الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - [كلام المؤلف بمناسبة قوله تعالى حكاية عن قسم إبليس فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
.. ]
بمناسبة قوله تعالى حكاية عن قسم إبليس: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ نتذكر ما أثبتناه في فوائد المقطع الأول عند قوله تعالى:
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ من أجل أن نعمل على السير إلى طريق الاستخلاص، وهو كما حددته الآية: ذكر الدار الآخرة، والتذكير به- وحبذا لو وقف الإنسان عند الآيات المذكرة بالآخرة- وكانت له جلسة تفكر في الآخرة كل يوم، قال تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر: 18].
…
كلمة أخيرة في سورة (ص) ومجموعتها:
لاحظ قوله تعالى في سورة (ص) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ وتذكر ما فسّر به المفسرون قوله تعالى: وَالْأَبْصارِ بأنه البصر في الدين والفقه فيه. وتذكّر الآن محور السورة من سورة البقرة:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
فالكافرون على أبصارهم غشاوة، والرسل عليهم الصلاة والسلام أصحاب الأبصار، هذا نموذج على الصلة الدقيقة بين سورة (ص) ومحورها من سورة البقرة.
وقد رأينا كيف أن مقدّمة سورة (ص) أرتنا كيف أن الكافرين لا ينفع معهم الإنذار، كما رأينا كيف أن المقطع الأول أعطى دروسا للنذير من خلال الأمر بالصبر والذكر، ثم رأينا كيف أن المقطع الثاني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول المعاني الأخيرة الفاصلة القاطعة التي تقيم الحجج النهائية على الكافرين، وقد رأينا كيف أن عدم انتفاع الكافرين بالإنذار قد عرض في السورة بما تقوم به الحجة على الكافرين قياما كاملا، من خلال ذكر خصائص القرآن، وخصائص الرسول عليه الصلاة والسلام.
…
وسورة (ص) والصافات عالجت كل منهما معاني رئيسية لمحور محدد، ولكن كون السورتين عالجتا مقدمة سورة البقرة فإنك تجد تداخلا بين السورتين، بحيث تجد سورة الصافات قد تعرضت لمواقف الكافرين، وبحيث تجد سورة (ص) قد تعرّضت للكلام عن المتقين، ولكن في نفس الوقت انصبّ الكلام الرئيسي في سورة الصافات على
تفصيل معان في إطار الآيات الأربعة الأولى من سورة البقرة، وانصبّ الكلام انصبابا رئيسيا في سورة (ص) عن الآيتين اللاحقتين.
…
وقد رأينا من خلال عرضنا لسورة (ص) كيف يظهر التكامل بينها وبين سورة الصافات، على اعتبار أنهما تشكلان مجموعة واحدة، فكما أن التكامل قائم بين محوريهما فكذلك نرى التكامل على امتداد السورتين. فمقدمة سورة الصافات تقرر إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ ومقدمة سورة (ص) يرد فيها قوله تعالى على لسان الكافرين: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ.
وسورة (ص) تتحدّث عن اختصام الكافرين مع بعضهم في النار، وسورة الصافات تستثني عباد الله المخلصين مرات. وسورة (ص) تذكر الطريق إلى هذا الاستخلاص، وتستثنيهم من الوقوع في غواية الشيطان. وسورة الصافات تذكر المرسلين وإنذارهم ودعوتهم، وسورة (ص) تتحدّث كذلك عن الرسل. وهكذا نجد السورتين تتداخلان، وتتكاملان لتؤديا دورا واحدا في بناء قضية الإيمان والسلوك الإيماني، وفضح الكفر والسلوك الكافر.
…
نلاحظ في سورة الصافات أنها لم تتحدّث عن داود وسليمان وأيوب عليهم السلام، بينما تحدّثت عنهم سورة (ص). وتحدّثت سورة الصافات عن نوح وإلياس وموسى وهارون ولوط ويونس عليهم الصلاة والسلام ولم تتحدّث عنهم سورة (ص).
وتحدثت سورة الصافات عن إلياس عليه السلام. وتحدّثت سورة (ص) عن خليفته اليسع عليه السلام. وتحدّثت سورة الصافات بشيء من الإسهاب عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم الصلاة والسلام بينما ذكرتهم ذكرا فقط سورة (ص). وكل ذلك من مظاهر التكامل بين السورتين.
…
ويلاحظ أن سورة (ص) تحدّثت عن خاصية من خواص القرآن وهو أنه (ذو الذكر) ونحب أن نذكر هنا أن هذه الخاصية التي تحدّثت عنها سورة (ص) خاصية فريدة وعجيبة ومعجزة. وهي وحدها تدل على أن هذا القرآن من عند الله.
فكتاب تحدّث عن كل شئ، وفصّل كل شئ مما يحتاجه الإنسان، وكان فيه الأمر والنهي، والخبر والقصّة، والعظة والزجر، والترغيب والترهيب وغير ذلك، فإن يكون هذا كله فيه مذكّرا بالله عز وجل، إن كتابا على مثل هذا الكمال، وفيه مثل هذه الخاصية الظاهرة من أوله إلى آخره، لا يمكن أن يكون من عند بشر.
***