الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في السياق: [حول صلة المقطع الثامن بسورة المائدة وبالمحور وبالمقطع السابع]
1 -
كنّا ذكرنا أن المقطع المبدوء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا من سورة الأحزاب يكون ألصق بسورة المائدة ومحورها، ولعلّ هذا المقطع يؤكّد هذا الذي ذكرناه بشكل أوضح، وذلك أن محور سورة المائدة هو قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لاحظ الصلة بين قوله تعالى في آيتي المحور إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما
…
وبين قوله تعالى في هذا المقطع وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ولاحظ الصلة بين معاني المقطع، وبين قوله تعالى في المحور وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فالتثقيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذاؤه، وإيذاء المؤمنين، كل ذلك من قطع ما أمر الله به أن يوصل.
2 -
لاحظ الصلة بين هذا المقطع والذي قبله، فالمقطع السابع كان حديثا عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المقطع في مسراه الرئيسي كان حديثا عن آداب المؤمنين مع بيوته، وأزواجه عليه الصلاة والسلام.
فوائد:
1 - [سبب نزول آية الحجاب وهي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
.. ]
في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
…
قال ابن كثير: (هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي عز وجل في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؛ فأنزل الله تعالى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر، فلو حجبتهن؛ فأنزل الله آية الحجاب. وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فنزلت كذلك. وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر، وهي قضية رابعة.
وقد روى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله
يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؛ فأنزل الله آية الحجاب، وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش التي تولّى الله تزويجها بنفسه، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة في قول قتادة والواقدي وغيرهما، وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وخليفة بن خياط: أن ذلك كان في سنة ثلاث. فالله أعلم. روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلمّا رأى ذلك قام، فلما قام من قام قعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقوا فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى
دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا الآية. وقد رواه أيضا في موضع آخر ومسلم والنسائي من طرق عن معتمر بن سليمان به ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه بنحوه. ثم روى عن أنس بن مالك قال: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجئ قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجئ قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت: يا رسول الله ما أجد أحدا أدعوه قال: «ارفعوا طعامكم» وبقي ثلاثة رهط يتحدّثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال:«السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته» قالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك يا رسول الله بارك الله لك؟ فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أخبر القوم، فخرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجه، أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب. انفرد به البخاري من بين أصحاب الكتب الستة، سوى النسائي في اليوم والليلة، وقد تقدم في أفراد مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس. وروى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال:
أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه فصنعت أم سليم حيسا، ثم جعلته في تور فقالت:
اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرئه مني السلام، وأخبره أن هذا منا له قليل. قال
أنس: والناس يومئذ في جهد، فجئت به فقلت: يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم إليك، وهي تقرئك السلام، وتقول: أخبره أن هذا منا له قليل، فنظر إليه ثم قال:
«ضعه» فوضعته في ناحية البيت ثم قال: «اذهب فادع فلانا وفلانا» فسمى رجالا كثيرا وقال: «ومن لقيت من المسلمين» فدعوت من قال لي، ومن لقيت من المسلمين، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس، فقلت: يا أبا عثمان كم كانوا؟ فقال كانوا زهاء ثلاثمائة. قال أنس: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جئ به، فجئت به إليه، فوضع يده عليه ودعا وقال:«ما شاء الله- ثم قال- ليتحلّق عشرة عشرة، وليسمّوا، وليأكل كلّ إنسان مما يليه» فجعلوا يسمّون ويأكلون، حتى أكلوا كلهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ارفعه» قال: فجئت فأخذت التور فنظرت فيه، فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت. قال: وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط، فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول الله، وكان أشد الناس حياء، ولو أعلموا، كان ذلك عليهم عزيزا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه، ابتدروا الباب فخرجوا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل البيت، وأنا في الحجرة، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يسيرا، وأنزل الله عليه القرآن، فخرج وهو يتلو هذه الآية:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الآية. قال أنس: فقرأهن عليّ قبل الناس، فأنا أحدث الناس بهن عهدا»
…
وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي
…
، وروى الإمام أحمد عن أنس لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد:«اذهب فاذكرها عليّ» قال: فانطلق زيد حتى أتاها- قال: وهي تخمّر عجينها- فلما رأيتها عظمت في صدري. وذكر تمام الحديث كما قدمناه عند قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً وزاد في آخره: ووعظ القوم بما وعظوا به. قال هاشم في حديثه:
لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية. وروى ابن جرير عن عائشة قالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع- وهو صعيد أفيح- وكان عمر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم حجّب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة، حرصا على أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل الله الحجاب. هكذا وقع في هذه الرواية، والمشهور أن هذا كان بعد