الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة الصافات ومحورها:
تبدأ سورة الصافات بقوله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِراتِ زَجْراً* فَالتَّالِياتِ ذِكْراً* إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ وإذن فالسورة تبدأ بقسم، وجواب للقسم، ومن جواب القسم نعلم موضوع السورة الرئيسي وهو وحدانية الله عز وجل، ثم تسير السورة حتى تصل إلى قوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ.
ثم تستمر السورة حتى تصل إلى قوله تعالى:
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ [الآية: 149] مما يدل على أن التعريف على الله وما تستلزمه هذه المعرفة هو الشيء الذي يصب فيه سياق السورة الرئيسي.
فإذا وصلنا إلى آياتها الأخيرة نجد قوله تعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ومن خلال البداية والنهاية، ومن خلال الاستفتاءين اللذين يشكلان نقطتي علام في السورة، ندرك المصبّ الرئيسي الذي يصبّ فيه سياق السورة وهو- كما قلنا- التعريف على الله عز وجل، وما تستلزمه تلك المعرفة، وهو الموضوع الأول من مواضيع الإيمان بالغيب، والذي يستتبع الإيمان بالغيب كله، ومن ثمّ فمن خلال السياق الرئيسي للسورة تعرض بعض المعاني التي لها علاقة بالآخرة والرسل والملائكة والكتاب، كما سنرى.
ونلاحظ أن قوله تعالى:
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* يتكرر في السورة أكثر من مرة مما يشير كذلك إلى الموضوع الرئيسي في السورة، وهو التعريف على الله وتنزيهه وتوحيده.
…
إنه من المعلوم بديهة أن كلمة التوحيد هي كلمة التقوى، وهي نقطة الارتكاز في هذا الدين، وهي نقطة البداية في دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنها تحوي كل عقائد الإسلام، وإليها ترجع هذه العقائد، فإذا عرفنا أن هذا هو مضمون السورة أدركنا محل سورة الصافات في تفصيل قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ*
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إنها تفصّل في موضوع التوحيد ومستلزماته.
…
تتألف السورة بشكل واضح من مقدمة تستمر حتى نهاية الآية العاشرة، تتحدث عن التوحيد، وعن أدلته، وعن حفظ الوحي.
ثم يأتي مقطعان كل منهما مبدوء بقوله تعالى فَاسْتَفْتِهِمْ.
المقطع الأول مبدوء بقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ويستمر حتى نهاية الآية (148).
والمقطع الثاني مبدوء بقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ويستمر حتى نهاية السورة أي حتى نهاية الآية (182).
ويندمج الكلام في المقطع الأول عن التوحيد، واليوم الآخر، والرسل كمواضيع متلازمة، إذ يرتبط الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر، بل إنّ أكثر كفر الكافرين سببه الكفر باليوم الآخر، ويرتبط الإيمان بالله بالإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام؛ إذ هم الذين يعرفونه حق المعرفة، ويعرّفون عليه حقّ التعريف، ومن ثمّ يقول تعالى في السورة سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ
ويندمج الكلام في المقطع الثاني عن الله عز وجل والملائكة والرسل والمؤمنين بشكل عجيب سنراه.
ومن ثمّ فإن السورة إذ تعرض التوحيد تعرض معه قضايا الإيمان كلها، لأن التصور السليم عن موضوع التوحيد مرتبط بالتصور السليم عن قضايا الإيمان كلها.
…
ولأول مرة في السياق القرآني نجد سورة مبدوءة بقسم مباشر، فما قبل سورة الصافات نجد قسما في بداية السورة، ولكنه مسبوق بشيء مثل (يس) في سورة (يس) إذ مطلعها يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ.
ومن الآن فصاعدا سنجد سورا كثيرة مبدوءة بقسم مباشر، بل نجد في المجموعة