الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهول يوم القيامة، وطول مقامهم في شدائدها، أو ينسون أو يكذبون، وهو الذي يدلّ عليه السّياق. قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة؛ ففي
الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا، فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا، ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم). كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ أي يصرفون، أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ قال النسفي: هم الأنبياء والملائكة والمؤمنون لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ أي في علم الله المثبت في اللوح، أو في حكم الله وقضائه إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ لا كما زعمتم من لبثكم القصير، ردّوا عليهم ما قالوه وحلفوا عليه، وأطلعوهم على الحقيقة. قال ابن كثير:(أي فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة، كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا). ثمّ وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وتقدير الكلام: إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ في الدنيا لا تَعْلَمُونَ أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه
فَيَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي كفروا مَعْذِرَتُهُمْ أي اعتذارهم عمّا فعلوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا يقال لهم: ارضوا ربكم بتوبة، من قولك استعتبني فلان فأعتبته، أي استرضاني فأرضيته.
كلمة في السياق:
1 -
إن الصلة بين الآيات التي مرّت معنا واضحة، فقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً
…
يشير إلى الزمن الطويل المتراخي الذي يقضيه الإنسان على الأرض، بما يكفيه للاعتبار ومع ذلك، فإنّه يوم القيامة يقسم أنه لم يعش إلا ساعة، وهذه الساعة- في زعمه- لم تكن كافية لتقوم عليه الحجّة. وقد كذب.
2 -
في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ دليل على وجود الله من خلال انتقال الإنسان من حال إلى حال، كما يراه في نفسه، فهذا لا يمكن أن يكون لولا أن الله العليم القدير هو الذي يفعل ذلك، إنّ هذا تقتضيه بداهة
الفطرة التي تحسّ بقانون السببية في أعماقها. كما أن في الآية تذكيرا بعلم الله وقدرته، فعلم الله المحيط بالأشياء لا تغيب عنه ذرات الإنسان وقدرة الله الكاملة لا يعجزها أن تعيد هذا الإنسان. ومن ثمّ فبعد هذه الآية مباشرة جاء الكلام عن اليوم الآخر.
فالمقطع إذن كبقية المقاطع؛ من حيث إنه حديث عن الله واليوم الآخر بل إنك لتجد تشابها كاملا بين بداية المقطع هنا وبداية المقطع الأول، لاحظ أنّه قد جاء في بداية المقطع الأول:
اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ
…
ولاحظ هنا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
…
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ....
3 -
إن الصلة بين الآيات التي مرّت معنا من المقطع الرابع، وبين ما قبلها مباشرة واضحة. فبعد أن حدثنا الله عز وجل عن صمم الكافرين وعماهم، وموت قلوبهم، وعظ الإنسان هذه الموعظة البليغة. فذكّره بعجزه أولا، وعجزه آخرا.
وذكّره بتنقيله له من حال إلى حال. وذكّره بما سيقوله يوم القيامة، وكل ذلك ليتعظ هذا الإنسان ويتذكّر. ولذلك نجد الآية التي تأتي بعد هذا مباشرة هي قوله تعالى:
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فلنمض في التفسير:
…
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي قد بيّنا لهم الحقّ ووضّحناه لهم، وضربنا لهم من الأمثال ليستبينوا الحق ويتّبعوه وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ أي لو رأوا أي آية كانت- سواء كانت باقتراحهم أو غيره- لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل. قال النسفي في الآية:
(أي ولقد وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن، كصفة المبعوثين يوم القيامة وقصتهم، وما يقولون، وما يقال لهم، وما لا ينفع من اعتذارهم، ولا يسمع من استعتابهم، ولكنهم لقسوة قلوبهم إذا جئتهم بآية من آيات القرآن قالوا: جئتنا بزور وباطل).
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي مثل ذلك الطبع:
وهو الختم يطبع الله على قلوب الجهلة الذين علم الله منهم اختيار الضلال، حتى إنّهم ليسمّون الأشياء بأضدادها فيسمّون المحقّ مبطلا، والظالم عادلا، والعادل ظالما،