الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المجموعة الثانية من المقطع الثالث
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ أي يداومون على تلاوة القرآن وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ليلا ونهارا، إسرارا وإعلانا. أي يجمعون بين تلاوة الكتاب والعمل به يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ أي لن تكسد. يعني: تجارة ينتفي عنها الكساد، وتنفق عند الله. قال ابن كثير: أي يرجون ثوابا عند الله لا بد من حصوله
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ أي ثواب أعمالهم وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر على بالهم إِنَّهُ غَفُورٌ لذنوبهم شَكُورٌ للقليل من أعمالهم.
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ أي القرآن هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي من الكتب المتقدمة يصدقها كما شهدت هي له بالتنويه، وأنه منزل من رب العالمين إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. قال ابن كثير:(أي هو خبير بهم، بصير بمن يستحق ما يفضله به على من سواه. ولهذا فضّل الأنبياء والرسل على جميع البشر، وفضّل النبيين بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات، وجعل منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فوق جميعهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
كلمة في السياق:
بعد أن بينت لنا المجموعة السابقة أنه لا يقبل الإنذار إلا من اجتمعت له الخشية والصلاة، ودلّتنا على بواعث الخشية من الله تأتي هذه الآيات لتذكّر بالتلاوة والصلاة والإنفاق. أما التلاوة فكطريق للخشية، وأما الصلاة والزكاة فهما مظهرا الخشية وأثراها. ثم جاءت الآية الأخيرة جسرا بين ما قبلها وما بعدها. فهي تشجّع على التلاوة وتبين أهمّية وراثة الكتاب، وهما المعنيان اللذان وجدت بينهما.
…
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ أي القرآن الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا من هذه الأمّة المجتباة ثم رتّبهم على مراتب فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو المفرّط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا. قال ابن كثير:(وهو المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات) وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ.
قال ابن كثير: (وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات
والمكروهات، وبعض المباحات) ذلِكَ أي إيراث الكتاب هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ دلّ على أن إرث الكتاب فضل عظيم
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها أي الفرق الثلاث، فالأوّلون يدخلونها بعد أن يمحّصوا، والتالون يدخلونها بعد أن يحاسبوا حسابا يسيرا. والآخرون يدخلونها بلا حساب ولا عذاب. وسنرى دليل ذلك في الفوائد يُحَلَّوْنَ فِيها أي يلبسون فيها الحليّ مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً أي يلبسون فيها الأساور الذهبية واللؤلؤ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ لما فيه من البهجة والزينة
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ أي خوف النار، أو خوف الموت، أو هموم الدنيا. قال ابن كثير: وهو الخوف من المحذور أزاحه عنا، وأراحنا مما كنا نتخوّفه، ونحذره من هموم الدنيا والآخرة. إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ يغفر الجنايات وإن كثرت شَكُورٌ يقبل الطاعات وإن قلّت. قال ابن كثير: قال ابن عباس وغيره:
غفر لهم الكثير من السيئات، وشكر لهم اليسير من الحسنات
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ أي الإقامة لا نبرح منها ولا نفارقها مِنْ فَضْلِهِ أي من عطائه وإفضاله لا باستحقاقنا لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ أي تعب ومشقة وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ أي إعياء من التعب وقترة. قال ابن كثير: أي لا يمسنا فيها عناء ولا إعياء. ولما ذكر الله تبارك وتعالى حال السعداء شرع في بيان حال الأشقياء فقال:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها أي لا يقضى عليهم بموت ثان فيستريحون، ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنم كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ أي هذا جزاء كل من كفر بربه وكذّب الحق
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها أي ينادون فيها أي يجأرون إلى الله عز وجل بأصواتهم، والاصطراخ: هو الصياح بجهد ومشقّة رَبَّنا أَخْرِجْنا أي من النار نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أي ردنا إلى الدنيا نؤمن بدل الكفر، ونطيع بعد المعصية فيجابون أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ. قال النسفي:(وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه، وإن قصر، إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم) وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ أي الرسول فَذُوقُوا أي العذاب فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ أي من ناصر يعينهم. قال ابن كثير: (أي فذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدة أعماركم؛ فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنّكال والأغلال).