الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا خفاء به.
كلمة في السياق:
جاءت هذه الآيات في سياق الكلام عن الحكمة، فقد جاءت بين قوله تعالى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وبين ما سيأتي من قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ومن ثمّ فهي تتحدّث عن مظاهر من حكمة الله الذي أنزل هذا القرآن، فهي تدلّل على أنّ هذا القرآن حكيم من خلال التدليل على حكمة الله منزل هذا الكتاب. وهي تؤدّي دورا آخر، فهي من خلال الكلام عن الله عز وجل ومظاهر قدرته وإنعامه وإحكامه تدلّل على أنه وحده واجب العبادة، وأمّا غيره فلا يستحقها، وفي ذلك تأكيد لضرورة اتباع كتابه بالتحقق بشروط الاتّباع، من إحسان، وصلاة، وزكاة، ويقين باليوم الآخر، فذلك هو الاقتضاء الفطري لمعرفة الله عز وجل، وبهذا انتهى المقطع الأول ليأتي المقطع الثاني وفيه قصة لقمان عليه السلام.
فوائد: [كلام ابن كثير وصاحب الظلال والمؤلف حول آية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ
.. ]
للمفسرين كلام كثير في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فما هو لهو الحديث؟ وما هو شراؤه؟ وما صلة ذلك في الإضلال عن سبيل الله؟ لننقل لك من كلام المفسّرين ما يتضح لك به هذا النّص.
1 -
قال ابن كثير: (لما ذكر تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه كما قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ الآية.
[الزمر: 23] عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء، بالألحان وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال:
هو والله الغناء.
روى ابن جرير عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله ابن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ
فقال عبد الله بن مسعود: الغناء والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. وعن أبي الصهباء أنه سأل ابن مسعود عن قول الله: وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال: الغناء، وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بذيمة. وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ في الغناء والمزامير، وقال قتادة: قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكن شراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
وقال الضحاك في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال:
يعني الشرك، وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختار ابن جرير أنه كل كلام يصدّ عن آيات الله، واتباع سبيله، وقوله تعالى: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله. وقوله تعالى: وَيَتَّخِذَها هُزُواً قال مجاهد: ويتخذ سبيل الله هزوا، يستهزئ بها، وقال قتادة: يعني ويتخذ آيات الله هزوا وقول مجاهد أولى).
…
2 -
وقال صاحب الظلال:
(ولهو الحديث كل كلام يلهي القلب ويأكل الوقت، ولا يثمر خيرا ولا يؤتي حصيلة تليق بوظيفة الإنسان المستخلف في هذه الأرض لعمارتها بالخير والعدل والصلاح. هذه الوظيفة التي يقرر الإسلام طبيعتها وحدودها ووسائلها، ويرسم لها الطريق. والنص عام لتصوير نموذج من الناس موجود في كل زمان وفي كل مكان.
وبعض الروايات تشير إلى أنه كان تصويرا لحادث معيّن في الجماعة الإسلامية الأولى.
وقد كان النضر بن الحارث يشتري الكتب المحتوية لأساطير الفرس وقصص أبطالهم وحروبهم؛ ثم يجلس في طريق الذاهبين لسماع القرآن من رسول الله- صلى الله عليه وسلم محاولا أن يجذبهم إلى سماع تلك الأساطير والاستغناء بها عن قصص القرآن الكريم. ولكن النص أعم من هذا الحادث الخاص إذا صح أنه وارد فيه. وهو يصوّر فريقا من الناس واضح السمات، قائما في كل حين. وقد كان قائما على عهد الدعوة الأولى في الوسط المكي الذي نزلت فيه هذه الآيات.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ .. يشتريه بماله ويشتريه بوقته،
ويشتريه بحياته. يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص، يفني عمره المحدود، الذي لا يعاد ولا يعود، يشتري هذا اللهو لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً فهو جاهل محجوب، لا يتصرف عن علم، ولا يرمي عن حكمة؛ وهو سيئ النية والغاية، يريد ليضل عن سبيل الله. يضل نفسه ويضل غيره بهذا اللهو الذي ينفق فيه الحياة. وهو سيئ الأدب يتخذ سبيل الله هزوا، ويسخر من المنهج الذي رسمه الله للحياة وللناس. ومن ثمّ يعالج القرآن هذا الفريق بالمهانة والتهديد قبل أن يكمل رسم الصورة: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .. ووصف العذاب بأنه مهين مقصود هنا للرد على سوء الأدب والاستهزاء بمنهج الله وسبيله القويم).
أقول: وعلى كل حال فقد فهمنا أن للهو الحديث صلة في الإضلال عن سبيل الله سواء كان لهو الحديث غناء أو سمرا بباطل، أو سمرا بكفر، وسواء تمثّل ذلك بقصيدة، أو ديوان شعر، أو قصة، أو غير ذلك، ولا شك أن الذي يبذل جهدا أو مالا لإشاعة ذلك بقصد الإضلال أو الصدّ عن سبيل الله فإنه ممن يضل عن سبيل الله.
***