الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا إقامة حجّة على الكافرين الذين لا يستفيدون من الإنذار إذ لم يبق لهم ما يتعلّقون به بعد هذا القرآن، ولئن كان المقطع أدى دوره في هذا الموضوع فهو يؤدي دوره كذلك في تعليم النّذير وأمّته ما ينبغي أن يكونوا عليه من الكمال، غير ملتفتين إلى أقوال الكافرين ومواقفهم.
2 -
لقد رأينا في هذا المقطع كيف أن هذا القرآن ذكر من خلال تذكيره بفعل الله برسله، ومن خلال ذكره لكمال رسله وهديهم، ومن خلال تقريره للحجج القاطعة كما رأينا نموذج ذلك في الآيات الآتية في وسط الكلام عن داود وسليمان عليهما السلام، وسنرى الآن المجموعة الأخيرة في المقطع كنموذج على كون القرآن ذكرا من خلال عرضه ما أعد الله عز وجل للمتقين وللظالمين. فلنر المجموعة الأخيرة:
…
هذا ذِكْرٌ قال ابن كثير: (أي هذا فصل فيه ذكر لمن يتذكّر. وقال السدي يعني القرآن العظيم) وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ أي لحسن مرجع ومنقلب.
…
كلمة في السياق:
قد وجّه النسفي هذه الآية على الشكل التالي: قال: (أي: هذا شرف وذكر جميل، يذكرون فيه أبدا، وإنّ لهم مع ذلك لحسن مرجع، يعني: يذكرون في الدنيا بالجميل، ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة رب جليل). وعلى هذا فالنسفي يفهم أن المراد بالمتقين في الآية هم المذكورون من قبل، وأن المراد بالأوامر السابقة وَاذْكُرْ
…
التعريف على شرف هؤلاء الرّسل، فيكون على هذا الدرس الرئيسي في المقطع كله: هو أن الذين يتّقون الله لهم شرف الدنيا والآخرة، فكن أيها الإنسان منهم، ولا تكن من الكافرين الذين عرض الله لهم في أول السورة، وسيعرض الله علينا ما أعدّ لهم من عذاب في آخر هذه المجموعة، وهو توجيه حسن، ولكنّ التوجيه الذي وجهناه نحن، والذي يعضده عرض ابن كثير قد يكون أكثر انسجاما مع السّياق- والله أعلم-. وعلى توجيهنا يكون المعنى: إن هذا القرآن مهمته التذكير، فمن اتقى فجزاؤه كذا، ومن طغى فجزاؤه كذا، فكانت الصيغة المؤدية لهذا المعنى:
هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
…
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
…
ولنعد إلى التفسير.
…
فقد فسر الله عز وجل حسن المآب الذي أعده للمتقين بقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ أي: جنات إقامة مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ أي: مفتحة لهم أبوابها أي: إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها
مُتَّكِئِينَ فِيها أي: جلستهم المفضّلة هي الاتّكاء، وهي أكثر أنواع الجلوس راحة يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ أي: مهما طلبوا وجدوا، وأحضر كما أرادوا وَشَرابٍ أي: من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدّام
وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي: عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن أَتْرابٌ أي: متساويات في السنّ والعمر. قال النسفي: (أي: لدات أسنانهنّ كأسنانهم، لأنّ التحابّ بين الأقران أثبت)
هذا ما تُوعَدُونَ أيها المتقون لِيَوْمِ الْحِسابِ أي: ليوم تجزى كل نفس بما عملت قال ابن كثير: (أي: هذا الذي ذكرنا من صفة الجنّة هي التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار). ثم أخبر تبارك وتعالى عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا زوال ولا انقضاء ولا انتهاء.
فقال تعالى: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ أي: من انقطاع، ولما ذكر الله تعالى مآل السعداء، ثنّى بذكر حال الأشقياء، ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال:
هذا أي: الأمر هذا، أو هذا كما ذكر وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ أي: الخارجين عن طاعة الله عز وجل، المخالفين لرسل الله صلى الله عليه وسلم لَشَرَّ مَآبٍ أي: لسوء منقلب ومرجع. ثمّ فسّره بقوله:
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها أي: يدخلونها فتغمرهم من جميع جوانبهم فَبِئْسَ الْمِهادُ شبّه ما تحتهم من النّار بالمهاد الذي يفترشه النائم
هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ أي: هذا حميم وغسّاق فليذوقوه. قال ابن كثير: (أما الحميم: فهو الماء الذي قد انتهى حره، وأما الغساق: فهو ضدّه، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم). ولهذا قال عز وجل:
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ أي: وأشياء من هذا القبيل، الشئ وضده يعاقبون بها. قال الحسن البصري: ألوان من العذاب. وقال غيره:
كالزمهرير، والسّموم، وشرب الحميم، وأكل الزّقوم، والصعود والهوي، إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادّة، والجميع مما يعذّبون به، ويهانون بسببه
هذا فَوْجٌ