الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ المضروب للثواب والعقاب لَآتٍ لا محالة، فليبادر للعمل الصالح الذي يصدّق رجاءه عز وجل ويحقّق أمله وَهُوَ السَّمِيعُ لما يقوله عباده الْعَلِيمُ بما يفعلونه، فلا يفوته شئ ما
وَمَنْ جاهَدَ نفسه بالصبر على طاعة الله، وجاهد الشيطان بدفع وساوسه، وجاهد الكفار لإعلاء كلمة الله فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لأن منفعة ذلك ترجع إليها إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وعن طاعتهم ومجاهدتهم، وإنّما أمر ونهى رحمة لعباده. ثم أخبر تعالى أنه- مع غناه عن الخلائق جميعهم ومع بره وإحسانه بهم- يجازي الذين آمنوا وعملوا
الصالحات أحسن الجزاء، بأن يكفّر عنهم أسوأ الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون، فيقبل القليل من الحسنات، ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، ويجزي على السيئة بمثلها، أو يعفو ويصفح
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.
نقل: [عن صاحب الظلال بمناسبة قوله تعالى وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ]
عند قوله تعالى: وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ قال صاحب الظلال رابطا بين ذكر الجهاد هنا، وذكر الابتلاء في مقدّمة السورة:
(فلا يقفنّ أحد في وسط الطريق، وقد أمضى في الجهاد شوطا يطلب من الله ثمن جهاده ويمنّ عليه وعلى دعوته، ويستبطئ المكافأة على ما ناله فإن الله لا يناله من جهاده شئ. وليس في حاجة إلى جهد بشر: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده، وأن يستخلفه في الأرض به، وأن يأجره في الآخرة بثوابه).
كلمة في السياق: [حول صلة مقدمة السورة بالمجموعة الأولى من المقطع الأول]
دلتنا المقدمة على أن الإيمان يرافقه امتحان. وأن علامة الصدق في الإيمان النجاح في الامتحان. ودلنا قوله تعالى في المجموعة مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ على أن هدف المؤمن هو ثواب الله في اليوم الآخر، فمن كان له هدف في الإيمان غير ذاك فإنه ليس من أهل حقيقة الإيمان، كما دلت آية وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ
لِنَفْسِهِ على أنّ الإيمان لا بدّ أن يرافقه جهاد، وأن مصلحة الجهاد لا تعود إلا على صاحبها. أما الله عز وجل فغني عن العالمين. وبهذا قررت السورة أن الإيمان يلازمه الصبر على الامتحان، ويلازمه رجاء الله واليوم الآخر، ويلازمه الجهاد.
فمن فاته الصبر، أو رجاء الله واليوم الآخر، أو الجهاد بمعناه الواسع العريض، فإنه ليس من أهل الصدق في الإيمان. وبعد إذ تقرر هذا كله، أعلمنا الله ما أعده لمن اجتمع له الإيمان والعمل الصالح. وصلة هذه المعاني بمقدمة سورة البقرة واضحة، وخاصة بقوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فعلامة الصدق بالإيمان بالغيب النجاح في الامتحان، وأن لا يريد الإنسان بعمله إلا وجه الله، وأن يجاهد نفسه وشيطانه وأعداء الله عز وجل، فالإيمان بالغيب لا بد أن يأخذ مداه العملي في مثل هذا، ثم الإيمان بالغيب لا بد أن يرافقه عمل صالح فذلك علامة على استقراره في القلب، وبتقرير ما أعد الله لمن آمن وعمل صالحا، جاء أوان أن يعرض الله عز وجل علينا أمره في شأن الوالدين، فمن أعظم
أبواب الامتحان الوالدان، ومن أعظم الأعمال الصالحة برهما.
....
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً لأنهما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان. فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق، والوصية في الآية تفيد الأمر، أي وأمرنا الإنسان. وقوله حُسْناً أي فعلا ذا حسن، أو فعلا هو الحسن بعينه؛ لفرط جماله وكماله وَإِنْ جاهَداكَ أيها الإنسان لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي لا علم لك بإلهيته، أي وإن جاهداك لتشرك بالله شيئا لا يصح أن يكون إلها وكل ما سوى الله كذلك فَلا تُطِعْهُما أي في ذلك؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي مرجع من آمن ومن أشرك، فأجازيكم حق جزائكم فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال النسفي:(وفي ذكر المرجع وعيد وتحذير من متابعتهما على الشرك، وحث على الثبات والاستقامة في الدين) وإذن فمع الوصية بالرأفة والرحمة، والإحسان إلى الوالدين، في مقابلة إحسانهما المتقدم بيّن الله عز وجل أنّه إن حرصا على أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما، فلا تطعهما في ذلك؛ فإنّ مرجعكم أيها الناس إليّ يوم القيامة، فيجزيك الله أيها المؤمن بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، ويحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت