الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذ كان الولد هو أحب الخلق إلى الوالد فإن يوصي لقمان ابنه بما سيأتي فإن هذا يفيد أن هذه الوصايا هي ذروة الحكمة؛ إذ لا يوصي أب ابنه إلا بأغلى ما عنده:
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ أي واذكر إذ قال لقمان لابنه وَهُوَ يَعِظُهُ أي في حالة وعظه له يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ قال ابن كثير:
أي هو أعظم أنواع الظلم. وقال النسفي: لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه، ومن لا نعمة له أصلا
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ أي حملته وهي تهن وهنا على وهن، أي تضعف ضعفا فوق ضعف، أي يتزايد ضعفها ويتضاعف؛ لأن الحمل كلما ازداد أو عظم ازدادت ثقلا وضعفا وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي فطامه عن الرضاع لتمام عامين أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ هذا تفسير للوصية، أي وصيناه بشكرنا وبشكر والديه، وفصل بين الوصية ومضمونها بالتذكير بما تكابده الأم وتعانيه من المشاقّ في حمله وفصاله هذه المدّة الطويلة؛ تذكيرا بحقّها العظيم مفردا إِلَيَّ الْمَصِيرُ أي مصيرك إليّ، وحياتك عليّ، فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء
وَإِنْ جاهَداكَ أي إن حرصا عليك كلّ الحرص عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي ما ليس له صفة الألوهية، أي وإن حرصا على أن تتابعهما على دينهما الباطل فَلا تُطِعْهُما أي فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا محسنا إليهما، ومن ثمّ قال: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً قال النسفي: (أي صحابا معروفا حسنا، بخلق جميل، وحلم واحتمال، وبر وصلة) وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ قال ابن كثير: يعني المؤمنين. وقال النسفي: (أي واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه، وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا). وقال ابن عطاء: صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي مرجعك ومرجعهما فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما.
كلمة في السياق:
يلاحظ أن هاتين الآيتين جاءتا في ثنايا وصايا لقمان عليه السلام ككلام مستأنف لله عز وجل فما حكمة ذلك؟
قال النسفي: (وقد اعترض بهاتين الآيتين على سبيل الاستطراد تأكيدا لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك يعني: إنا وصيناه بوالديه، وأمرناه ألا يطيعهما
في الشرك- وإن جهدا كل الجهد- لقبحه). أقول: وذكر هذه الوصية في هذا المقام إشارة إلى أن كمال الحكمة يقتضي أن تذكر الوصية بالوالدين مباشرة بعد النّهي عن الشرك. ومن ثمّ فكثيرا ما يقرن الله تعالى بين الإخلاص في العبادة والوصية بالوالدين، ولا يبعد أن يكون لقمان عليه السلام أوصى ابنه هذه الوصية من خلال نقل كلام الله عز وجل الموحى به على لسان الرسل السابقين، وقد عرضها على ابنه هذا العرض على لسان الوحي عن الله؛ لما في ذلك من مصلحة إذ هو الوالد فكان ذلك أبعد عن الشبهة وذلك من مظاهر حكمته وكمال أدبه والله أعلم.
يا بُنَيَّ إِنَّها إن القصة أو الشأن أو المظلمة أو الخطيئة إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أي إن كانت مثلا في الصغر كحبّة خردل، فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه، كجوف صخرة في سماوات، أو في أرض، يحضرها الله يوم القيامة؛ فيحاسب بها عاملها إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه إلى كل خفي خَبِيرٌ عالم بكنه كل خفي، أو لطيف باستخراجها، خبير بمستقرها. قال ابن كثير:(أي لطيف العلم؛ فلا تخفى عليه الأشياء، وإن دقّت ولطفت وتضاءلت. خبير بدبيب النمل في الليل البهيم). وفي هذه الوصية تربية على المراقبة التي هي أحد مقامي الإحسان.
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ أي بحدودها وفروضها وأوقاتها وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ قال ابن كثير: (أي بحسب طاقتك وجهدك) وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ أي من الأذى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، أو على ما أصابك من المحن فإنّها تورث المنح، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر إِنَّ ذلِكَ أي الصبر على أذى الناس، أو الذي وصيتك به مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي مما عزمه الله من الأمور، أي قطعه قطع إيجاب وإلزام، أي أمر به أمرا حتما. قال النسفي: وأصله من معزومات الأمور أي:
مقطوعاتها ومفروضاتها. وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأمورا بها في سائر الأمم.
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ أي لا تتكبّر فتحتقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلّموك. قال النسفي: والمعنى: أقبل على الناس بوجهك تواضعا، ولا تولّهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبّرون وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي خيلاء متكبّرا جبّارا عنيدا، لا تفعل ذلك يبغضك الله ولهذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ