الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلّى الله عليه وسلم زينب الذي هو هدم لقاعدة التبني، وموضوع عدم دخول بيت الرسول صلى الله عليه وسلم والجلوس فيه إلا بشروط. ونلاحظ أن المعاني الثلاثة جاءت متفرقة مع أن القصة واحدة والقضية واحدة. وذلك يدلنا على أن كل معنى في القرآن إنما يوضع في محله، ليؤدّي دوره الخاص والعام، في سياق السورة الخاص والعام. فالوحدة القرآنية شئ أعمّ من وحدة الموضوع الواحد، إنّ الوحدة القرآنية لتشبه الوحدة الموجودة في هذا الكون، فلم يخلق الله الحديد وحده، ولا النحاس وحده، ولكنه خلق هذا الكون كما نراه، وجعل فيه من التناسق والتكامل ما لا ينقضي منه العجب، وكما أن الكون كتاب الله المفتوح، فالقرآن كتاب الله المقروء. وقد جعل الله في هذا القرآن من التكامل والتناسق ما لا يحاط به.
12 - [كلام ابن كثير بمناسبة آية الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ .. وتعليق المؤلف على ذلك]
بمناسبة قوله تعالى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ. قال ابن كثير: (وسيد الناس في هذا المقام، بل في كل مقام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قام بأداء الرسالة، وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب إلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله تعالى كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع فإنه قد كان النبي قبله إنما يبعث إلى قومه خاصة، وأما هو صلى الله عليه وسلم فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: 158] ثم ورث مقام البلاغ عنه أمّته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي الله عنهم؛ بلّغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا. فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفّقون. فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم. روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال ثم لا يقوله، فيقول الله ما يمنعك أن تقول منه؟
فيقول: رب خشيت الناس فيقول: فأنا أحق أن يخشى». ورواه ابن ماجه.
أقول: وقد دلت الآية على أن أحدا لا يستطيع أن يقوم بأعباء البلاغ كاملة إلا من خلا قلبه من خشية البشر.
13 - [تحقيق حول موضوع ختم النبوة والرسالة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمناسبة الآية (40)]
بمناسبة قوله تعالى: وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ أقول:
إن موضوع ختم النبوة والرسالة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم موضوع معلوم من الدين
بالضرورة، فهو مجمع عليه، ومنكره كافر، وقد دأب الزنادقة والملاحدة خلال العصور على محاولة التشكيك فيه؛ لفتح الطريق أمام نبوات كاذبة، رأينا نموذجا عنها في دعوة الكذاب الأشر غلام أحمد القادياني. وقد ذكر ابن كثير عند هذه الآية أحاديث تؤكد موضوع ختم النبوة. قال:
(فهذه الآية نص في أنه لا نبيّ بعده صلى الله عليه وسلم فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخصّ من مقام النبوة، فإنّ كلّ رسول نبيّ، ولا ينعكس، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. روى الإمام أحمد عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تمّ موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة» . ورواه الترمذي وقال حسن صحيح.
(حديث آخر) روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي» . قال فشق ذلك على الناس. فقال: «ولكن المبشّرات» قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «رؤيا الرجل المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة» وهكذا رواه الترمذي
وقال صحيح غريب.
(حديث آخر) روى أبو داود الطيالسي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بني دارا فأكملها وأحسنها، إلا موضع لبنة، فكان من دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة، فأنا موضع اللبنة، ختم بي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» . ورواه البخاري ومسلم والترمذي وقال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه.
(حديث آخر) روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا فأتمها، إلا لبنة واحدة، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة» . انفرد به مسلم.
(حديث آخر) روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نبوة بعدي إلا المبشرات» قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال:
(حديث آخر) روى الإمام أحمد
…
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأكملها وأحسنها وأجملها، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون:
ألا وضعت هاهنا لبنة فيتم بنيانك- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكنت أنا اللبنة».
أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
(حديث آخر) روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضّلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» ورواه الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح.
(حديث آخر) روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارا فأتمها، إلا موضع لبنة واحدة، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة» . ورواه مسلم.
(حديث آخر) روى الإمام أحمد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته» .
(حديث آخر) قال الزهري: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» أخرجاه في الصحيحين. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودّع فقال: «أنا محمد النبي الأمي- ثلاثا- ولا نبي بعدي؛ أوتيت فواتح الكلم، وجوامعه، وخواتمه، وعلمت كم خزنة النار، وحملة العرش؛ وتجوّز بي، وعوفيت، وعوفيت أمتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم؛ فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله تعالى، أحلوا حلاله وحرموا حرامه» . تفرد به الإمام أحمد.
والأحاديث في هذا كثيرة، فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له. وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أنّ كلّ من ادّعى هذا المقام بعده فهو كذّاب أفّاك دجّال ضالّ مضلّ، ولو تحرق وشعبذ وأتى
بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله سبحانه وتعالى على يد الأسود العنسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة، والأقوال الباردة، ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما الله، وكذلك كل مدّع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال، فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها، وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، إلا على سبيل الاتفاق، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره، ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم، كما قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ الآية [الشعراء: 221، 222]، وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنهم في غاية البر، والصدق، والرشد، والاستقامة، والعدل فيما يقولونه، ويأمرون به، وينهون عنه، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات، والأدلة الواضحات، والبراهين الباهرات، فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا، ما دامت الأرض والسموات).
قال ابن كثير: روى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
أقول: إن كلام عائشة رضي الله عنها فيه إشارة إلى علامة من علامات نبوته عليه الصلاة والسلام، وهي ما نراه في هذا القرآن من عتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا بمثل هذا الأسلوب الفوقي المتعالي، مما يدلك- وحده- على أن هذا القرآن من عند الله عز وجل، وأن محمدا عبده ورسوله.
ولننتقل إلى المقطع الرابع.
***