الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي الغالب على أعدائه الرَّحِيمُ العاطف على أوليائه
وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ أي هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أنّا سننصر الروم على الفرس وعد من الله حق، وخبر صدق لا يخلف، ولا بد من كونه ووقوعه؛ لأن الله عز وجل قد جرت سنته أن يجعل الأيام دولا وأن يجعل العاقبة لأهل الحق أو لمن هم أقرب إلى الحق وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ صدق وعد الله
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالظاهر من الحياة الدنيا. وهذا يفيد أن للدنيا ظاهرا وباطنا. فظاهرها ما يعرفه الجهّال من زخارفها وقوانينها وأسبابها، وباطنها أنّها مجاز إلى الآخرة يتزوّد فيها بالطاعة والعمل الصالح، وأنّها تدل على الله وأسمائه وصفاته. قال النسفي:(وتنكير الظاهر يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها. وقال: وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا) وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ فيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها.
نقول:
[1، 2 - كلام الألوسي وصاحب الظلال بمناسبة الآيات الثلاث الأولى من السورة]
1 -
بمناسبة قوله تعالى: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ قال الألوسي:
(وفي البحر: كان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يحكي عن أبي الحكم ابن برجان أنه استخرج من قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ إلى سِنِينَ افتتاح المسلمين بيت المقدس، معيّنا زمانه ويومه، وكان إذ ذاك بيت المقدس قد غلبت عليه النصارى، وأن ابن برجان مات قبل الوقت الذي عيّنه للفتح، وأنه بعد موته بزمان افتتحه المسلمون في الوقت الذي عينه أبو الحكم وكان أبو جعفر يعتقد في أبي الحكم هذا أنه كان يتطلع على أشياء من المغيبات يستخرجها من كتاب الله تعالى. انتهى).
أقول: يظهر أنّ الشيخ المذكور استخرج ذلك من خلال حساب الجمل ولكن ليس لذلك ما يستأنس له إلّا الرواية المذكورة في أوائل سورة الشورى، وهي رواية غريبة، على أنّ في هذا القرآن من العجائب الكثير.
2 -
قال صاحب الظلال في قوله تعالى: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ
…
: (بدأت السورة بالأحرف المقطعة: (ألف. لام. ميم) التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أن هذا القرآن- ومنه هذه السورة- مصوغ من مثل هذه الأحرف، التي يعرفها العرب؛ وهو مع هذا معجز لهم، لا يملكون صياغة مثله، والأحرف بين أيديهم، ومنها لغتهم.
ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين. وقد روى ابن جرير- بإسناده- عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: كانت فارس ظاهرة على الروم. وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم. فلما نزلت:
الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ. قالوا: يا أبا بكر. إن صاحبك يقول: إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين. قال: صدق. قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين. فمضت السبع ولم يكن شئ. ففرح المشركون بذلك، فشق على المسلمين؛ فذكر ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم فقال:«ما بضع سنين عندكم؟» قالوا: دون العشر.
قال: «اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل» . قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس. ففرح المؤمنون بذلك.
وقد وردت في هذا الحادث روايات كثيرة اخترنا منها رواية الإمام ابن جرير.
وقبل أن نتجاوز الحادث إلى ما وراءه في السورة من التوجيهات نحب أن نقف أمام بعض إيحاءاته القوية.
وأول هذه الإيحاءات ذلك الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان. ومع أن الدول قديما لم تكن شديدة الاتصال. والأمم لم تكن وثيقة الارتباط كما هو الشأن في عصرنا الحاضر. مع هذا فإن المشركين في مكة كانوا يحسّون أن انتصار المشركين في أي مكان على أهل الكتاب هو انتصار لهم، وكان المسلمون كذلك يحسون أن هناك ما يربطهم بأهل الكتاب، وكان يسوءهم أن ينتصر المشركون في أي مكان؛ وكانوا يدركون أن دعوتهم وأن قضيتهم ليست في عزلة عما يجري في أنحاء العالم من حولهم، ويؤثّر في قضية الكفر والإيمان.
وهذه الحقيقة البارزة هي التي يغفل عنها الكثيرون من أهل زماننا، ولا ينتبهون إليها كما انتبه المسلمون والمشركون في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ حوالي أربعة عشر