الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها فخطبها فقالت:
لست بناكحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بلى فانكحيه» قالت: يا رسول الله أؤامر نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ الآية. قالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» قالت: إذا لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي. وقال ابن لهيعة عن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسبا- وكانت امرأة فيها حدّة- فأنزل الله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ الآية كلها. وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل ابن حيان أنها نزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه فامتنعت، ثم أجابت). وذكر ابن كثير بعد ذلك قولا آخر سنذكره فيما بعد.
2 - [كلام ابن كثير بمناسبة آية وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ .. آية (37)]
وبمناسبة قوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
…
قال ابن كثير: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوّجه بابنة عمّته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، وأمها أميمة بنت عبد المطلب، وأصدقها عشرة دنانير، وستين درهما، وخمارا، وملحفة، ودرعا، وخمسين مدا من طعام، وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان، فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له:«أمسك عليك زوجك واتق الله» قال الله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفحا؛ لعدم صحتها فلا نوردها، وقد روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثا من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضا. وقد روى البخاري أيضا بعضه مختصرا عن أنس بن مالك قال: إن هذه الآية وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ نزلت في شأن زينب بنت جحش، وزيد بن حارثة رضي الله عنهما. وروى ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين عن الحسن في قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ فذكرت له، فقال: لا ولكن الله تعالى أعلم نبيّه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد رضي الله عنه
ليشكوها إليه قال: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» فقال (أي الله تعالى) قد أخبرتك أني مزوجكها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك) اه.
…
من هذين النقلين نعرف أنّ بعض الكلام الذي يقال في هذا المقام كلام ساقط لا أصل له، من مثل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب زينب، فأعلمت زينب زوجها، فطلّقها من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن مثل هذا الكلام يشبه ما يرويه اليهود عليهم لعنة الله عن رسلهم وحاشاهم. وبهذه المناسبة أقول:
إنه حيث توجد روايتان فإن المبشّرين والمستشرقين وأذنابهم يختارون الرواية المظلمة مضمونا، ولو كانت باطلة سندا، ويتركون الرواية ذات المضمون المنير وإن كانت صحيحة سندا، وللأسف فقد استطاعوا أن يضللوا بعض الناس من خلال سيطرتهم على مناهج التدريس، وعلى الإعلام، ليس فقط في قضايا العصر النبوي بل في قضايا التاريخ الإسلامي كله.
وبعد هذه المقدمة فلنفسّر الآيات.
…
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإسلام الذي هو أجلّ النعم وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإعتاق والتبنّي، ثمّ بالتولّي بأن كنت مولاه، فهو متقلّب في نعمة الله ونعمة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو زيد بن حارثة أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ أي زينب بنت جحش وَاتَّقِ اللَّهَ فلا تطلّقها، وهو نهي تنزيه؛ إذ الأولى ألا يطلق، قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكا زيد من كبرها وترفّعها وإيذائها له بذلك وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد، وهو الذي أبداه الله تعالى وأعلمه لرسوله صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه كما رأينا وَتَخْشَى النَّاسَ أي وتخشى قالة الناس إنه نكح امرأة متبناه وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فلا تبال إذا أطعت أمر الله بشيء فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجة وأربا، أي فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلّقها وانقضت عدتها زَوَّجْناكَها قال ابن كثير:
(أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله عز وجل،
بمعنى: أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي، ولا عقد، ولا مهر، ولا شهود من البشر). وسنرى ذلك في الفوائد. ثم بيّن الله عز وجل حكمة ذلك لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً أي إذا أدركوا منهنّ حاجة، وبلوغ مراد وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أي وكان أمر الله الذي يريد أن يكونه مكوّنا لا محالة، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. قال ابن كثير: (أي وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدّره الله تعالى وحتّمه، وهو كائن لا محالة، وكانت زينب في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ أي فيما أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد، أو قدّر له من عدد النساء. قال ابن كثير:(أي فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب رضي الله عنها التي طلقها دعيّه زيد بن حارثة رضي الله عنه سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أي في الأنبياء الذين مضوا من قبل. قال ابن كثير: (أي هذا حكم الله تعالى في الأنبياء قبله، لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حرج، وهذا ردّ على من توهّم من المنافقين نقصا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودعيّه الذي كان قد تبنّاه) وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً أي قضاء مقضيا، وحكما مبتوتا. قال ابن كثير:(أي وكان أمره الذي يقدّره كائنا لا محالة، وواقعا لا محيد عنه ولا معدل، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ إلى خلقه ويؤدونها بأمانة وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ أي يخافونه ولا يخافون أحدا سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي وكفى بالله ناصرا ومعينا، أو كافيا للمخاوف، أو محاسبا على الصغيرة والكبيرة
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ أي لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح وَلكِنْ كان رَسُولَ اللَّهِ. وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ أي آخرهم يعني: لا ينبأ أحد بعده، وعيسى ممّن نبئ قبله، وحين ينزل ينزل عاملا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه بعض أمته، وفهم من الآية أن زيدا لما كان واحدا من رجالهم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فحكمه حكمهم في كونه داخلا في أبوة الرسول صلى الله عليه وسلم العامّة للمؤمنين، فيما يرجع إلى وجوب التوقير، والتعظيم له عليهم، ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه، لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً وقد أخبر بما أخبر عنه هنا علما منه أن محمدا صلى الله عليه وسلم لن يكون له ولد يبلغ مبالغ الرجال،