الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثير، يترتب عليه اختلاف المعنى، وقد لخص النسفي ذلك فقال:(والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، فالرافع الكلم، والمرفوع العمل، لأنه لا يقبل عمل إلا من موحّد، وقيل الرافع الله والمرفوع العمل، أي العمل الصالح يرفعه الله، وفيه إشارة إلى أن العمل يتوقف على الرفع، والكلم الطيب يصعد بنفسه، وقيل العمل الصالح يرفع العامل ويشرّفه. أي من أراد العزة فليعمل عملا صالحا فإنه هو الذي يرفع العبد) وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ المكرات السَّيِّئاتِ محافظة على عزتهم الباطلة، أو للوصول إلى العزة الجاهلية؛ رغبة في الدنيا وطلبا لها لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ أي يفسد ويبطل
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ خلق آدم من تراب، وخلقكم من تراب، حتى صرتم نطفا ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي ثم أنشأكم من نطفة ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أي أصنافا، أو ذكرانا وإناثا وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ أي إلا معلومة له وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ أي من أحد وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ يعني اللوح أو صحيفة الإنسان. قال ابن كثير: يقول: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا هو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له؛ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي إن إحصاء ذلك، أو إنّ زيادة العمر ونقصانه، على الله سهل.
…
نقل: [من الظلال حول آية مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ
.. ]
قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ:
(وهذه الحقيقة كفيلة حين تستقر في القلوب أن تبدل المعايير كلها، وتبدل الوسائل والخطط أيضا!
إن العزة كلها لله. وليس شئ منها عند أحد سواه. فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره. ليطلبها عند الله، فهو واجدها هناك وليس
بواجدها عند أحد، ولا في أي كنف، ولا بأي سبب فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.
إن الناس الذين كانت قريش تبتغي العزة عندهم بعقيدتها الوثنية المهلهلة؛ وتخشى اتباع الهدى- وهي تعترف أنه الهدى- خشية أن تصاب مكانتها بينهم بأذى. إن الناس هؤلاء. القبائل والعشائر وما إليها. إن هؤلاء ليسوا مصدرا للعزة، ولا يملكون أن يعطوها أو يمنعوها فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً .. وإذا كانت لهم قوة فمصدرها الأول هو الله. وإذا كانت لهم منعة فواهبها هو الله. وإذن فمن كان يريد العزة والمنعة فليذهب إلى المصدر الأول، لا إلى الآخذ المستمد من هذا المصدر. ليأخذ من الأصل الذي يملك وحده كل العزة، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم. وهم مثله طلاب محاويج ضعاف!
إنها حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية. وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين، وتعديل الحكم والتقدير، وتعديل النهج والسلوك، وتعديل الوسائل والأسباب! ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزا كريما ثابتا في وقفته غير مزعزع، عارفا طريقه إلى العزة، وطريقه الذي ليس هنالك سواه!
إنه لن يحني رأسه لمخلوق متجبر. ولا لعاصفة طاغية. ولا لحدث جلل.
ولا لوضع ولا لحكم. ولا لدولة ولا لمصلحة، ولا لقوة من قوى الأرض جميعا.
وعلام؟ والعزة لله جميعا. وليس لأحد منها شئ إلا برضاه؟
ومن هنا يذكر الكلم الطيب والعمل الصالح:
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.
ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة مغزاه وإيحاؤه. فهو إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله. القول الطيب والعمل الصالح. القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه؛ والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه ويكرمه بهذا الارتفاع. ومن ثمّ يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء.
والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس.
حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله. حقيقة يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلي. يستعلي بها على شهواته المذلة، ورغائبه القاهرة،
ومخاوفه ومطامعه من الناس وغير الناس. ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه. فإنما تذل الناس شهواتهم ورغباتهم، ومخاوفهم ومطامعهم.
ومن استعلى عليها فقد استعلى على كل وضع وعلى كل شئ وعلى كل إنسان
…
وهذه هي العزة الحقيقية ذات القوة والاستعلاء والسلطان!
إن العزة ليست عنادا جامحا يستكبر على الحق ويتشامخ بالباطل. وليست طغيانا فاجرا يضرب في عتو وتجبر وإصرار. وليست اندفاعا باغيا يخضع للنزوة ويذل للشهوة. وليست قوة عمياء تبطش بلا حق ولا عدل ولا صلاح .. كلا! إنما العزة استعلاء على شهوة النفس، واستعلاء على القيد والذل، واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله. ثم هي خضوع لله وخشوع؛ وخشية لله وتقوى، ومراقبة لله في السراء والضراء .. ومن هذا الخضوع لله ترتفع الجباه. ومن هذه الخشية لله تصمد لكل ما يأباه. ومن هذه المراقبة لله لا تعنى إلا برضاه.
هذا مكان الكلم الطيب والعمل الصالح من الحديث عن العزة، وهذه هي الصلة بين هذا المعنى وذاك في السياق. ثم تكمل بالصفحة المقابلة:
وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ.
ويمكرون هنا مضمنة معنى يدبرون. ولكنه عبّر بها لغلبة استعمالها في السوء.
فهؤلاء لهم عذاب شديد. فوق أن مكرهم وتدبيرهم يبور. فلا يحيا ولا يثمر.
من البوار ومن البوران سواء. وذلك تنسيقا مع إحياء الأرض وإثمارها في الآية السابقة.
والذين يمكرون السيئات يمكرونها طلبا للعزة الكاذبة، والغلبة الموهومة. وقد يبدو في الظاهر أنهم أعلياء، وأنهم أعزاء، وأنهم أقوياء. ولكن القول الطيب هو الذي يصعد إلى الله، والعمل الصالح هو الذي يرفعه إليه. وبهما تكون العزة في معناها الواسع الشامل. فأما المكر السيئ قولا وعملا فليس سبيلا إلى العزة ولو حقق القوة الطاغية الباغية في بعض الأحيان. إلا أن نهايته إلى البوار وإلى العذاب الشديد. وعد الله.
لا يخلف الله وعده. وإن أمهل الماكرين بالسوء حتى يحين الأجل المحتوم في تدبير الله المرسوم).