف الموقف، أو يواجه
الحادث، فإذا النص القرآني جديد، يوحي إليه بما لم يوح من قبل قط، ويجيب على السؤال الحائر، ويفتي في المشكلة المعقدة، ويكشف الطريق الخافي، ويرسم الاتجاه القاصد، ويفئ بالقلب إلى اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه، وإلى الاطمئنان العميق.
وليس ذلك لغير القرآن في قديم ولا حديث).
***