الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين أن يكون عبدا رسولا- وهو الذي يفعل ما يؤمر به وإنما هو قاسم يقسم بين الناس كما أمره الله تعالى به- وبين أن يكون نبيا ملكا، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء بلا حساب ولا جناح، اختار المنزلة الأولى بعد ما استشار جبريل عليه الصلاة والسلام فقال له: تواضع فاختار المنزلة الأولى، لأنها أرفع قدرا عند الله عز وجل، وأعلى منزلة في المعاد وإن كانت المنزلة الثانية وهي النبوة مع الملك عظيمة أيضا في الدنيا والآخرة، ولهذا لما ذكر تبارك وتعالى ما أعطى سليمان عليه الصلاة والسلام في الدنيا نبّه تعالى على أنه ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضا فقال تعالى وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ أي في الدنيا والآخرة).
12 - [حول بعض ما جاء في أسفار العهد القديم عن قصة داود وسليمان عليهما السلام]
ونختم الكلام عن داود وسليمان عليهما السلام بذكر أن الذي نافس سليمان عليه السلام على الملك هو أدونيّا أخوه الأكبر، وقصة ذلك مذكورة في الإصحاح الأول والثاني من سفر الملوك الأول، ونلاحظ في السفر الثاني ملاحظة: هو أن أدونيّا يطلب من أم سليمان أن تتوسط لدى سليمان أن يعطي سليمان أدونيا أبيشبح الشونمية امرأة له، والظاهر أن أبيشبح الشونمية كانت امرأة لسليمان عليه السلام، وقد غضب سليمان- فيما ذكر الإصحاح- لهذا الطلب، وأمر بقتل أخيه. فإذا صحّ أن أبيشبح كانت زوجة لسليمان، وصح توسّط أم سليمان عند سليمان في ذلك، فإنّ ذلك يدلّ على أنّه من المتعارف عندهم أن يتنازل بعضهم لبعض عن زوجاتهم. ومن ثمّ فإن قصة داود عليه السلام كانت من هذا القبيل. وهذا الذي خرّج عليه النسفي الحادثة وهو تخريج مبني على الظن، وأظن أنه لا حرج لو نقلنا ما قاله النسفي هنا بعد معرفة حدوده. قال النسفي:(روي أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته، وكان لهم عادة في المواساة بذلك، وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أن داود عليه السلام وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها، فسأله النزول له عنها، فاستحيى أن يرده ففعل، فتزوجها وهي أم سليمان، فقيل له: إنك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة للنزول عنها لك، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك، وقهر نفسك، والصبر على ما امتحنت به، وقيل خطبها أوريا ثم خطبها داود، فآثره أهلها، فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه).
13 - [كلام المؤلف وابن كثير بمناسبة قصة أيوب عليه السلام]
في أسفار العهد القديم سفر اسمه سفر أيوب وهو سفر واضح الصنعة،
وواضح أنه موضوع، وأنه مصنوع، وإن كان لا يخلو من نفس حق، ولكنّه لا يصلح للاعتماد، وقد ذكر فيه بلاء أيوب، ولكن فيه على لسان أيوب اعتراضات، وشكاوى على الله- وحاشاه- وإنما هو دأب اليهود- عليهم لعائن الله- في تشويه سمعة الأنبياء عليهم السلام. وللمفسرين كلام كثير يبالغون فيه في بلاء أيوب مبالغة يرفضها علماء التوحيد. وفي مثل هذه الأحوال فالموقف الأصح هو الوقوف عند النص، وأن نفهمه ضمن القواعد العامة، وأن نذكر ما أثر عن رسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا المقام. ويذكر ابن كثير حديثين لهما علاقة بأيوب عليه السلام فلننقلهما:
(روى ابن جرير وابن أبي حاتم جميعا
…
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى، فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه الصلاة والسلام: لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمرّ على الرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ فاستبطأته فالتفتت تنظر، فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت:
أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فو الله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا، قال: فإني أنا هو، قال وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض، هذا لفظ ابن جرير رحمه الله.
وروى الإمام أحمد
…
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بينما أيوب يغتسل عريانا خرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال عليه