الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في السياق:
قلنا: إن السياق استقر في المقطع الأخير على تبيان الطريق إلى الله الذي بدايته الخشية، وهذه المجموعة فصّلت في الطريق بما يوصل إلى الخشية ويعمّقها، وخلصت إلى ما أعد الله عز وجل للمؤمنين الذين أعطوا النعمة حقها، وعرفوا الله حق المعرفة، وأعطوا هذه المعرفة مستلزماتها من إيمان بالرسل، وتلاوة للكتاب، وعبادة، والتزام، وطاعة، وإلى ما أعدّه للكافرين، الذين ظلموا في الدنيا وأمنوا.
فوائد:
1 - [آية القراء إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ
…
]
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ. قال ابن كثير: (قال قتادة: كان مطرف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القراء).
2 - [كلام النسفي وتحقيق ابن كثير حول آية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا
.. ]
بمناسبة قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ قال النسفي: (وإنما قدم الظالم للإيذان بكثرتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقون أقل من القليل، وقال ابن عطاء، إنما قدّم الظالم لئلا ييأس من فضله، وقيل إنما قدّمه ليعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربه وقيل: إن أول الأحوال معصية، ثم توبة، ثم استقامة، وقال سهل: السابق العالم، والمقتصد المتعلم، والظالم الجاهل وقال: أيضا السابق الذي اشتغل بمعاده، المقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده، والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده، وقيل: الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة، والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق، وقيل: الظالم من أخذ الدنيا حلالا كانت أو حراما، والمقتصد من يجتهد أن لا يأخذها إلا من حلال، والسابق من أعرض عنها جملة، وقيل: الظالم طالب الدنيا، والمقتصد طالب العقبى، والسابق طالب المولى).
وقد حقق ابن كثير المقام في هذه الآية. فذكر الاختلافات فيها، ثم رجّح وأقام الدليل، ومجمل ترجيحه اعتمدناه في التفسير. ولننقل هنا تحقيقه كله مع حذف الأسانيد. قال: (روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ورّثهم الله تعالى كل
كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب، وروى أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ذات يوم:«شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» قال ابن عباس رضي الله عنهما: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا روي عن غير واحد من السلف: أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين على ما فيه من عوج وتقصير. وقال آخرون: بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة، لا من المصطفين الوارثين لكتاب، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قال: هو الكافر، وكذا روى عنه عكرمة وبه قال عكرمة أيضا فيما رواه ابن جرير، وقال ابن نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قال هم أصحاب المشأمة، وقال مالك عن زيد بن أسلم والحسن وقتادة هو المنافق ثم قد قال ابن عباس والحسن وقتادة: وهذه الأقسام الثلاثة كالأقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة الواقعة وآخرها، والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضا ونحن إن شاء الله تعالى نورد منها ما تيسر.
(الحديث الأول) روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: «في هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ قال هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة» هذا حديث غريب من هذا الوجه وفي
إسناده من لم يسم وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شعبة به نحوه ومعنى قوله: بمنزلة واحدة أي في أنهم من هذه الأمة، وأنهم من أهل الجنة، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة. (الحديث الثاني) روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا
فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ. (طريق أخرى) روى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قال: «فأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يصيبه الهم والحزن ثم يدخل الجنة» ورواه ابن جرير من حديث سفيان الثوري عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت أنه دخل المسجد فجلس إلى جنب أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، ويسر لي جليسا صالحا، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لئن كنت صادقا لأنا أسعد به منك، سأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحدّث به منذ سمعته منه، ذكر هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ فأما السابق بالخيرات فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا، وأما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن، وذلك قوله تعالى وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. (الحديث الثالث) روى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلهم من هذه الأمة» . (الحديث الرابع) روى ابن أبي حاتم عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أمتي ثلاثة أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحّصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون لا إله إلا الله وحده، يقول الله تعالى صدقوا لا إله إلا أنا؛ أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل النار، وهي التي قال الله تعالى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت: 13]. وتصديقها في التي فيها ذكر الملائكة قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فجعلهم ثلاثة أفواج وهم أصناف كلهم: فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يمحص ويكشف» غريب جدا. (أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا، وثلث يجيئون بذنوب عظام، حتى يقول الله عز وجل ما هؤلاء؟ - وهو أعلم تبارك وتعالى فتقول الملائكة: هؤلاء جاءوا بذنوب عظام، إلا أنهم لم يشركوا بك شيئا، فيقول الرب عز وجل: أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي.
وتلا عبد الله رضي الله عنه هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الآية. (أثر آخر) روى أبو داود الطيالسي عن عقبة بن صهبان الهنائي قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ الآية، فقالت لي: يا بني هؤلاء في الجنة أما السابق بالخيرات:
فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، وأما المقتصد: فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق بهم، وأما الظالم لنفسه:
فمثلي ومثلكم قال: فجعلت نفسها رضي الله عنها معنا، وهذا منها رضي الله عنها من باب الهضم والتواضع، وإلا فهي من أكبر السابقين بالخيرات، لأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في قوله تبارك وتعالى فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قال: هي لأهل بدونا، ومقتصدنا أهل حضرنا، وسابقنا أهل الجهاد، رواه ابن أبي حاتم.
وقال عوف الأعرابي: حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: حدثنا كعب الأحبار رحمة الله عليه قال: إن الظالم لنفسه من هذه الأمة، والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة، ألم تر أن الله تعالى قال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها إلى قوله عز وجل وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ قال: فهؤلاء أهل النار، رواه ابن جرير من طرق عن عوف به ثم قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما سأل كعبا عن قوله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا إلى قوله بِإِذْنِ اللَّهِ قال: تماست مناكبهم ورب كعب، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، ثم روى ابن جرير عن أبي إسحاق السبيعي في هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الآية، قال أبو إسحاق: أما ما سمعت من ذي ستين سنة فكلهم ناج، ثم روى ابن جرير أيضا- بسنده- عن محمد ابن الحنفية رضي الله عنه قال: إنها أمة مرحومة، الظالم مغفور له، والمقتصد في الجنان عند الله، والسابق بالخيرات في الدرجات عند الله. ورواه الثوري عن إسماعيل ابن إسماعيل عن رجل عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه بنحوه. وقال أبو الجارود:
سألت محمد بن علي- يعني الباقر- رضي الله عنهما عن قول الله تعالى فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ فقال: هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا. فهذا ما تيسر من إيراد